خلق الله النوم رحمة بالإنسان يخلد إليه فيزيل عنه النصب ويرفع ما به من وصب فينصف المرء جسده وفكره وعقله فتقر عينه وتهنأ روحه وتصفو نفسه فيبعث نشيطاً مبدعاً، ولكنّ النوم في هذه المرة لم يحقق المراد بل خرج عن السياق فحمّل أثقالاً مع أثقالٍ وملأ القلب هماً والنفس غماً والجسد حِمْلاً. لقد وقع هذا المسكين فريسة سهلة لمؤول جاهل لا يَمِيزُ بين بشرى الرحمنِ وتَحْزِينِ الشَّيْطَانِ ولا بين حديثِ النفس وبين تلعبِ الشيطانِ والأضغاثِ والأحلامِ فمداده الخوفُ والوجل وقلمه التفريقُ والدجلُ، لقد أوّلت رؤياه بموته وهتك عرضه وفصله من عمله وأن كل من حوله قد عانوه وبأبصارهم قد أصابوه. ألهذا الحد تحدد آمالَنا الأحلامُ ويرسمُ مستقبلَنا المنامُ؟ وتنطلقُ طموحاتُنا من الأوهامِ وتنبثقُ تطلعاتُنا من تلاعبِ الشَّيْطَانِ وتبنى علاقاتنا على وساوس الشيطان، أليست انتباهة العين أولى من غمضتها؟! إنّ أمرَ الرؤى وتعبيرها ثابت في الكتاب والسنة فلم تكن الرؤى إلا بشارةً أوعتاباً أو منذرةً وما سواه فحديث نفس أو من الأضغاث والأحلام والشيطانِ. والرؤى والأحلام لا يستل منها حكم شرعي فتعبيرها ظني لا يقطع به في الحكم على أحد ولا تبرر مواقفنا وقراراتنا وسلوكياتنا تجاه أحد بناء على حلم حالمٍ أو تعبير عابر وماكان من آثارها من قطيعة وسوء ظن وجور وظلم لا تجوز فلم يكن من هديه - صلى الله عليه وسلم - أن يبعث القلق من خلال التعبير أو إحداث القطيعة أو إيقاع الظلم أو إساءة الظن أو التربص بالآخرين وهتك سترهم أو فضحهم أو تعرية بيوتهم وكشف أسرارهم وعوارهم أو كان التعبير حاضاً على ترك العمل والركون إلى الكسل والدعة والنوم. إن الباعث على التأويل في عهده صلى الله عليه وَسَلَّم التعليم والتدريب والتوجيه والنصح والبشارة وبث الأمل والتفاؤل في النفوس ونبذ التخوف من الرؤى وماينتج عنها، وأما رؤياه - صلى الله عليه وسلم - فهي وحي صادق فكان التعبيرفي عهده -صلى الله عليه وسلم - علماً أراد من أصحابه أن يتعلموه ويتدربوا عليه من خلال مدرسة - محمد صلى الله عليه وسلم - فعلى المؤول أن يتقي الله وينهل من المدرسة المحمدية إن أراد التأويل الصحيح فإن لم يكن فليمسك عليه لسانه. لقد غضب - صلى الله عليه وسلم - على عائشة - رضي الله عنها - عندما أولت للمرأة التي سألت تأويل المصطفى صلى الله عليه وسلم فتصدرت عائشة لتأويل رؤياها بموت زوجها وفجور ولدها كما حذّر - صلى الله عليه وَسَلَّم - من الاستسلام للأوهام وتلاعب الشيطان فذاك رجل يذكر مارآه من قطع رأسه وتتبعه له فيغضب المصطفى - صلى الله عليه وَسَلَّم - ويزجره ويقول؛ (لا تخبر بتلعب الشيطان بك في المنام). وقد خاف بعض الصحابة من الأحلام إلى أن تحول الخوف مرضاعند قليل منهم كأبي سلمة وأبي قتادة رضي الله عنهما فعن أبي سلمة قال: لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: (الرؤيا الحسنة من الله فاذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثا ولا يحدث بها احدا فإنها لن تضره). إنّ منهجه - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى أحدنا الرؤيا الحسنة أن يحمد الله ويستبشر بها ويحدث بها من يحب وأن يفسرها التفسير الحسن،