لمواجهة العوائق المصاحبة للضغط المالي الثقيل الذي مثلته الغرامة المالية التي فرضتها الحرب الأسبانية والقرض الإنجليزي ولازدياد حاجياته من السيولة النقدية، لم يكن أمام المخزن بد من الرفع من مستوى استخلاص الجبايات. إن الرفض الذي ووجهت به الإجراءات التشريعية المرتبطة بكيفية أداء الجبايات قد كانت الجبايات والتعبئة من أجل استخلاصها منفصلة عن المستوى الحقيقي للإنتاج (في فترة كانت تتسم أساسا باضطرابات قوية في المحاصيل) كانت محسوبة انطلاقا من حاجيات الدولة لذلك أصبحت تتجه تدريجا نحو الأداء بالسيولة النقدية وذلك من أجل تفادي مشاكل الادخار للمواد الفلاحية ولعلف البهائم. الجبايات قد ارتفعت بنسبة %50 في بعض المناطق (السهول الأطلسية الوسطى) في سنوات قليلة بعد سنة 1862 بدأ يتم تحصيلها بشكل جد مرتفع. هذه الإجراءات تحولت إلى "تحويل الجبايات الشرعية المستخلصة عينا من ثمار الأرض ومن تنمية قطعان الماشية إلى ضرائب تعسفية على الأرض والقطعان" جرمان عياش). وقد فسرت عمليات الابتزاز التي حصلت تحت هذه الإجراءات عدم شعبية هذه المكوس ودورها في تأجيج الانتفاضات الحضرية على سبيل المثال انتفاضة الدباغين بفاس سنة . وساهمت الحمايات القنصلية وعمليات التجنيس والمخالطات بين المغاربة والأجانب في المجال في تعقيد المشكل الجبائي وتعميق حدة استنزاف الفلاحين والحرفيين. الأجانب للمغاربة قد امتدت بشكل خارق لتطال رعايا أضحوا يتمتعون بامتيازات قنصلية كانت في السابق ينفرد فعلى غرار ما كان موجودا في الإمبراطورية العثمانية والصين وفي بلدان أخرى كانت محسوبة على الدول غير المسيحية، فإن هذه الامتيازات كانت تمنح من أجل تحسين مداخيل بيت المال والحفاظ على أثقل الجبايات في الحدود المسموح بها. وبامتداد هذه الامتيازات وشملها لجانب كبير من رعايا السلطان يعني وضعهم خارج المنظومة القانونية والجبائية التي كان معمولا بها وبتعبير آخر استفادتهم من نظام أجنبي وهم على أرض بلادهم بحكم الأدوار التي كانوا يلعبونها في علاقاتهم كمترجمين أو حراس أو خدام إلخ مع الموظفين الأوربيين أو الأمريكيين أو فقط بعلاقات فردية كسماسرة في خدمة ممثلي الدور وقد ساهمت هذه العناصر كوسطاء مع السوق المغربية. وقد كانوا يتكلفون بتوزيع السلع المصنعة والتقاط المواد الموجهة للتصدير. إن الصعود الاقتصادي والاجتماعي لهذه الفئة من التجار قد كان سريعا بحكم احتمائها بالعمليات التي تقوم بها والتي كانت تتمحور حول المواد والسلع المعفاة من القوانين الجمركية وأيضا بحكم أنهم يعملون تحت إمرة الوسطاء الأوربيين لذلك كانوا يمتنعون بسهولة عن أداء واجبات مرور السلع بالأبواب أو مكوس الأسواق. ومن أجل مواجهة المنافسة والتملص من أخذ جل التجار الذين كانت لهم قاعدة مهمة يسعون إلى الاستفادة من نظام الحمايات. تسجيل التهرب الضريبي وتفكك المكونات الأساسية للنظام السياسي العسكري التقليدي. فبإدخال كبار بها السماسرة لأنهم كانوا يتدخلون بأنفسهم هم أيضا في جمع المواد والمحاصيل الموجهة للتسويق وسط قبائلهم. وفي كلا الدورين كانوا يتلقون أساسا دفعات مالية مسبقة على المحاصيل قبل أن تثمر وعلى الأصواف قبل أن يتم جزها. وبالإضافة إلى رفض أداء الضرائب، التي كانت تفرض على أعيان القبائل كالغرامات الجماعية والهدايا وتموين العسكر المفروض على قبائلهم. جرت عادة المخزن أن يعتمد على الأعيان لتموين الحملات العسكرية التي كان يطلق عليها بالحركات من أجل تأديب القبائل العاصية. إن ارتفاع الضغوط الجبائية والعسكرية على حساب سكان البوادي إضافة إلى ازدياد عدد المخالطين والسماسرة قد أدى تضافرها إلى ترسيخ ظاهرتين مختلفتين لكنهما متقاربتان وهما: فمن جهة تزايد عدد متسع الانتشار هو شراء بطاقات الحماية الذي يخول لأصحابها صفة المخالط أو السمسار) ومن جهة أخرى في حين أن الغالبية العظمى كانت تلجأ إلى الخيار الوحيد الذي بقي أمامها وهو العصيان المفتوح. اعتراها الخلل إضافة إلى إقرار نمط جديد من العلاقات بين السلطة المركزية والسلطات المحلية. إنها المحاولة التي باشرها السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان (1859ـ1873) بإنشاء مدرسة مخزنية تعنى بشؤون الإدارة وتقوية المصالح المرتبطة بالجباية وبالمعاملات المالية. منصب أمين الداخل كلف بمراقبة المداخيل ومنصب أمين الخارج لمراقبة المصاريف هذا بالإضافة إلى أمين الحساب لمراجعة الحسابات.