يقولون إن في شباب العرب شيخوخةَ الهِمَم والعزائم؛ ويقولون إن اللهوَ قد خفَّ بهم حتى ثقلت عليهم حياةُ الجد، فأهملوا الممكنات فرجعت لهم كالمستحيلات. فإذا هزءوا بالعدو في كلمة فكأنما هزموه في معركة. ويقولون إن الشاب منهم يكون رجلاً تاماً، ويقولون إن الأمر العظيم عند شباب العرب ألا يحملوا أبداً تَبِعَة أمر عظيم. ويزعمون أن هذا الشبابَ قد تمت الأُلفةُ بينه وبين أغلاطه، ويزعمون أن الزجاجةَ من الخمر تعمل في هذا الشرق المسكين عملَ جندي أجنبي فاتح. أن يُترك لهم الاستقلال التام في حرية الرذيلة. ويقولون إنه لا بد في الشرق من آلتين للتخريب: قوة أوربا، يا شبابَ العرب! مَن غيركم يُكذّب ما يقولون ويزعمون على هذا الشرق المسكين؟ من غير الشباب يضع القوةَ بازاء هذا الضعف الذي وصفوه لتكون جواباً عليه؟ تكون المادةُ الأولى فيها: "قَدَرْنا لأننا أردنا؟" ألا إن المعركة بيننا وبين الاستعمار معركة نفسية، والحقائق التي بيننا وبين هذا الاستعمار، وفي الشباب نوعٌ من الحياة تظهر فيه كلمةُ "الموت" كأنها أختُ كلمة "النوم". وفي الشباب تصنع كل شجرة من أشجار الحياة أثمارها؛ يا شباب العرب: اجعلوا رسالتكم: إما أن يحيا الشرق عزيزاً، أنقذوا فضائلنا من رذائل هذه المدنية الأوربية، تُنقذوا استقلالنا بعد ذلك، يدعو لمَن ضَرُّه أقربُ من نفعه: "لبئسَ الموْلى ولبئس العَشير". لبئس المولى إذا جاء بقوته وقوانينه، وحقوقُنا مقتولةٌ بهذه الدنانير. أيها الشرقي! لا يقول لك الأجنبي إلا ما قال الشيطان: "وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي". يا شباب العرب! لم يكن العسيرُ يعسر على أسلافكم الأولين، أتريدون معرفة السر؟ السرُّ أنهم ارتفعوا فوق ضعف المخلوق، فصاروا عملاً من أعمال الخالق. غلبوا على الدنيا لما غلبوا في أنفسهم معنى الفقر، علامتُه المسجَّلة على كل منهم هذه الكلمة: "لا يَذِل". حين يكون الفقر قلةَ المال، ولكن حين يكون فقرَ العمل الطيب، وحين يكون الخوف من نقص هذه الحياة وآلامها، تُفسّر كلمة الخوف مائة رذيلة غير الخوف. ولكن حين يكون الخوف من نقص الحياة الآخرة وعذابها، تصبح الكلمةُ قانونَ الفضائل أجمع. هكذا اخترع الدين إنسانَه الكبير النفس، الذي لا يُقال فيه: "انهزمت نفسُه". يا شباب العرب! كانت حكمةُ العرب التي يعملون عليها: إذ لا تكون الفكرةُ معها إلا فكرةً مقاتلة. كانت دليلاً يكشف للعين أن جميعه حجر صلد. يا شباب العرب! إن كلمة "حقّي" لا تحيا في السياسة إلا إذا وضع قائُلها حياتَه فيها. فالقوةَ القوةَ يا شباب! القوة التي تقتل أول ما تقتل فكرةَ الترف والتخنث. التي تضع للأنصار في كلمة "نعم" معنى نعم، والقوة الصارمة النفَّاذة التي تضع للأعداء في كلمة "لا" معنى لا. يا شباب العرب! اجعلوا رسالتكم: إما أن يحيا الشرق عزيزاً،