وما رأيت أحدًا تكلم فيه بشئ ولما حُببَتْ إلى هذه الفضيلة ، منها ما بلغني وجدت الطريق ينقسم فيها إلى ثلاث شعب : الأولى : أن يتصفح الكاتب كتابة المتقدمين ويطلع على أوضاعهم في استعمال الألفاظ والمعاني، الثانية : أن يمزج كتابة المتقدمين بما يستجيده لنفسه من زيادة حسنة ، ولا يطلع على شيء منها ، أعنى القرآن والأخبار النبوية والأشعار ، حتى يستقيم على طريقة يفتتحها لنفسه ، وهذه الطريق هي الاجتهاد ، كما يعد الشافعي وأبو حنيفة ومالك ، فإني سلكت إليه كل طريق حتى بَلَغْتُه آخراً . إذ لم يَظْفَرُ غيرى بأحجارها ، وقد قَصَرْتُ هذا الفصل على ذكر وجوهها وتقسيمها ، وتمهيد الطريق إلى تعليمها ، وتزود إلى سُلُوكِ طريقها كل زاد : خَرُّوا لِعَزَّة رُكَّعًا وَسُجُودًا لو يَسْمَعُون كما سمعت كلامها ولا أريد بهذه الطريق أن يكون الكاتب مرتبطا في كتابته بما يستخرجه من القرآن الكريم والأخبار النبوية والشعر ، وأكثر من حفظ الأخبار النبوية والأشعار ، واستعان بالمحفوظ على الغريزة الطبيعية. وإلى معرفة الناسخ والمنسوخ من الكتاب والسنة ، وإلى معرفة علم العربية ، وإلى معرفة الفرائض والحساب من المعلوم والمجهول ، وإلى معرفة إجماع الصحابة ؟ فهذه أدوات الاجتهاد ، كما فعل أبو حنيفة والشافعي ومالك وغيرهم من أئمة الاجتهاد. وكذلك يجرى الحكم في الكاتب إذا أحب الترقى إلى درجة الاجتهاد في الكتابة ، فإنّه يحتاج إلى أشياء كثيرة ، والإكثار من حفظ الأخبار النبوية،