داخل الثوابت يمكن للقوى والأحزاب السياسية أن تختلف في برامجها السياسية ولكن لا يجوز لها أن تختلف حول الثوابت ما دام الشعب يعيش مرحلة التحرر الوطني. بعد إنجاز الهدف وقيام الدولة يمكن للقوى السياسية وللشعب بشكل عام أن يعيد صياغة بعض الثوابت من خلال التوافق أو من خلال الانتخابات والاستفتاء العام. آليات تنفيذ البرنامج الوطني الجديد المراجعة الإستراتيجية المؤسِسة لمشروع وطني جديد يجب أن تشتغل على مستويين وهدفين أحدهم عاجل وقصير المدى والآخر استراتيجي بعيد المدى مع تزامن العمل على المستويين: – الهدف/المستوى الأول: عاجل ومرحلي (تقاسم وظيفي وطني) فحتى لو قررت حركتا فتح وحماس التصالح فلن يعود التواصل بين الضفة وغزة في إطار حكومة وسلطة واحدة بدون موافقة إسرائيل أو بدون تسوية سياسية تشارك فيها إسرائيل[10]. هذه المرحلة من المصالحة تحتاج لاعتراف كل طرف بأن الطرف الآخر شريك في النظام السياسي وله حق تقرير مصير هذا النظام ورسم خارطة المشروع الوطني الجديد، ونعتقد أن الثقافة والإعلام من أهم آليات تجاوز هذه المرحلة من خلال العمل على رد الاعتبار للثقافة والهوية الوطنية وتفعيل كل رموزهما. فيمكن للمصالحة في هذه المرحلة أن تأخذ شكل توافق وطني في الضفة بين كل القوى السياسية والشعبية بما فيها حركة حماس والجهاد الإسلامي في ظل الحكومة القائمة هناك، هذه المصالحة الوطنية المؤقتة والتي ستأخذ طابع التقاسم الوطني الوظيفي تشكل المدخل للمرحلة الثانية للإستراتيجية الجديدة أو المصالحة الوطنية الإستراتيجية من خلال تهيئة الظروف للانتخابات وفتح حوار جاد حول ثوابت ومرتكزات المشروع الوطني المشار إليها. حيث الخشية بأن يستغل بعض المستفيدين من حالة الفصل أي نجاح في المصالحة الأولى لتبرير حالة الفصل أو أن تستغل كلا الحكومتين التوافق الداخلي لإضفاء شرعية دائمة على وجودها يدفعها للتقاعس عن إنجاز المصالحة الوطنية الإستراتيجية. الهدف /المستوى الثاني: إستراتيجي (التوافق والتراضي على ثوابت ومرجعيات القضية الوطنية). الاشتغال على المرحلة أو المهمة الأولى للإستراتيجية الوطنية يجب أن يكون مواكبا للاشتغال على المرحلة الثانية بل يجب أن يكون الالتزام بإنجاز الهدف الأول (التقاسم الوظيفي الوطني) مشروطا بالالتزام بالهدف الاستراتيجي الاتفاق على الثوابت والمرجعيات، وعندما نقول تساوق الاشتغال على المستويين فذلك لأننا نحشى من أن واقع فصل غزة عن الضفة قد يستغرق وقتا طويلا لأن إسرائيل والقوى المستفيدة من حالة الفصل ما زالت قوية وفاعلة. هذا التساوق لمساري المصالحة هو ضمان عدم تحول التقاسم الوظيفي الوطني المشار إليه إلى كيانين سياسيين دائمي الوجود. وفي هذا السياق يمكن الاستعانة بما ورد بورقة المصالحة المصرية حول تشكيل لجنة مشتركة عليا لضمان أن يستمر كيانا غزة والضفة ضمن مشروع وطني واحد. هذه السيطرة وما لحقها من توترات وصدامات مسلحة هي نتيجة وإفراز لأزمة سابقة. وفي هذه الحالة فالصراع يتجاوزنا كفلسطينيين ليشمل كل الأمة الإسلامية؟ أم نقاتلها كفلسطينيين لأنها ترفض حقنا بدولة مستقلة سواء كانت هذه الدولة حسب قرار التقسيم 194 لعام 1947 أو دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ غياب الرؤية الواضحة للهدف عند أصحاب الحق ينتج حالة من الإرباك حول تحديد وسائل تحقيق الهدف وحول معسكر الحلفاء ومعسكر الأعداء وحول مفهوم استقلالية القرار الوطني وجدواه، حركة فتح لن تبقى موحدة وكان المؤتمر السادس بداية التصدع فبعد المؤتمر فقدت حركة فتح كينونتها كحركة تحرر وطني، وقد تشهد انقسامات داخلية وخصوصا بين تيار وطني وتيار أممي مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين وتيار سينحو نحو التطرف . وقد نشهد ظهور العديد من التيارات أو الأحزاب بمسميات المستقلين أو أية مسميات أخرى يقودها رجال أعمال ورجال دين، وحتى تبعد الأنظار عما يجري في الضفة وحتى تلهي الفلسطينيين وتُرضي أصدقاءها ممَن لهم تطلعات سلطوية غير قادرين –أو غير مسموح لهم-على تحقيقها في الضفة فستخلق المناخ المناسب لفتنة وحرب أهلية في القطاع، بالرغم من أن الثورة الفلسطينية المعاصرة مرت بعديد الأزمات والمنعطفات الخطيرة منذ أيلول الأسود في الأردن 1970 إلى خروج قوات منظمة التحرير من لبنان 1982، ولكن مع التحولات والمتغيرات الأخيرة منذ تولي ترامب للإدارة الأمريكية والتزام خلفه بايدن بنفس السياسة المعادية للفلسطينيين والمنحازة بلا حدود للكيان الصهيوني، ومع وصول حكومة يمينية عنصرية برئاسة نتنياهو تضم متطرفين عنصريين أمثال بنغفير وسموترتش ينكرون حتى وجود الشعب الفلسطيني، ومهمة الإنقاذ لا تعود للأحزاب والطبقة السياسية المأزومين ولا للسلطتين بل لحراك شعبي عام يستنهض منظمة التحرير الفلسطينية أو يُنتج مشروعا وطنيا جديدا وقيادة جديدة.