الشك بين الغزالي وديكارت مقــدمــة: في البداية ينبغي أن يكون واضحا ً أن الشك الذي اتبعه كل من الإمام الغزالي و ديكارت يختلف تماما ً عن الشك الإرتيابي الهدام, ذلك لأن الشك المنهجي كما يقول الدكتور محمود زقزوق لا ينكر الحقيقة كما ينكرها الشك الإرتيابي, فإما أن تكون باطلة كلها و إما أن يكون أحدها صحيح والباقي باطلاً. فرأى أنه لا بد من الشك فيها حتى يستقل بفكره ويكون رأيه. بل و في نقدها وتدميرها أيضاً ، في صور المعارف والحقائق التي تلقاها الإنسان منذ الطفولة، وعودة ديكارت إلي الأفكار الأولية للطفولة يؤكد إلحاحه الشديد علي إعادة عملية الخلق والتكوين من حيث الأسس والبني الفكرية بالتوافق مع العلوم الجديدة في عصره من اجل أن يبني في العلوم شيئا ثابتا ومستقرا، خصوصا بعد إن عمل التقليد علي مفارقة العقل الإنساني لجميع مصادر السؤال والشك، الشـك المنهجـي: دفع الشك الفلسفي كل من الغزالي وديكارت إلى السعي نحو استقلال عقلي, مقتنعين اقتناعا ثابتا بإمكان التوصل إلى معرفة هذه الحقيقة. وقد اتبع كل من الغزالي وديكارت أسلوب الشك المنهجي الذي هو ليس شكا حقيقيا بل هو منهج يفترضه صاحبة بإرادته ، وذلك لاختيار معلوماته وتطهير عقله من الأخطاء وهو وسيلة وليس غاية وهو خطوة للوصول إلى اليقين . حــركـة الشــك: يقول الدكتور محمود زقزوق: إن حركة الشك تبدأ إلى حد ما عند محيط الدائرة, عند شهادة الحس, لكي تندفع بعد ذلك في نهاية الأمر إلى مركز الشخص حيث يجد كل يقين لدى الإنسان جذوره. ويشترك الغزالي وديكارت في البداية المتمثلة في إرادتهما المطلقة لمعرفة الحقيقة. ويسيرا في الطريق الذي يقودهما إلى الشك المطلق, ويستمران في سيرهما حتى يصلا في النهاية إلى نقطة التغلب الحاسم على هذا الشك. و يبني كل من الغزالي وديكارت شكه على مراتب متعددة وهو بناء واحد لدى كل منهما: الشك في الحواس: تتقدم المعارف الحسية في أولى مراتب المعارف التي يحصل عليها الإنسان على أنها علم مباشر, ولكن هذه المباشرة وسهولة الفهم لهذه المعارف يتضح خداعها عند النظرة القريبة. وذلك لأن التجربة تبين أن المعرفة الحسية خاضعة لأوهام وخيالات. اتجه إلى المحسوسات ينشد فيها اليقين, ويضرب مثالاً على ذلك بأننا نرى الكواكب صغيرة جدا في مقدار الدينار لكن الأدلة الهندسية تثبت عكس ما نرى وأن الكواكب منها ما هو أكبر من الأرض. فمن أين الثقة بالمحسوسات ؟ ويقرر الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال أن الحواس تخدعنا, وهي تنظر إلى الظل فتراه واقفا ً غير متحرك وتحكم بنفي الحركة؟ ثم بالتجربة والمشاهدة بعد ساعة تعرف أنه متحرك وأنه لم يتحرك دفعة بغتة, بل على التدريج ذرة ذرة, حتى لم تكن له حالة وقوف. هذا وأمثاله من المحسوسات يحكم فيها حاكم الحس بأحكامه, فقلت قد بطلت الثقة بالمحسوسات أيضا ً". ديكارت: استبعد ديكارت شهادة الحواس لأنّها تخدعنا أحياناً ، لكننا ما إن نقربها من النار حتى تتغير تغيرا تاما : فشكلها يتغير وتتحول إلى سائل ، . . لا يتم تصور الشمع إذن إلا عبر ” فحص عقلي ” كما استنتج ديكارت ـ والحواس لا تمنحنا مطلقا إلا معطيات هاربة ، كتب ديكارت قائلا : "لا تقدم لنا الحواس أية فكرة عن الأشياء كما نصوغها نحن بواسطة العقل". 2-الشك في العقل: بعد أن رأى كل من الغزالي وديكارت ما تنطوي عليه المعارف الحسية من خداع وشكوك, قررا رفضها بصفة مبدئية وعدم الاعتداد في عملية بحثهما عن الحقيقة, الغزالي: يقصد الغزالي هنا بالعقل العقل الفلسفي القائم على الاستدلال والاستنباط وهو عرضة للخطأ, مما يوضح قصور العقل الإنساني في الوصول إلى العلم اليقيني. يقول الغزالي: "لقد بطلت الثقة بالمحسوسات, يقول الدكتور محمود زقزوق: "ومن خلال هذه النظرة العميقة ينفتح عمق لا قرار له. ديكارت: يرى ديكارت أن العقل بحكم تكوينه قاصر عن إدراك الحقيقة كاملة, بل هو عرضة للوقوع في الخطأ أحيان كثيرة، الشك في الحياة الشعورية العامة: فإن هذه الوحدة تبدو الآن في حالة انهيار تام وتنحل إلى العدم. ذلك لأنه حتى تلك الأشياء التي كانت لا تزال حتى الآن تبدو بطريقة ما موجودة, هذا الشك الذي يحيط هنا بكل شيء كان يمثل حتى الآن الثروة المعرفية كلها. والحجة التي تشكك في الواقع كله تتخذ من ظاهرة الرؤيا منطلقا ً. الغزالي: بعد أن شك الغزالي في الحواس والعقل وأثبت قصورهما في الوصول إلى اليقين, امتد هذا الشك إلى الحياة الشعورية بصفة عامة وشكه في الحياة الشعورية هو تأييد لشكه في العقل, ويرى الغزالي أنه إذا وردت تلك الحالة التي يكون فيها ما نعتقده في اليقظة بالحواس والعقل مجرد وهم وخيالات بالنسبة لها تيقنت أن جميع ما توهمت بعقلك خيالات لا حاصل لها. افترض الغزالي أن حياتنا قد تكون حلما طويلا لم نستيقظ منه لنعرف حقيقة الأمور مستندا إلى الحديث :" الناس نيام, فإذا ماتوا انتبهوا". ديكارت: إن الرؤيا وخداعها يدفعان ديكارت مثل الغزالي إلى الشك في الحياة بصفة عامة. ولكنه يتناول المسألة من جانب آخر,