التي مثَّلت غطاءً أخلاقيًا وموجهًا فكريًا للتنوير والحداثة، أحد المقومات التي أسهمت في انتشار مقولاتها على مستوى العالم، يحمل في جانب منه قيمًا إنسانية للانتقال بالإنسان والمجتمعات من وضعية التقليد، وما ظلت تحكمه من أنساق ثقافية واجتماعية إلى وضعية ترتقي بالإنسان، والتي تقود العالم اقتصاديًا وقانونيًا وسياسيًا وثقافيًا. يحمل المشروع معه خطيئة الولادة على مُستوى الجينات التي يتشكل منها. أين يتجلّى ذلك؟ وما هي تمظهراته على مستوى التاريخ الحديث والواقع؟ وكيف تؤثر نظرته المعادية للآخر والرافضة له في بعض تجلياته مع الاستعمار ومناهضة تحرّر الشعوب واستقلالها وسيادتها على العلاقة بين الثقافات والشعوب والحضارات. وبشكل أدقّ على العلاقة بين الشرق والغرب؟ الحاجة إلى النقد وضرورات الاستئناف إنما تهمنا هنا الجوانب التأسيسية التي تستبطن تناقضات جوهرية في مشروع الحداثة برمته، بخلفية تحكَّمَ فيها بعدٌ عاطفي على الأغلب، وهذا فيه غربة عن العصر في واقع الأمر، كما أن جانبًا من دعاة فرضية الرفض الكامل لم تتأسس على جوانب معرفيّة تقدم قراءة نقدية واعية لأزمة الحداثة، والعصر الراهن. كان الوازع فيها أخلاقيًا، ومهما امتلكت الدول أدوات التقنية والتقدم، فإن التجرد من الوازع الأخلاقي يعد مؤشرًا لبداية الانحدار لقد كان الاستعمار للعالم الإسلامي أهمَ العوامل التي غذّت الرفض، ومن ثم شكّل القرن العشرون مقاومة مباشرة للاستعمار، فكانت الثقافة واحدة من أوجه المقاومة والرفض لكل ما يأتي من الضفة الأخرى، وبالمثل مثّلت الرؤية- التي تشكلت عقب إدخال العالم الغربي لسياقات الحداثة إلى العالم العربي والإسلامي- نظرة دونية وإقصائية، تشكل عنفًا معنويًا ورفضًا للآخر وما يستبطنه، بل هي رفض للتنوع والتعددية والاختلاف والسعي لفرض رؤية عالمية واحدة، إذ إن التحولات الكبرى وفي مسار الحضارات والثقافات والشعوب، فإن التجرد من الوازع الأخلاقي يعد مؤشرًا لبداية الانحدار. مستندًا إلى العودة إلى ذاته الحقيقية وهُويته مع التحلي بروح العصر. قد كانت القدس وقضية فلسطين باستمرار ملهمة للوعي الحضاري العربي والإسلامي على مدى التاريخ باستئناف دورةِ الحضارة والإشراق من جديدٍ، وتحريرٍ جديد للعمران والإنسان في المنطقة برمتها. أي فيما هو أبعد من عالم العرب والمسلمين. السيادة المطلقة للعقل وضمور الحس الأخلاقي كان العقل هو الذي يحكم طريقة التفكير في أنساق الحداثة والمشروعات التي قام عليها، حملت معها مشكلات للمستقبل؛ هي ما تعيشه الإنسانية اليوم من آلام لا حصر لها. يُنفذ ما تمليه عليه دون رادع. مع القدرة على تبرير ذلك. ثم استمرار المد الاستعماري والإمبريالي، وطبعًا قبل ذلك مع الحربين العالميتين اللتين أودتا بحياة ملايين البشر، تجعل "الإنسان المكرّم" في صلب هذا التقدم. ختامًا: إن ما يقع في السياق العربي والإسلامي منذ ثلاثة قرون مستمرة من الاستعمار- منذ أن وطِئت خيول نابليون الجامع الأزهر إلى حدود اللحظة الراهنة- هو في واقع الأمر صراع على أرضيتَين ونموذَجين، يقابله رفض مستمر وممانعة للتطويع والخضوع بمختلف أشكال المقاومة. من ناحية أخرى، يحاول الغرب التحكم بالأدوات الناعمة، وأحيانًا أخرى من خلال وسائط ثقافية. السياق الراهن، يجعلنا ذلك أمام ضرورة العودة إلى الذات العربية والإسلامية.