نماذج من انجازات العمانيين في المجالات الاقتصاديةيتوقف النشاط الاقتصادي لأي مجتمع أو إقليم وتأثيره محلياً وعالمياً على جملة من العوامل الجغرافية والتاريخية والثقافية وغيرها، حيث تتفاعل هذه العوامل وتطبع بطابعها الشخصية الاقتصادية للمجتمع وتكسبه قدراته الانتاجيّة والابداعيّة.تؤثر العوامل الجغرافية كالمناخ مثلاً في النشاط الزراعي، كما يؤثر الموقع على انفتاح الدولة على البحار والمحيطات فيؤثر ذلك في النشاط الملاحي والتجاري، وتؤثر التركيبة الجيولوجية وما تحويه من ثروات مختلفة على نشاط السكان زراعياً كان أم صناعياً، وتؤثر العوامل الفكرية في السكان من حيث تقبلهم للتطوير والإفادة من الانفتاح.لقد كان لعمان على مرّ التاريخ رئتان تتنفس بهما وتشكلان معاً تكاملاً في جسد واحد، مع احتفاظ كل منهما بمعالم واضحة وسمات مميزة تنفرد بها عن الأخرى،كان الساحل أكثر اتصالاً بالعالم الخارجي، وقد اكتسب سكانه على مر العصور خبرة كبيرة في مجال الملاحة وبناء السفن والتجارة، بينما انصرف سكّان الداخل إلى الزراعة والتعدين والصناعات والحرف اليدويّة. م كانت عمان أرضاً عامرة يقوم اقتصادها على أنظمة زراعية تعتمد على الري من السيول والأمطار والغيول والآبار الجوفية، فقد توزعت المستوطنات الزراعية في الداخل إلى وحدات شبه مستقلة وفق مجرى الماء.كشفت التنقيبات الأثرية عن نوع من المنشآت الزراعية يسمى )الجلول( أو المصاطب الزراعية التي بناها العمانيون في بلادهم على حواف الوديان وسفوح الجبال لمنع انجراف التربة، شبيه بالمصاطب الزراعية في اليمن وفي مناطق الجبال في بلاد الشام ، كما أقاموا السدود البسيطة والتي بنيت لحفظ الماء لاستعماله للري كسد )وادي سمد( في المنطقة الشرقية.تم إدخال تحسينا جديدا لمنشآت الري في عمان تمثل في ابتكار جديد شهدته عمان لنقل الماء إلى الصحراء عبر شبكة دقيقة من القنوات المقامة تحت سطح الأرض وفوقه تعرف باسم الأفلاج. يقصد بالفلج الماء الجاري عبر قناة مشقوقة وقد انتشر نظام الأفلاج في عدد من المناطق العمانية وخاصة في المناطق الداخلية من البلاد من الألف الثالث قبل الميلاد، وليس كما يعتقد البعض بأنه أكثر حداثة.- تطلّب شق هذه القنوات )الأفلاج(مهارة هندسية دقيقة تقوم على عدد من الأسس العلمية منها :• -معرفة منسوب الماء في الخزان المائي الجوفي، ووفقاً لهذا المنسوب يخططون الأخدود الذي يشقونه بين المرتفعات.• - كيفية شق الأخدود بحيث انحداره تدريجياً نحو السهل المستفيد من هذا الماء، وقد تتفرع من هذه الأفلاج الرئيسة أفلاج أخرى فرعية أصغر الغرض منها ري القرى الصغيرة المتناثرة على جوانب الأودية الكبرى.• - وضع قواعد محددة وأحكام ثابتة لتوزيع الماء توزيعاً عادلاً بين المستفيدين منه، والاعتماد في ذلك على ضوابط دقيقة،عرف العمانيون صناعة الفخار منذ عصور مبكرة، فقد كشفت بعثات الآثار في كل من (حفيت(، و)رأس الجينز (، ومناطق أخرى على فخاراً محلياً يمثل المرحلة الحضارية التي وصل إليها المجتمع العماني، فترة يعود تاريخها إلى العصور الحجرية.منذ النصف الثاني من الألف الثالث ق.م ، نجد أن إنتاج المستوطنات العمانية من الفخار آخذ في الازدياد والتميز من حيث الشكل والنوع حيث امتاز بجودته وجماله، وقد ساعده في ذلك التطور استخدام الدولاب لصناعة الأواني الفخارية، كما تنوعت ألوانه لتشمل اللون الأحمر و البرتقالي، وقد زين ذلك الفخار بزخارف سوداء متداخلة وأشكال مثلثة أو معَّينيٍة.عثر في عمان على أصناف متنوعة من الفخار، وقد شملت رسومات تلك الأواني الفخارية على رسومات الحيوانات والأفاعي والطيور والنباتات،الصناعات الحجرية:كشفت التنقيبات عن نماذج متميزة من الصناعات الحجرية فقد شكّل العمانيون قديماً الحجر الصابوني وحجر الكلوريت، ووجدت مراكز فعلية لتصنيع حجر الصوان عند الاطراف البعيدة من الوادي، والنصال. بتطور صناعة الحجارة نجد هناك أنواع جديدة من الأدوات كالأقداح الحجرية الاسطوانية المزخرفة تم الكشف عنها في كل من مدافن )حفيت(، ومدفن )هيلي( الكبير، ومدافن )ميسر (كما تم العثور على علب حجرية، وأوان منزلية متنوعة حملت تلك الأدوات زخارف لدوائر بداخلها نقط، تم العثور عليها في مواقع متفرقة من شبه جزيرة عمان منها موقع )أم النار).بعض الصناعات الحجرية تحمل تأثير خارجي تؤكد الاتصال الثقافي والتجاري بين عمان قديماً وحضارات العالم القديم منذ عصور موغلة في القدم.أما أجمل قطعة أثرية صنعت من الحجارة فهي مبخرة عثر عليها في موقع رأس الجنز يعود تاريخها إلى الألف الثالث ق.التعدين:أثبتت المعطيات الأثرية المكتشفة في عدد من المواقع في السلطنة على وجود ما يزيد عن 55 موقعاً تعدينياً قديماً، والأصيل.قامت في تلك المواقع مستوطنات تعدين صغيرة، وحصون، لإطعام السكان،الصناعات المعدنية:ازدهرت في عمان منذ الألف الثالث ق. والبرونزية، والحديدية، وأصبحت الأدوات المعدنية أكثر شيوعاً. أتيح للمشتغلين بالمعادن صناعة مصنوعات متنوعة، والرماح، والفؤوس، ورؤوس السهام لدليل واضح على وجود هذا النوع من الصناعات. والبرونزية الطويلة والقصيرة .الأختام:عثر في سلطنة عمان على عدد كبير من الأختام التي تبرهن وجود كيان قوانين اقتصادية تحفظ حق التاجر والدولة، ففي مستوطنة )ميسر( عثر على ختم ذي مقطع شبه منحرف، نقش على أطرافه الثلاثة صور لحيوانات مختلفة.في مستوطنة رأس الجنيز عثر على عدد من الأختام أبرزها ختم مستطيل الشكل عثر عليه في2233 ق.م نقش عليه صورة لشخصين متشابكي الأيدي يقفان بجوار صورة نبات من المحتمل أنه سعف نخيل. وعلى تشابك المصالح الاقتصادية.الأصداف: والعظام.• صناعة المراكبأشارت كتابات ملوك بلاد الرافدين إلى بنائي سفن ماجان، فقد أشار الملك السومري دونجي ) 2353 ق.م ( على لوحة من مدينة )لج ( السومرية إلى وجود بنائين للسفن في أكاد وماجان. وقد كانت سفينة ماجان مصنوعة من القصب ) الخيزران( .في رأس الجنز عثر على دلائل مادية تؤكد حقيقة قيام سكان ماجان بصناعة قوارب البو، فقد احتوت غرف عدد من البيوت الطينية على ألواح قارب من مراكب القصب، وكتل من القار كانت تستخدم لطلاء وسد الفراغات في القوارب التي كانت تصنع من حزم القصب، وظهرت على بعض قطع القار آثار طبعات حزم القصب والحصير والحبال والعوالق البحرية.من خلال تلك المعطيات الأثرية يبدو أن سكان ماجان قد أقاموا في موقع )رأس الجنز( ورشة لصناعة سفن ماجان، وفي أم النار عثر على قطع من الحصير المغطى بالقار بعضها تحمل طبعات خشب.مؤلف كتاب )الطواف حول البحر الارتيري( 1 والذي يعود تاريخ إلى القرن الأول الميلادي، يتحدث عن أن عمان تصنع نوعاً من السفن تسمى )المدرعة(، وأنها كانت تستورد دعائم وألواح السفن من )بريجازا( وقد صدّرت عمان هذه السفن المحلية المخيطة إلى اليمن في تلك الفترة.شهد القرن السابع الميلادي تقدماً وازدهاراً في صناعة السفن، وكان )الشاشة) أحد القوارب التي صنعتها عمان مبكراً وهو عبارة عن زورق مصنوع من حزم من سعف النخيل المربوطة. وقارب آخر هو )الهوري(مصنوع من ألواح خشبية مخيطة بألياف جوز الهند.في الوقت الراهن مازالت القوارب المخيطة الألواح، والبوم والتي استخدمت في الرحلات الطويلة تصنع حتى الآن بالطرق التقليدية في ميناء )صور( العماني.• صناعة النسيج :كشفت التنقيبات الأثرية في موقع )رأس الجنز( على بقايا نوع من الأقمشة.أهم إشارة عن النسيج العماني جاء في تقرير )الطواف حول البحر الأرتيري(مؤلفه بحار يوناني مجهول، ذكر في سياق حديثه صادرات عمان من بينها النسيج.في العهد الإسلامي أشارات المصادر الإسلامية إلى النسيج الصحاري، نستنتج من تلك الإشارات الطفيفة أن العمانيين قديماً قد عرفوا النسيج واستعملوه في نسج الثياب والأربطة والأشرعة.التجارةالتجارة والملاحة البحريّة في العصور القديمة: ومن تضاريس شواطئهم التي هيأت لهم مرافئ طبيعية وفرت الملجأ الآمن للسفن من أخطار العواصف، ومن القرصنة. بفضل تلك الطبيعة المتميزة تألق العمانيون في الملاحة وأصبحوا من روادها في الألف الثالث قبل الميلاد.منذ تلك الفترة ارتبطت عمان )ماجان( مع بلاد الرافدين،ساهمت السفن العمانية في الوساطة البحرية التجارية بين مراسي الخليج العربي، ومراسي )السند( وغيرها.ازدهرت تلك الصلات البحرية بين عمان وبلاد الرافدين والسند بسبب القرب الجغرافي بين المركزين الحضاريين، وسهولة الانتقال البحري بينهما، والسند، وعمان لسلع بعضهما البعض. أن الرحلات البحرية قديما كانت تتخذ من المراكز التجارية البحرية العربية في الخليج، موانئ وأسواق تجارية، والأحجار، والتمور، والبصل وغير ذلكوأما الواردات فكانت: الفخار والأوزان وعقود الخرز والأختام والذهب والفضة والعاج والأواني العاجية والأخشاب وغير ذلك.التجارة والملاحة البحريّة في العصور الاسلامية:كان التجار العمانيون يتعاملون مع الشرق الأقصى من القرن الثاني للهجرة.وصل التجّار العمانيون إلى اندونيسيا والصين شرقاً، وإلى مدغشقر جنوباً. واحتل الساحل العماني موقعاً مثالياً في التجارة بين أفريقيا والهند حيث استقرت أعداد كبيرة من العمانيين على الساحل الشرقي لأفريقيا خلال القرن الأول الهجري.• يقول المسعودي: إن العمانيون من عرب الأزد هم الملاحون الذين يملكون السفن التي تسير إلى بحر بربرة وبحر الزنج.• عمل العمانيون على إعادة تصدير بعض السلع المستوردة من الهند والصين مثل المنسوجات والمصنوعات الحديدية والنحاسية والزجاجية.اكتسبت الطرق التجارية البرية منها والبحرية التي ربطت عمان قديماً بحضارات العالم القديم، أهمية تجارية خاصة،من المعلوم أن طبوغرافية المنطقة، ومناهل المياه وتوفير الحماية، من الشروط الأساسية التي تحدد اتجاه الطريق الذي تسلكه القوافل البرية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الطريق البري قد يتحول أحياناً تبعاً لعوامل سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، وقد ينتج عن ذلك ظهور مدن واندثار أخرى. ومن الملاحظ أن كثيراً من الطرق البرية قد فقدت معالمها عبر الأزمنة التاريخية فتاريخها الذي يعود إلى أكثر من ) 5333 ( خمسة آلاف عام بحاجة إلى بحث ودراسة علمية تسهم في أحياء الحضارة الإنسانية في عمان القديم.وفّرت الطبيعة العمانيّة شبكة داخلية على درجة كبيرة من الأهمية للتبادل التجاري بين مستوطنات الداخل ومستوطنات الساحل، وشبكة اتصالات خارجية مع مراكز الحضارة القديمة، ضمن نظام التجارة الطويلة المدى خلال فترة الألف الثالث ق.من أبرز تلك الطرق طريق يبدأ من وادي )الجزي(، ماراً عبر مراعي الحجر الغربي الشمالية متجها غرباً، وهو الطريق الذي لعب دوراً أساسياً في التجارة حيث يتم مقايضة النحاس والحبوب والتمور من الداخل المحاروالسمك من الساحل منذ الألف الثالث ق. م، ويشكل طريق البريمي حلقة وصل استراتيجية تلتقي عندها طرق عديدة تخدم شرقي شبه الجزيرة،