يُحلل هذا المبحث أداء النظام المالي الجزائري في ظل اقتصاد مخطط مركزياً، مُبرزاً التناقضات التي أعاقت فعاليته في تلبية الحاجيات الوطنية وحفز التنمية. يرتكز هذا الضعف على مستوى نظم التنظيم والرقابة الاقتصادية. فالتخطيط المركزي للاستثمار، وتقنين الاستهلاك عبر هياكل توزيع حكومية، سبق أي التزام مالي، مما خلق ثنائية اقتصادية تستثني القرارات النقدية. فالنقود هنا وحدة حساب فقط، لا تؤثر على تخصيص الموارد، بل أداة للرقابة الإدارية من المركز. لا توجد رقابة نقدية أرثوذكسية، أو تداول حر، بل رقابة صارمة على الأجور (كمتغير اجتماعي مُحدد مركزياً) والأسعار، ما يمنع التفاعل بين القرض وإنشاء النقود، ويُسبب اختلالات تراكمية. تتمثل آلية انتقال آثار إنشاء النقود عبر خزينة عمومية مُهيمنة، تُشكل خزينة، ومؤسسة قرض، وسلطة نقدية في آن، متجاوزة النظام البنكي مُساهمةً في تقهقره. وقد ساهم هذا في ضعف دوره كوسيط مالي، لافتقاده لهياكل مُجهزة لتعبئة الموارد، وأدوات فعالة لتقديم الخدمات وتوزيع القرض، ما جعل القرض جزءاً من التخطيط، غير مُتأثر بعوامل نقدية كـمعدل الفائدة. كما أن التخصص البنكي، رغم مبرراته، أوجد احتكاراً، وعلاقة ثابتة بين البنك والمؤسسة، مُفقِداً المنافسة واستخدام الجزاءات الاقتصادية، مُؤدياً إلى سوء استخدام الموارد. يكمن التناقض الأساسي في العلاقة بين الدولة كمالكة للبنوك ومدين رئيسي لها (كمُساهم حصري في مؤسسات القطاع العام). فالبنوك العمومية مُحاصرة بين متطلبات الملكية، ومسؤولياتها تجاه القطاع الإنتاجي، ومتطلبات التمويل القائمة على مفهوم القيمة، ما يُسبب غموضاً في تخصيص الموارد: هل على أساس إداري أم وفق قانون القيمة؟ وقد سهل هذا اللجوء إلى "النقود السهلة" لتمويل المؤسسات العمومية، حتى دون نجاعة اقتصادية، مما فاقم من فشل النظام البنكي في تحويل السيولة إلى أموال قابلة للإقراض، بسبب قواعده الإدارية والبيروقراطية. أدى احتكار القطاع البنكي العمومي والتخصص الإداري إلى جمود، وغياب استراتيجيات بنكية وسياسات تجارية فعّالة، مُحوّلاً ضائقة البنوك (بسبب صلابات داخلية وصعوبات سداد زبائنها) إلى أزمة محفظة هيكلية. كما أن تركيز قرار القرض في المقر المركزي، ضمن نموذج القرض الممركز، يُركز على المدينين الكبار في القطاع العام، على حساب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. غياب أنظمة معلومات واتصال فعّالة يعيق اللا مركزية في توزيع القرض. أخيراً، يُشكل الاقتصاد الموازي، بجاذبيته المالية العالية، بديلاً للسوق الرسمية، مُحوّلاً جزءاً من سيولة الاقتصاد خارج نطاق رقابة السلطات النقدية، مُفاقِماً من ندرة السيولة لدى النظام البنكي.