مقدمات الحرب العالمية الأولى : كانت مقدمات الحرب العالمية الأولى بالنسبة لمصر عامة وخاصة : اما العامة تبدو في انقسام الدول العظمى إلى معسكرين، اما المقدمات الخاصة للحرب فتعنى ما حدث في الدولة العثمانية من تقسيم مما كان ظاهرة معه ان الملك العثماني في سبيله إلى الزوال وسعي الدول في السيطرة علية وبخاصة الإمبراطورية البريطانية فمصر هي البلد ذات الأهمية الكبرى للمصالح الاستراتيجية والتي زادت من أهميتها أهمية قناة السويس والقطن المصري ، وخاصة أن مصر كانت أيضا تحت وصايتها الاقتصادية والمالية المفروضة عليها منذ عزل الخديوي إسماعيل 1 . والخطر العالمي لم يبدأ بطبيعة الحال مع قيام الحرب العالمية الأولى بل مع نذر هذه الحرب وتقلقل الوضع في منطقة البحر المتوسط ، باعتبار مصر تمثل المفتاح الرئيسي لحماية مصالح الإمبراطورية في المنطقة وما ورائها ، ومصداقا للأهمية العسكرية لتعيين اللورد كتشينر " ذو التيفة . واهتم كذلك بتأمين الوضع الداخلي الذي يحتفظ بمصر ساكنة هادئة ، وكان ذلك يعنى تصفية الحركة الوطنية في مصر ، وعلى هذا الأساس فإن كتشينر ابرز منذ وصولة إلى مصر السيادة الانجليزية ، فجعل دار المعتمد البريطاني هي المسئولة عن حكم البلاد ، خاصة وأنه سبق مجيئه التوسع في القوانين المقيدة للحريات ، ومنها تطبيق قانون المطبوعات ومن ذلك عدم اعطاء رخص جديدة لإصدار الصحف وتفتيش دور الطباعة ومصادرة الكتب الوطنية . وقد كان كتشينر من اشد المندوبين الساميين تعسفا مع الخديوي عباس ولم يكن يسمح بتعيين رئيس وزراء لا يوافق عليه ، بل واحيانا يزكى بعض الوزراء وحدث في 3 ابريل 1914 ان عين مصطفى فهمى رئيسا للوزراء وكلمه اللورد كتشينر ان يأخذ احمد حلمي وزيرا معه فقد وعده كتشيئر بذلك لظروفه المالية فرفض مصطفى فهمى وكانت مفاجأة لكتشينر وبدأت ازمه لجأ خلالها كتشينر الى الخديوي لحلها فاختار حسين رشدي رئيسا للوزراء ودخل احمد حلمي وزيرا للمعارف ، وكان هذا اول انتصار للخديوي على كتشينر وخرج الخديوي من انزوائه الذي فرضه عليه كتشينر بسيطرته على كل شيء فقام الخديوي بجوله في انحاء الوجه البحري استمرت من 28 ابريل الى 5 مايو وتسابق الاعيان والشعب الى الترحيب به واكتشف كتشينر تعلق الناس بعباس بعد ان ظن انه قضى على نفوذه ، وسافر كتشينر بعده الى لندن ليسعي في عزل عباس ( فقد كان كرهه لعباس شديدا ) ولم يعد ايهما الى مصر فعباس قامت الحرب وعزل في 19 ديسمبر ، أعلنت الحرب العالمية الأولى في منتصف ليلة 4 اغسطس عام 1914 ، ولذلك وضع الخط التلغرافي في قصر عابدين الذي كان بين الخديوي وحسين رشدي باشا قائم مقام الخديوي بأمر لندن تحت اشراف حكمدار البوليس المصري رسل بك Russel منذ 5 اغسطس ، وفي 2 نوفمبر 1914 اعلنت بريطانيا الاحكام العرفية بناء على نصيحة "شتهام " القائم بأعمال المعتمد البريطاني ، وقد صدر قانون برقم 10 لسنة 1914 يقضي بأن كل تجمهر من خمسة أشخاص على الأقل من شأنه تهديد الأمن ويعاقب عليه بمدد تبدأ من 16 شهر وقد تزيد إلى ثلاث سنوات وغرامة لا تقل عن عشرين جنية . ومنذ اللحظة الأولي كانت عين بريطانيا على الدولة العثمانية صاحبة السيادة علي مصر ، والتي سرعان ما أعلنت دخولها الحرب الى جانب دول الوسط - أعداء بريطانيا - ومن ثم واجهت بريطانيا موقف جديد ازاء مصر ، وفكرت كثيراً في وضعها وإزاء علاقتها بالدول الأخرى ، فمن الناحية القانونية لم تفعل انجلترا شيئاً طول سبعة وعشرين عاماً تجعل مركزها شرعياً في مصر ، وحافظت على المعاهدة المصرية التركية التي لا تسمح بان تقوم مصر بحرب أو تعلنها على أي دولة ، وقد أوقف ذلك معارضة الدول الكبرى وخاصة فرنسا . لذا اختلفت الآراء في لندن ، فقد صرح وزير الخارجية البريطاني ان موضوع الضم كان يدور في خلد السياسية البريطانية فتصبح مصر من المستعمرات البريطانية ، وفي نفس الوقت كان هناك من هم ضد سياسة الضم حيث يرون ان انجلترا تحتاج إلى كل كفاءتها لإدارة مجهود الحرب ، وان الضم سيسبب متاعب دولية . ومن ثم رؤى إن إعلان الحماية هو أسهل الطرق للحفاظ على الوضع في مصر ، ولم تكن بريطانيا بحاجة كبيرة لتبرير هذا الوضع ( مثلما فعلت عند امتلاكها لمصر ) ففي 18 نوفمبر كتب شيتهام الى جراي يقول : " ان الفكرة التي تنطوي عليها الحماية هي الاندماج في الامبراطورية البريطانية دون ان تفقد مصر شخصيتها " ، وبالرغم من إن الحماية في حد ذاتها تبدو نوعاً من انواع الاتفاق بين الطرفين ، لم يحدث مثل هذا الاتفاق بين احد من المصريين وبين الساسة الانجليز ، وقد تضمن اقتراح إعلان الحماية عرض عرش الخديوي على الأمير حسين كامل ، وقد حصلت الوكالة البريطانية على موافقة الخارجية على ان الحماية أفضل من الضم ، وعملت على إقناع حسين كامل لإعلانه سلطانا لمصر . وفي 18 ديسمبر عام 1914 اعلنت بريطانيا فرض حمايتها على مصر ، وقد اعلن الانجليز مع اعلان الحماية بيانا يقول " ان حكومة جلالته - أي الحكومة الإنجليزية - لديها الدلائل الواضحة بأنه منذ نشوب الحرب مع المانيا ، كان صاحب السمو عباس حلمي باشا خديوي مصر قد ألقى بنفسه وبشكل نهائي بين يدى اعداء جلالة ملك انجلترا . وهكذا تغير مركز مصر الدولي ، وأول ما يعنيه ذلك هو زوال السيادة العثمانية على مصر وان انجلترا تستطيع ان تقوم في مصر بكل ما يتفق والسير بالحرب الي النصر النهائي دون ان يقيدها المستقبل ، كما يعني ان يصبحالجيش البريطاني صاحب السلطة التنفيذية والتشريعية العليا في البلاد ، لذلك سرعان ما تم إلغاء وزارة الخارجية المصرية ،