تُعد قضية الوحي الإلهي الركيزة الأساسية للأديان السماوية، حيث يُعتبر الله مصدرها الوحيد، مُوحيًا بها عبر جبريل إلى الأنبياء الذين يبلغونها للناس. يُؤكد القرآن الكريم هذا بوضوح، كما في سورة الشورى (51). النبي في هذا السياق مُستقبِل للوحي، حافظًا له ومُبلغًا إياه، دون أي تأثير في مضمونه أو إحداثه. الوحي واقعة مستقلة عن النبي، خارجة عن الزمان والمكان، مصدرها متعالٍ على كل الظروف. وقد ناقش علماء المسلمين عبر التاريخ حقيقة الوحي، دافعين عن إمكانيته ضد منكريه من براهمة وماديين ويهود ونصارى، كما ردوا على من فسروا الوحي بأسباب نفسية أو بلاغية. لكن، يُقدم الخطاب الحداثي "فهماً جديداً" للوحي، يُقسِّمه إلى رؤية تقليدية "سطحية" وأخرى حداثية "عميقة". يُقرّ الحداثيون بنزول الوحي لكنهم يُشيرون إلى تأثره بالطبيعة الإنسانية والأبعاد النفسية والثقافية للنبي. أمثلة على ذلك: عبد المجيد الشرفي الذي يرى الوحي حالة استثنائية، ومحمد أركون الذي يُحاول تجاوز التصور التقليدي للوحي، مُعتبرًا إياه ظاهرة اجتماعية، ونصر حامد أبو زيد الذي يُؤكد على دور الخيال الإنساني. يُركز الخطاب الحداثي على الجانب الفيزيائي الحسي، مُغلبًا النزعة المادية، وهدفه إثبات تاريخية الأديان وتأثرها بالظروف المحيطة. لكن، يُعارض النص هذا التصور بإبراز قصوره المعرفي، وافتقاره للجدية البحثية في دراسة الوحي، وتجاهله للشواهد القرآنية والسنة التي تُبيّن تفاصيل الوحي، وتؤكد مصدره الإلهي. كما يُشير إلى استحالة أن تكون المعارف العلمية في القرآن ناتجة عن قوة ذكاء النبي أو مخيلته، وإلى معجزات النبي التي تستحيل تفسيرها بأسباب نفسية. كما يُشدد على أن نبوة النبي ليست ظاهرة مُفردة (القرآن فقط)، بل ظاهرة مُركبة تشمل معجزات وأحوالًا أخلاقية ونفسية. ويُضيف أن أحداثًا سابقة ولاحقة للنبوة تدل على اصطفاء إلهي، وأن الوحي لم يكن خاضعًا لإرادة النبي أو لظروفه الشخصية. يختم النص بأن الرؤية الحداثية للوحي لا تتوافق مع القرآن والسنة، مُقارنًا تفسيراتها بتفسيرات غير دقيقة لأقوال أرسطو أو المتنبي. الخيار إما قبول الرؤية الحداثة ورفض القرآن، أو العكس.