ّ لا شك أن الإنسان اجتماعي بالفطرة وهي ضرورة لحياته،غرسها المـولى عـز وجـل فيـه حينمـا خلقـه، ولمـا هـبط آدم إلـى الأرض لـميهـبط وحـده بـل مـع زوجـه، قـال تعـالى: ﴿ۋٱۋٱۅٱٱۅۉ﴾ ]طـه: ،[١٢٣وقـــــال تعـــــالى: ﴿ٱٱٻٱٻٱٻٻ﴾ ]البقـــــرة: ،مقتضيات اجتماع البشر أن يتأثر بعضهم بأفكار بعض وسلوكهم،الحجـر علـى الفكـر أو التحـرز مـن تـأثير الأفكـار؛ وذلـك لأنهـا ليسـت مـادةيمكن السيطرة عليها ومنعها عـن النـاس، وقـد حـاول البشـر ذلـك فلـم ولـنولقد طرأ على المجتمعات الإسلامية في عصور التأخر والتـخلف كثيـرً من الأفكار والمذاهب التي نشأت في المجتمعـات الغربيـة المتطـورة ماديـا؛٢٢٤ً ممـا سـوغ كثيـرا مـن تلـك الأفكـار حتـى زعـم الـبعض أن سـر تطـور تلـك وسعواجاهدين في تطبيق تلـك الأفكـار في المجتمعـات الإسـلامية ضـاربين عـرضالحــائط بمــا لــدى المجتمعــات الإســلامية مــن نظــم وتشــريعات ســماوية لكـنهمكانوا في اندفاع لا يفسره إلا ما ذكره ابن خلدون في مقدمتـه مـن أن المغلـوبً مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسـائر أحوالـه وعوائـده،ً وذكر أن السبب في ذلك أن النفس أبدا تعتقـد الكمـال فـيمن غلبهـا وانقـادتإليه: إما لنظره بالكمال بما وقـر عنـدها مـن تعظـيم، أو لمـا تغـالط بـه مـن أنانقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالـب،١ولأجل ذلك فإنـه لا يسـتغرب موقـف كثيـر مـن أبنـاء المسـلمين الـذين حتـى أصـبحً كل ما جاءهم من قبل الغرب من الأفكار والمبادئ والنظريات مدعما ببأسً الحديد معززا بقوة الحجاج وشواهد ً العلم، أنزلـهذوو العقول الفاترة والعقليات المغلوبة -هؤلاء- منزلة الحقائق التي يجـبالإيمان بها واسـتقر في سـويداء قلـوبهم - مـن حيـث لا يشـعرون- أن كـل مـايأتي من الغرب هو الحق وهو المقياس للصحة والصواب.هذا على الرغم من وجود كثير من التناقضات التي يبوء بها كاهل مـنهجالمواقف، وتناقض بين الأقوال والأعمال، الأمر الذي أربـك دعـاة التغريـبفي المجتمعــات الإســلامية - ً لاحقــا- لاســيما بعــد ظهــور زيــف كثيــر مــنالمبادئ والأفكار الغربية التي كان أولئك يدعون إليها ويبشـرون بهـا بصـورةلأفغانستان، ٍّ ثم العراق بعـد ذلـك في تجـل واضـح ومصـادمة جليـة للمبـادئومما تجدر الإشارة إليه هنا؛ موقـف أولئـك الـذين خـذلهم الغـرب مـنخلال الممارسات التـي جـاءت مخالفـة لمـا كـان يبشـر بـه دعاتـه في العـالم؛لاسيما البلاد الإسلامية إذ تنوعت ردود أفعالهم على ثلاثة أشكال:- فريق رجع عن تلك الأفكار وإن بقي معه شيء من لوثتها.العلمانية التي ترتدي ثوب الإيمان.الغربيين أنفسهم.ولعـل مــن أبــرز وأهـم التيـارات والمـذاهب الفكريـة المعاصــرة التـيدخلت على المجتمعات الإسلامية وكان لها أثر بالغ فيها ما يلي:بقولهـــا: تـــأتي كلمـــة علمانيـــة مـــن الكلمـــة الإنجليزيـــة Secularism٢٢٦الحيـاة) ،١ويـذهب آخـرون إلـى أن العلمانيـة هـي الترجمـة العربيـة لكلمـة Secwaritaفي اللغــات الأوروبيــة حيــث يقصــد بهــا:ً إقامـة الحيـاة بعيـدا عـن الـدين أو الفصـل الكامـل بـين الـدين والحيـاة،تعرف دائرة المعارف البريطانية العلمانية بأنهـا: حركـة اجتماعيـة تهـدف إلـىصرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحياة الدنيا وحدها).٢من خلال ما سبق يتضح ضعف التعبير الشائع عن العلمانية بأنهـا فصـلوالصواب أن يقال: فصل الدين عن الحيـاة،إقامة الحياة على غير الـدين، ولكنهـا تكـاد تلغيه؛كعلمانيـةـــ علمانيــة متطرفــة محاربــة للــدين، كعلمانيــة الشــيوعية والعلمانيــةالإلحادية في العصر الحاضر.ولكن على الرغم مما بذله دعـاة المـنهج العلمـاني في العـالم الإسـلاميإلا أنه واجه حملة كشفت حقيقته في العالم الإسلامي مما جعله غيـر مقبـولعند عموم الشـعوب الإسـلامية لمعـرفتهم بحقيقتـه؛ً العلمانية إلى الخروج ببدعة جديدة وهي إعطـاء العلمانيـة زخمـا ً دينيـا لكـيالمؤمنة" التي يعرفونها بأنهـا: حريـة المعتقـد علـى الصـعيد الفـردي،ً بممارسة الشعائر الدينيـة جماعيـا لأي كيـان اجتمـاعي،ً متمتع ٍ ا بقدر واف من الاستقلالية عـن سـلطة الدولـة وهـي تعنـي مواطنـة بـلادين) ،١والمتأمل لهذا التعريف يجد أنه لا يقـدم أي جديـد،في قسمها الذي لا يحارب الدين، الجديد فقط: الاسم الـذي قـد يسـوغ عنـدبعض العوام أو أشباه العوام قبول المنهج العلماني لأجل أنه ألحق به مسمىإن كل من اطلع على فكـرة المـنهج العلمـاني يسـتطيع أن يـدرك أن هـذاالمـنهج مخـالف للإســلام،يصـادم الإسـلام، فالإسـلام ديـن شـمولي لا يقبـل بحـال مـن الأحـوال -في إذ هم -العلمانيون- يحصـرون دور الـدين في علاقـة العبـد بربـه،ويرفضون أن يتعدى ذلك ليـنظم بـاقي منـاحي الحيـاة. (١جريدة الشرق الأوسط، عدد ،٩٠١٠الأربعاء ١٤٢٤/٥/١هـ،٢٢٨في الغــرب في القــرن الثــامن عشــر؛هوليواكي وهو بريطاني ملحد؛ وذلـك عـام )١٨٤٦م( ، كمـا ظهـرت فكرتهـافي الهند وحصلت على دعم كبير من الهندوسـيين، ففكـرة العلمانيـة مرتبطـةبمحاولة إضعاف دور الدين في الحياة.ً ونظـرا لكـون العلمانيـة فكـرة غربيـة فقـد تبناهـا الغـرب وأصـبحت مـنالقضايا المسلم بها في الفكـر الغربـي السياسـي، ومـن ثـم في الفكـر السياسـيالعالمي الدائر في فلك الحضارة الغربية،النظام السائد في كل دول العالم.ويمكن أن نخلص مما سبق إلى الأمور التالية:- ُ العلمانية تعد منهج حياة يهدف إلى فصـل الـدين عـن الـدنيا أو يمكـنالدين(.-العلمانية حديثة الوجود غربية الأصل، فرض وجودها ظروف عاشـهاالعالم الغربـي تحـت ضـغط الكنيسـة التـي وظـف رجالهـا الـدين في الضـغطعلى الناس واستعبادهم.فليس هناك رؤية واضحة ولا فكرة متفق عليها عندهم.العولمة في اللغـة: العولمـة تعنـي إكسـاب الشـيء طـابع العالميـة أو أنهـا٢٢٩ً تصيير المحلي عالميا.أمـا تعريـف العولمـة وتوصـيفها العقلـي العملـي فهـو أمـر مختلـف فيـهبشكل كبير حيث نجد أن البعض يحصرها في جانب أو جوانب مـن النشـاطالإنســاني، فتجــد مــن يقصــرها علــى النشــاط الاجتمــاعي أو السياســي أو والصـحيح هـو أن العولمـة في مـدلولهاً الأعم الأشمل هو: صيرورة العالم واحدا، وهو ظاهر الدلالـة علـى محاولـةصبغ العـالم بصـبغة واحـدة مـن خـلال توحيـد الـنظم والـرؤى والمنطلقـاتبحيـث تلغـى قضـايا التفـرد والخصوصـية الثقافيـة والسياسـية والاجتماعيـةوالاقتصادية،العولمة هـي التـداخل الواضـح لأمـور الاقتصـاد والاجتمـاع والسياسـةوالثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحـدود السياسـية للـدول ذات السـيادةأو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ودون حاجة إلى إجراءات حكوميةً فالعولمة ليست تعريف ً ا جامدا لحركة ثقافيـة فحسـب،ذلك بكثير؛المدلولات اللغوية المتصلة بها، بل ً العولمة مفهوم شمولي يذهب عميقـا فيجميـع الاتجاهـات لتوصـيف حركـة التغييـر في سـيرورتها المتصـلة، ولأجـلذلك فالأمر المهم في الموضوع هو فهـم كنـه العولمـة ومضـمونها،حركة تغييـر شـاملة مـن نـاحيتين: الناحيـة الأولـى أنهـا شـاملة للجميـع يعنـيللعـالم كلـه لا منـاص لأي أحـد عنهـا، والناحيـة الأخـرى أنهـا شـاملة لكـلجوانب الحياة الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها٢٣٠العولمة أنها في حقيقتها إرادة للهيمنة من خلال القمع والقضاء على إذن العالم ُ الواحد الذي يراد الوصول إليه هو المتمثل فيالنموذج الغربي والذي يحقق مصالح الغرب، وهذا أمر ظاهر وواضح غايةالوضوح وذلك أن العولمة تقتضي توحيد النظم والقيم وغيرها حسب فالغرب هو الذي سيتولى تحديد معايير القيم ومواصفاتها،وهو الذي يوجه هذه العولمة، فإن هذه العولمة ستكون مصبوغة بالصبغةً الغربية فلسفة ونمط حياة،الحقيقة المعلنة التي تظهر في أطروحات مثقفي الغرب وصانعي القرارفيهم، يقول أحدهم)» :(١يتعين على الولايات المتحدة ألا تتردد في الترويجلقيمها وسعيها لأن يكونوا مهذبين أو سياسيين،ينكروا حقيقة أنه بين كل الأمم التي عرفها تاريخ العالم، فإن أمتهم هيوتحسينها وهي النموذج الأفضل للمستقبل، ويتعين على الأمريكيين أنودع غيرك يعيش" يعنيان التنحي،ً النزعة الانفصالية والصدوع الثقافية التي تقوض الاستقرار، ويمثل تهديدالصالح الولايات المتحدة وللسلام الإقليمي وللأسواق الأمريكية ولقدرةالولايات المتحدة على القيادة؟ إن الإجابة هي نعم بالتأكيد، وهي كذلك ( ً ١هو ديفيد روشكويف أستاذ جامعي ومسؤول في حكومة كلنتون سابقا.سوف تكون مفصلة على ما يحقق مصالح تلك القوى ويحفظ لها موقعهاُ المتفوق وريادتها الحضارية وي ً بقي عالم الضعفاء اتباعا مهمشين منجذبينمن أنفسهم أو بسلطان العولمة نحو التبعية لتلك القوى.عشر وعلى امتداد القرن العشرين من تطورات هائلة في مجـال التكنولوجيـا،الممكن القول: إن العالم أصـبح قريـة واحـدة، مـن خـلال سـهولة التواصـلالعالمي بانتقال الأفكار والمبادئ والقيم فض ًلا عن الأمور الماديـة المتعلقـةبالاقتصاد وغير ذلك،العولمة من خلالها، والتي من أبرزها:وهو الجانب الفكري والثقافي، الذي يهدف إلى إعادة بناء المنظومة الفكريـةّ والثقافية في العالم بما يتوافق مع فكر معـين،جوانبه ومناشطه الصحفية والكتب والمؤلفـات ومواقـع الإنترنـت والأفـلامً وغيرهـا اسـتطاعت أن تحقـق تقـدم ً ا رهيبـا في هـذا البـاب وهـو أمـر مشـاهد ويكفي أن أشير هنا إلى ما تحققه أفلام هوليودً والغربي عموما وجعله النموذج المتميـز الـذي يسـتحق أن يسـار علـى نهجـهعادت بصورتها الجديدة بعد أحـداث الحـادي عشـر مـن سـبتمبر في محاولـةلإزالــة كــل مــا يعــترض طريــق العولمــة وتنصــيب مــن يســهم في امتــدادهاويدعمها.ج - الضغوط الاقتصـادية والسياسـية والتهديـدات العسـكرية، وهـذا لا إلـى غيـرذلك من الوسائل.تسود العالم ثقافة إنسانية تناسب كل الناس وتساعد على تعاونهم وتطورهموالاسـتفادة مـن خـبرات بعضـهم مـن بعـض، بـل عـادت العولمـة أن تكـونالأخــرى؛ ولعــل مــن أبرزهــا في الجوانــبالاقتصادية والثقافية:كمنظمة " الجات " وبعـدها منظمـة التجـارة العالميـة والمـؤتمرات الدوليـةالتي تعقدها كمؤتمر دافوس وغيـره ممـا كـان علـى نسـقه، وكلهـا تتجـه إلـىتحريــر الأســواق وخصخصــة المؤسســات وانســحاب الدولــة مــن الــدعمالاقتصـــادي للمؤسســـات الوطنيـــة، بـــل وانســـحابها حتـــى مـــن وظائفهـــا وظـاهر فيً اقتصـاديا علـى مـا سـواها،وتحويل شعوب الأرض سوى الأقوياء إلى مستهلكين فقط يعيشون عالـة -والأمـر الـذي لا شـك فيـه أن السـبق والغلبـة ثـم الهيمنـة هـي للأقـوىً اقتصاديا، والاندحار ومن ث ً م الانهيـار مـن نصـيب الضـعفاء اقتصـاديا،يفسر لنا سبب الإلحاح المستمر من الغـرب، وبالـذات أمريكـا،دول العـالم نحـو الانخــراط في المنظومــة الاقتصــادية الغربيـة تحــت مظلــةالعولمة،والقيم والأفكار والمعايير والرموز والتعبيرات والإبداعات وأنمـاط العـيشالتي تشكل قوام حياة المجتمـع،صياغة ثقافة كونية شـاملة تغطـي مختلـف جوانـب النشـاط الإنسـاني،اتجـاه صـاعد يضـغط في سـبيل صـياغة نسـق ملـزم مـن القواعـد الأخلاقيـةالكونية، التي تتوافـق بطبيعـة الحـال مـع نسـق الحيـاة والثقافـة الغربيـة حيـثتســعى القــوى الغربيــة، وعلــى رأســها أمريكــا، إلــى إيهــام الشــعوب علــىالمستوى العـالمي والضـغط علـى الحكومـات بوجـوب الانتمـاء إلـى ثقافـة وطمس الفروق الحضارية بين المجتمعات، مع الإيمان بـأنً الثقافة العالمية يجب أن تستمد مـن الثقافـة المركزيـة الغربيـة المهيمنـة نظـراالإدارات الإعلامية وشبكات المعلومات المتقدمة على المستوى العـالمي،في خضم ذلك ستجد الشعوب نفسها سائرة في فلكها دون اختيار.ولعل أبرز المخاطر الثقافية التي تواجهها شعوب الأرض التسلط علـىهوية الشعوب للعبث بها أو إلغائها؛ ذلك أنه لا يـراد البقـاء إلا لهويـة واحـدة ولأجل ذلك فقد سـخر العولمـةلطمس المعـالم الشخصـية التـي تميـز كـل أمـة،بالشخصية الغربية،ومن شعب لشعب، وذلك على مقدار بعدها وقربهـا مـن الأسـس التـي تقـومعليها ثقافة الغرب وقيمه وتطلعاته.ً والمتأمل لكثير من المجتمعات الإسـلامية يجـد طمس ً ـا واقعـا في كثيـر مـنمعالم الشخصية الإسلامية، ولعـل مـن أبـرز ذلـك مـا يظهـر مـن الـزي واللبـاس ثـم ولاشك أن ذلك، ً وإن كان يبدو أمـورا شـكلية، إلا ً أن التغييـر غالبـا مـا يبـدأ كـذلك؛والأمر الذي لا بد أن يتنبه له هو أن مخاطر العولمة على الهوية إنمـا هـي مقدمـةلمخاطر أعظم على الدولة والوطن والثقافة والأمة؛ ً إذ هي تعني بلا شـك مزيـدا ومـنخـالف ذلـك أو لـم يسـتجب لـه فإنـه يجلـد بسـياط حقـوق الإنسـان، وحقـوقالمباشر للمتبنين للعولمة والتبعية المطلقة والضغط على الحكومات لأجلهم.من ليبر ) (Liberوتعني الحر، وهي تطلق الآن ويـراد بهـا حركـة أو مـذهبوالسبب في ذلك يرجع إلى عدم الثبات الذي يعاني منـه هـذا المـذهب،أمر يعترف به أربابه والدارسون له.ّ لأن معناها وتأكيداتها تبدلت بصورة ملحوظة بمرور السنين، وجاء فيالموسوعة الحرة )ويكيبيديا(: »الليبرالية تتعدد بتعدد الليبراليين، وكل وتاريخ الليبرالية المشحون بالتجارب الليبراليةالمتنوعة والنتاج الثقافي المتمحور حول قيم الليبرالية كلها مراجع ليبراليةً لكن أي ً ا منها ليس مرجع ً ا ملزما، ومتى ألزم أو حاول الإلزام سقط من سجلٌ ولأجل ذلك نجد أن تحديد مفهـوم دقيـق لهـذا المصـطلح أمـر في غايـةالصعوبة.ولو أردنا العودة لتاريخ هذا المذهب لعلنـا مـن معرفـة تاريخـه نسـتطيعالعظمى نحو ثلثي القرن التاسـع عشـر -القـرن الـذي بـرزت فيـه الليبراليـة -Laissez Faireً موجهة أكثر رسـوخا مـن مجـرد حريـة العمـل،الاقتصادي على الرغم من النزعة الاجتماعية التي طرأت عليهـا؛ إذ تفـترض١أمـا مـن الناحيـة السياسـية -وكـذا الاجتماعيـة- فنظـرة الليبراليـة كانـتوتنفـر مـن سـيطرة الـدين وأهلـه علـى نـواحي النشـاط الاجتمـاعي والتعلـيموالسياسة.حيث إنها تعطي جملة من الحريـات السياسـية مثـل حريـة الترشـيح، وحريـةالتفكير والتعبير، وحرية الاجتماع،الضمانات المانعة من الاعتداء على الأفـراد وحريـاتهم مثـل ضـمان الاتهـام،ّ وعلـى الـرغم مـن صــعوبة تحديـد مفهـوم دقيـق لليبراليـة إلا أن هنـاك»وقد دأب الليبراليون منذ لوك وفولتير على القول بـأن تقيـيم رأي اجتمـاعيأو نظــام سياســي لا يتطلــب أكثــر مــن استرشــاد بمصــالح الإنســان ومهامــهوميوله في الحياة الدنيا«).كما ترى الليبرالية مبدأ أولويـة الفـرد علـى الجماعـة، ويعـد هـذا الخـط (١أزمة الإنسان الحديث، تشارلز فرنكل،٣٧ ، (٢أزمة الإنسان الحديث،الــرئيس للفكــر الليبرالـي الأمـر الـذي دفــع بعــض الليبراليـين إلــى تعريـفالمجتمـع باعتبـاره »مجموعـة مـن الأفـراد يسـعى كـل واحـد مـنهم لتحقيـق ويطلـق علـى هـذا الـرأي المـذهب "الـذري" حيـثينظر للأفراد كذرات متنافرة بداخل المجتمع، وهذا التفكير يؤدي إلى فكـرةيمكن لأحد أن يقف في طريقه، والنتيجة صراع لا نهاية له.-٢تنظر الليبرالية إلى العقائد الدينية والفلسفية على أنها أمـور شخصـيةقد تكون لها أهمية قصوى في خلاص الفرد وفهمه معنى الحياة،أن يكون لها أي قيمة سياسية في حد ذاتها.-٣ترى أن النزاع على السلطة هـو الحقيقـة الثابتـة في الحيـاة السياسـية، إلى )ج. ك. غولبريت" وتنطلق الفكـرةمن اعتقادهم أن المصدر الأكبر للظلم الاجتماعي هو احتكار السـلطة في يـدجماعة واحدة سياسية أو اجتماعيـة أو دينيـة،لاتقاء قيام الظلم الاجتماعي هو أن توازن القوة بالقوة). (١الجوهر الليبرالي: فردانية القيم والتصورات، هبة رؤوف عـزت: )مقـال( )موقـع إسـلامwww. net أون لاين تشارلز فرنكل: ص).-٤لا تعـترف الليبراليـة بمرجعيـة مقدسـة إذ تـرى أنهـا لـو قدسـت أحـدرموزها إلى درجـة أن يتحـدث بلسـانها، أو قدسـت أحـد كتبـه إلـى درجـة أنً تعده المعبر الوحيد أو الأسـاس عنهـا لـم تصـبح ليبراليـة ولأصـبحت مـذهباً منغلقا على نفسه.ما سبق يعطي الملامح الأوضح لهذا الفكـر المسـمى الليبراليـة،ً المطلع عليه وعلى أطروحات أربابه يلاحظ أمورا أهمها:-١أن الفكر الليبرالي ينطلـق في بنيتـه الأساسـية مـن السـعي الحثيـث فيخلال قراءت ً ه قراءة نقدية؛١ولـذلكحسنها الذي شهد به الأعداء وكثرتها وتعدد مجالاتها؛-٢الفكر الليبرالـي مـن اسـمه يلاحـظ أنـه منـتج غربـي كـان نتـاج واقـع وهذا الفكر قد يكون أثمر في ذلـكالمجتمع وأدى نتائج مقبولة فهو متميز بالنسبة للمستفيدين منه، ولكن قد لا (١انظر: هل للفكر العربي الحديث من فلسـفة، ماجـد صـالح السـامرائي، ) .awu-dam orgمجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العـرب بدمشـق )عـدد ،٢١السـنة ،٨شـتاءم٢٠٠٥٢٣٩يكون كذلك لدى مجتمعات لم تستفد منه، بل لا تحتاج إليه أصـ ًلا، وهنـا لابد أن نشير إلى أن الفكر الليبرالي لـم يقـرأ قـراءة نقديـة ممـن أعجـب بـه مـنالليبراليين العرب، بل أخذهم الإعجاب بالحضارة المادية الغربية فاعتقـدواالقوم فركبوا موجة هذا الفكر دون وعي بمضامين -لـدى الـبعض- وحـاول كمـا أن فئامـا ً مـنهم قـد ضـاقوا ذرعـا بمكانـة فـرأوا أن وجـود مثـل هـذاالفكر الذي يدعو إلى الحرية سبيل لتهمـيش الـدين ومـن ينتمـون أو يـدعون ولـو أنهـم قـرؤوا هـذا الفكـر قـراءة نقديـةلوجدوه ً خاليا من المقومات الأساسـية للـنظم الحقـة التـي تحمـل في طياتهـاأبرز أسس البقاء والتي على رأسها الثبات والتوازن؛ لأن كـلا ً منهمـامسؤول عن ليبراليته وليس عـن ليبراليـة الآخـرين، كمـا أن تيـارات الليبراليـةً متنوعة فمنها ما ينحو منحى إيمانيا يكاد أن يعم جميع أفراد التيـار، ومنهـا مـاينحو علـى الضـد مـن ذلـك«) ، ً (١فهـل مبـدأ كهـذا يحمـل في مضـامينه نظامـاأمـا التـوازن فظـاهر الشـطط في هـذا الفكـر الـذي يقـدس الفـرد ويجعلـهً المحور الذي يدور عليه مهمش ً ا المجتمع بل موجدا للعـداوة بـين المجتمـع (١الموسوعة الحرة )ويكيبيديا .http: //ar. wikipedia. org٢٤٠ً والفرد، فالليبرالية كانت دائما في الجانب الذي يدعو إلى التحرر مـن القيـودً التي تربط الناس ربط ً ا وثيقا بأي فئات اجتماعية، بمعنى أنهـم يسـعون لإلغـاءأي سلطة يمكن أن تسيطر على الفرد) ،إذ لا ي ً ستقر المجتمـع بمثـل هـذه النزعـة الفرديـة ولا بضـدها، بـل بهمـا معـا،وسبق بيان شيء من ذلك.فبينمـا لا يقبـل الكثيـر مـن الليبراليـين بالحريـة المطلقـة،ستيوارت ميل إلى أن المسوغ الوحيد لممارسة القوة،أي عضو في المجتمع المتحضر والتي تكون ضد إرادته، ثـم نجـده يـذهب في رأي آخـر إلـى أو ويساويهما تماما بالرقابة التي تمنـعالأفـراد مـن القـراءة أو الاسـتماع إلـى رأي مـا، بـل ويـدافع أصـحاب الفكـر٢ولا شك أن هذا من التضارب الذي يدل على وجود خلل في المنهجيـة التـييعتمد عليها أرباب هذا الفكر؛ (١أزمة الإنسان الحديث، تشارلز فرنكل: ص). (٢الجــوهر الليبرالــي، هبــة رؤوف عــزت: )مقــال( )موقــع إســلام أون لايــن .wwwislamonline. net٢٤١والحفاظ على ذاته.في المقابل ظهر في بلاد المسلمين بعـض التيـارات الفكريـة الغاليـة التـي هـيامتداد لظاهرة الغلـو عنـد الفـرق القديمـة كـالخوارج، والجماعـات الحديثـةالغاليــة كجماعــة التكفيــر والهجــرة، وقــد اخترقــت مــن قبــل المشــبوهين قليلي الثقافـةً والتحصين الذين عندهم نزعة تدين وحب للخير حتى جيشوهم جنودا لهـمالمسلمين.ً والغلو هو مجاوزة الحد المشروع إفراط ً ا أو تفريطا.والتنطع في العبادة ومن ذلك:٧٧فهذا التحذير وإن خوطب به أهل الكتاب إلا أنمن سبقهم من الأمم).١وهذه الاستقامة ليست بحسب الأهواء أو اجتهادات البشر بل حددها ثم أكد ذلك بالتحذيرً إفراط ً ا أو تفريطا. -٤ومــن الأحاديــث مــا جــاء َع ْ ــن َأبِ ْ ــي ال َعالِ َي ِ ــة َق َ ــال َ : ق َ ــال ابْ ُ ــن َع َّب ٍ ــاسلِ َ ي. ف َل َق ْط ُت َل ُه َح َص َي ٍ ات ُه َّ ـن َح َص ْ ـى ال َخ ْ ـذ ِف َ ، ف َل َّم َ ـا و َض ْ ـع ُت ُه َّن فِ َ ـي ي ِ ـد ِه َق َ ـال: َوإِ َّي ُ اك ْم َو ْ ال ُغ ُل َّو فِ ِّ ي الد ِ ين َفإِ َّن َم َ ا أ ْه َل َك َم ْن َك َ ان َق ْب َل ُك ْم ْ ال ُغ ُل ُّ ـو فِـي٢قـال ابـن تيميـة رحمـه االله: »وهـذا عـام في جميـع أنـواع الغلـو فيالاعتقادات والأعمال، وسبب هذا اللفظ العام رمي الجمار وهو داخل فيـه،مثل الرمي بالحجـارة الكبـار بنـاء علـى أنهـا أبلـغ مـن الصـغار، ثـم عللـه بمـا٣٤/٦ (٢رواه أحمـــد قــي المســند ح: ،١٨٥١و النســائي ح: ،٣٠٠٧وابـــن ماجــة ح: ، وصـححه الألبـاني في حجـة النبـي صلى الله عليه وسلم ،٨١)٢٤٣ً يقتضي مجانبة هديهم، أي هدي من كان قبلنا إبعادا عن الوقوع فيمـا هلكـوابه، وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه من الهلاك«). و َل ْ ـن و َق ِ ـار ُب َ وا، و َأ ْب ِش ُ ـر َ وا، و ْ اس َ ـت ِعينُوا بِ ْ ال َغ ْ ـد َو ِة،َو َّ الر ْو َح ِة َ ، و َش ْي ٍء ِم ْن ُّ الد ْل َج ِ ـة)َ ،٤وقـد رأينـا ورأى النـاس وعـدم الثبـات علـى الحـق، وهـذهَ -٦ع ْن الأَ ْحنَ ِف َ بن ق ْي ٍس َع ْ ـن عبـد االلهِ بـن مسـعود ؓ،َر ُس ُ ــول االلهِ صلى الله عليه وسلم: ) َه َل َ ــك الْ ُم َتنَ ِّط ُع َ ــون، َق َ ال َه َ ــا ث ً لاثــا() ،٥قــال الإمــام النــووي:»المتنطعـــون: المتعمقـــون،وأفعالهم«).فمـن خـلال هـذه الأدلـة القرآنيـة،المطهرة يتبـين بصـورة قاطعـة النهـي الصـريح عـن مجـاوزة الحـد،على َّ ما شرع االله جل وعلا، فكما أن التفريط فيما شـرع االله انحـراف، كـذلكالزيادة عليه انحراف وخطر،دون إفراط أو تفريط. إضافة إلى ما تقدم من كونها ردة فعـل كما تقدم الجهل بعقيدة أهل السنة والجماعـةـــ والجهــل بمقاصــد الشــريعة والســنة الربانيــة ومراتــب الأحكــام ومنــاهج -٢الإعراض عن العلماء وعدم التلقي مـنهم والاسـتهانة بهـم والطعـنأخبر النبي صلى الله عليه وسلم. -٣الغلو والتشدد والتعصب للـرأي والإعجـاب بـه، والاسـتعلاء علـىالآخرين واحتقارهم والشعور بالكمـال والأفضـلية علـيهم،من القاعـدين الـذين رضـوا بـأن يكونـوا مـع الخوالـف. الـخ ممـا أدى إلـى -٤الاضطراب النفسي والسلوكي وعدم التوازن والتركيـز علـى بعـض وعــدم النظــر في عواقــب التصــرفاتومآلاتهـا،حولها. والإحباط والبطالـة والفـراغ، مـع ثـورة الشـبابغير المنضبطة والجنوح إلى العنف والقوة.والتساهل في الالتزام بأحكام الشريعة، مع ضـعف التربيـة والتحصـين، وقلـةالمحاضـن التربويـة المـؤثرة،الإعلام وغيره والمثيرة لغيرة الشباب الدينية وحماسته.إضافة إلى ما ترتـب علـى ذلـك مـن إزهـاق لـلأرواح، وتـدمير للممتلكـات،وإثــارة للفوضــى والخلافــات، وتشــويه لحقــائق الــدين وشــعائره العظيمــةكالجهاد والتدين، وتعطيل كثير من المصالح الشـرعية والدنيويـة والطاقـاتالبشرية، وتأخير عجلة التنميـة وخـدمات المجتمـع،ومـن المؤكـد أن هـذه الظـاهرة،الأمـة في الغـرب أو الشـرق، فممـا لا شـك فيـه أنهـم يسـتثمرونها ويوظفـونالمســلمين ليكونــوا عالــة علــيهم في حمايــة أمــنهم والرضــوخ لمطــالبهم فهـل يعـي شـبابنا ذلـك فيحـذرون مكائـد الأعـداء ويكونـونلبنات صالحة في مجتمعاتهم وأوطانهم يلتفون حول علمائهم وقادتهم وأهـلمـا سـلف مـن الاتجاهـات والمـذاهب الفكريـة لا شـك أن لهـا ً وجـودا وينتمي إلى ذلك الفكر بعض المسلمين، ومـنهم ومعلــوم مــا تشــتمل عليــه تلــك الاتجاهــاتفهل يصح إطلاق الكفر على كل من انتسب لـذلك الفكـر سـواء أعلـن ذلـكأم لم يعلنه؟ وهل يجوز تصنيف الناس لمجرد رأي أبـداه أو فكـرة طرحهـا؟الجواب على ذلك في أمور:ً أولا: مسألة تكفير المعين من المسائل الخطيرة التي لا يجوز للمـرء أنيتكلم فيها إلا عن علم ّ وبصيرة ووفق ضوابط وقيود لا بد من مراعاتهـا،سبق الحديث عن ذلك في النقطة السابقة،الإيمان والكفر،لـو فعـل ممـا يشـرك أو يكفـر أو يلعـن فاعلـه لأن الحكـم بـذلك لـه أسـباب إذ إن الحكم المعلق على الأوصاف لا ينطبـق علـى الأشـخاص إلاثانيًا: ً قد يطرح البعض آراء أو أفكارا توافق بعض ما لدى العلمـانيين أوالليبراليين أو غيرهم من رؤى وأفكار فلا يعني هذا أنـه ينتسـب إلـيهم، أو أنيصنف معهم، أو يتبين مـن صـاحب المقـال، ولا يجـوز لـه بحـال مـن الأحـوال أن٢٤٧٤٠١–ً يشتغل بتصنيف الناس على الظن والهوى حتى لو كان بناء على دافع عقديّ في حسبانه، بل لا بـد لـه أن يرجـع إلـى العلمـاء الموثـوقين فيمـا يشـكل عليـهليعرف وجه الحـق في المسـائل ّ وقائليهـا،