أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن يوسف اللواتي الطنجي، المعروف بابن بطوطة، أحد أكبر المستكشفين المسلمين عبر التاريخ، زار العديد من المناطق في أكثر من 40 دولة عبر القارات الثلاث للعالم القديم، قاطعا خلال رحلاته أكثر من 120 ألف كيلومتر. امتدت رحلاته من المغرب الأقصى إلى الصين وماليزيا والفلبين، وهي مسافة لم يقطعها أي رحّالة قبله، الأمر الذي جعل جامعة مرموقة من حجم "كامبريدج" تطلق عليه لقب "أمير الرحالة العرب المسلمين". ولد ابن بطوطة في 703 هجرية، الموافق لـ1304 م، بمدينة طنجة شمالي المغرب، لأسرة من قبيلة لواتة الأمازيغية، وتعود جذورها إلى منطقة برقة في ليبيا. ويعود اسم "ابن بطوطة"، حسب بعض المصادر، إلى كونه مشتقا من اسم والدته التي كانت تسمى فطومة، وكانت العادة في ذلك الوقت أن يسمى الأبناء بأسماء أمهاتهم، وتم تحريف هذا الاسم تدلعا حتى أصبح بطوطة عوض فطومة. وبعد بلوغه سن الـ21، عزم على الذهاب إلى مكة للحج في رحلة كان مقدرا لها أن تستغرق 16 شهرا، لكنها امتدت لقرابة 30 عاما من الاستكشاف. وزار العديد من بلدان النصف الشرقي للكرة الأرضية، وكل العالم الإسلامي تقريبا، واكتسب خلال رحلاته الكثير من المعارف التي مكنته من خوض تجارب ومغامرات لم يعشها أي رحالة قبله. يقول بعض الباحثين إن رحلته إلى الحج لم يكن هدفها الحج فقط، بقدر ما كانت تهدف أيضا إلى التعلم ولقاء العلماء ومجالستهم والأخذ عنهم، خاصة فيما يتعلق بالعلوم الشرعية، إضافة إلى زيارة جميع المناطق التي وصلها الإسلام وفي عام 1325 م، انطلقت رحلة ابن بطوطة من مدينة طنجة المغربية في اتجاه مكة المكرمة، ومر عبر الجزائر وتونس وليبيا حتى وصل الإسكندريةو بعد الإسكندرية، وواصل رحلته عبر الأراضي المصرية إلى أن توقف عند البحر الأحمر، ثم اتجه بعد ذلك إلى فلسطين، حيث زار بيت لحم والقدس، ووصف المسجد الأقصى. ووقف كذلك على مدينة عكا التي كانت مدمَّرة جراء الحروب الصليبية، التي لم يمر لحظتها وقت طويل على انتهائها. وغادر ابن بطوطة فلسطين إلى دمشق حيث قضى شهورا للدراسة، قبل أن يغادر بلاد الشام كلها نحو الحجاز، وبالضبط مكة المكرمة لأداء الحج والعمرة. وبعد نهاية موسم الحج، لم يفكر ابن بطوطة في العودة إلى بلاده المغرب، بل واصل رحلته في اتجاه العراق، وفي عام 1328 م، قام ابن بطوطة برحلة بحرية من عدن في اتجاه مقديشو بالصومال، وبعدها مدينة كيلوا التابعة لتنزانيا على سواحل بلدان القرن الأفريقي. وزار بعدها جنوب روسيا، ومن ثم رحل إلى القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، ومنها عاد مرة أخرى إلى بلاد فارس، واستمر في رحلته شرقا حتى دخل الهند في الثامن من سبتمبر/أيلول 1333. أثناء رحلته الطويلة التي دامت 3 عقود، لم تقتصر مهمة ابن بطوطة على السفر والاستكشاف فقط، بل كان يشتغل بين الفينة والأخرى في عدد من البلدان التي دخلها. فكان قاضيا في الهند وجزر المالديف، وسفيرا في الصين. واستقر بجزر المالديف لفترة، وتزوج هناك وعمل قاضيا عليهم، وعظم قدره عندهم لكونه عالما مسلما اكتسب مكانة كبيرة في بلاد الهند. إضافة إلى ذلك، كان ابن بطوطة أثناء سفره يمدح السلاطين والملوك وكبار الشخصيات في البلدان التي يصل إليها، معتمدا على موهبته في الشعر. بعد نحو عام من عودة ابن بطوطة من رحلته الثالثة، وبالضبط في العام 1356 م، طلب حاكم المغرب آنذاك السلطان المريني أبو عنان بن أبي الحسن من كاتبه محمد ابن جزي الكلبي الغرناطي أن يدوّن تجارب وملاحظات ابن بطوطة في كتاب. وعكف ابن جزي مع ابن بطوطة لمدة عامين لكتابة ما عاشه لمدة 30 عاما، وجمع ذلك في كتاب "الرحلة". تختلف المصادر التاريخية في تحديد تاريخ وفاة الرحالة ابن بطوطة، فهناك مصادر ترجح وفاته بنواحي مدينة طنجة شمالي المغرب في 770 هجرية الموافقة لعام 1368 م. وأخرى تتحدث عن وفاته ما بين سنتي 777 هـ الموافق لعام 1375 م، و779هـ الموافق لعام 1377 م، ولم يذكر أحد سبب وفاته. ويوجد بمدينة طنجة شمالي المغرب قبر ينسب إليه، على الرغم من عدم وجود مصادر تتحدث عن وفاته بهذه المدينة.