"نحن نحتاج إلى الصمت كي نكون قادرين على لمس الأنفس. الأم تريزا ) هذا سبب كيف يحصل الإنسان على الهدوء والقدرة الحقيقية على الإصغاء، ويدرب نفسه عليها؟ الإجابة تتلخص في كلمتين: "الاعتزال والسكون. ويصغي بحق إليهم، فالاحتمال الأكبر أنه يفتقر للصمت الداخلي. حقا، وهو أن نمط الاعتزال والسكون هذا غير موجود في طبيعتنا الحياتية. فلكي تستطيع أن تكون مشيرًا لابد أن تتمكن أولاً من الإصغاء بكل كيانك ، ليس بها أي شئ من السحر. لكننا بطبيعتنا نصمم على أن نحصل على ما نريد كما نريد وليس كما هو مُفترض له أن يكون، نحن مجتمع غير علمي (يؤمن بالخرافات لا بالأسباب المنطقية) ، حيث نجد الشخص يعتقد بأنه يمكنه أن يستمر طول الوقت في الصخب والهرج والمرج ، لأن من يسمون أنفسهم "مشيرين" في مجتمعنا هم AL العزلة هي يقول الكاتب المسيحي المعاصر ريتشارد فوستر يجب أن نلتمس هدوء العزلة المجدد للنشاط إذا شئنا أن نوجد مع الآخرين وجوداً غني المعنى. وعلينا أن ندرك الترابط بين العزلة الداخلية والصمت الداخلي. فلا عزلة بلا صمت والغرض من الصمت والعزلة هو أن نتمكن من أن نرى ونسمع. والصمت دائمًا يشتمل على فعل الإصغاء. إن حصيلة تضاعف الإحساس والتعاطف مع الآخرين إذ تأتينا حرية جديدة لنكون بين " بطريقة ما صار هناك معتقد خاطئ، بالطبع هذا معتقد خاطئ. قد تمكنك حياة النشاط من أن تفهم الناس أنثروبولوجيا Anthropological لكنك لن تستطيع أن تفهم البشر سيكولوجيا Psychological أو على المستوى الوجودي أو الروحي وأنت ذائب كليا معهم طول الوقت. نعم، ولكن كما يقول الأب هنري نوين في عبارته العبقرية، فهي تجعلك تقدّم نفسك بعمق لمجتمعك. أيضا يحتاجون إلى غيابك الخلاق يا له من تعبير "غيابك الخلاق! إنه مفهوم عبقري، كما يقول الباحث الاجتماعي الراحل د. ونحن نفتقد هذا الهدوء وهذا السلام الداخلي ؟! كيف سنساعدهم على ترتيب وقد أوسعنا التأمل الهادئ بحثًا في كتاب سابق لمن يريد المزيد في هذا الشأن. والآن دعونا نتطرق إلى ما هو أصعب ؛ وهو ما يُسمى "بالصمت الداخلي". يقول مؤلف كتاب الكلمات وتأثيرها على العقل"، وهو أخصائي في علم الأعصاب Neurology ركز عمله الطبي في هذا الكتاب على دراسة تأثير الكلمات والإصغاء، من الناحية العصبية على الإنسان يقول: "إن الاستماع هدية عظيمة تقدمها للشخص. ما يعني أن علينا أن ندرب عقلنا على إبعاد نفسه عن الكلام الحديث الداخلي Inner Talk المولد ضمنه (أي ضمن هذا العقل نفسه، بمعنى أن يكون العقل مراقبا - صامتًا لأفكاره ومشاعره الخاصة - ذا إدراك لوجود أعمق بداخله) . فالكلام الحديث الذاخلي يلهينا عن توجيه كامل انتباهنا لما يقوله الشخص الآخر. الكلام / الحديث الداخلي يخرجنا من اللحظة الحالية ( يفقدنا الحضور Presence الهام للتلاقي مع المستشير، فإذا ذهب كياني - في اللحظة التي أستمع فيها للمستشير - وراء الحديث الداخلي المتقد طول الوقت، فهذا يعني أنني لم أتمكن من أكون حاضرًا بكل كياني في هذه اللحظة مع الآخر ) . التدريب على الصمت الداخلي لا يتضمن فقط الاستماع إلى النفس، بل أيضًا إسكات النفس وتخفيض الأصوات الداخلية إلى أقصى درجة ممكنة. فرياضات (تدريبات) تعلم الصمت ليست بديلة عن أن يؤسس الإنسان لنفسه نمط حياة هادئًا وصامتا معتادا على السكون علي ذلك ما أدق فعلاً التعبير الذي استخدمه القديس أغسطينوس هنا لوصف هذا الأمر والعزلة، عاما وراء الآخر. بعد السقوط) بعقولنا تعيق قدرتنا على الإصغاء. إن عقولنا تلقائيًا لا تهدأ ولا تتوقف عن التفكير والذي عادة يكون في هيئة كلمات وهذا هو ما يُسمى بالكلام/ الحديث الداخلي Inner talk ، نعم، وهي لم تُدرب بينما معدل التفكير يكون ٨٤٠ كلمة / دقيقة ) !! ففي الوقت الذي تنتظر فيه مسامعنا الكلمات لتخرج من أفواه الآخرين تكون أفكارنا قد ابتعدت عنهم وعن أحاديثهم بمسافة ليست بقليلة؛ ربما حتى نكون قد أعددنا إجابة ما في أذهاننا عن الأمر الذي لم يفرغ المتحدث من الحديث عنه، وهذا لا ألم نقل لك أن معدل الحديث العادي هو ١٢٠ كلمة/دقيقة، يقول الراهب بنيغنس أورورك الأغسطيني: "يجدر بنا أن نفرغ عقولنا ونريحها إذا رغبنا في أن نسمع ما يقوله لنا الناس فعليًا . من المعضلات الأولية Basic التي تواجه المشير هي ماذا سيفعل عندما يصمت المستشير ماذا سيفعل بالأحرى - بهذا الصمت؟ الصمت لغة، وحينما يصمت المستشير، هو في الحقيقة يقول أشياء لا تسعها الكلمات. بينما يسمح المصغي المهمل لتداعي المعاني والتعبيرات أن تذهب بعقله لطرق مختلفة ومغايرة. وقد وجه انتباهه إلي جملة الموضوع أن يميز كلما تقدم به الموضوع بين النقاط الهامة والنقاط الثانوية، يقول بول تورنييه: "بدأت أتفهم أنه توجد طرق عديدة للاستماع (للإصغاء). فبإمكانك أن تستمع لكي تجيب، وفي الحقيقة فإننا غالبًا نستمع نصف استماع لنجهز أنفسنا للرد، إن الحوار الحقيقي يعني الاستماع ليس لتستعد للإجابة بل لتشارك من يحدثك في حياته الانفعالية ما أبعد الفرق بين أن يكون سبب الإستماع هو أن تستعد لإجابة، وبين أن يكون الإستماع هو فقط لمشاركة مُحدِّثك في حياته الإنفعالية وفيما يعتمل في داخله. ويا له من أسلوب ردئ جدا للاستماع - ويبدو أن هذا الأسلوب هو الشائع والسائد - حين يأخذ عقلنا المتسرع غير الصبور - الذي يفكر أسرع بـ ٧ أو ٨ أضعاف سرعة استماعه- في إعداد الإجابات ريثما ينتهي المتحدث من كلامه ربما يجدر بنا أن نقول كما قال سليمان الحكيم "من يجيب علي أمر قبل أن يسمعه فله حماقة وعار " ( أمثال ۱۸ : ۱۳). يقترح مؤلف كتاب "الكلمات وتأثيرها على العقل ممارسة تمارين استرخاء في فترات هدوء منتظمة لمساعدة عقولنا في الحصول على هذا الصمت الداخلي، فيقول: نصبح مستغرقين كليا في شئ بسيط مثل مراقبة التنفس أو أي تمرين استرخاء آخر، وهذا يتيح لك أن تصبح مدركًا للأشياء الدقيقة التي تحدث مباشرة حولك، فستسمع بمزيد من الوضوح نبرات الصوت الدقيقة التي تعطي معنى عاطفيًا لكلمات المتكلم. ستشعر بألمه وتستجيب بتعاطف Compassion لأنك استطعت أن تحافظ على استرخائك . " بالطبع هذا يفترض وجودك في مناخ داخلي إيجابي ذي حد أدنى من التوتر والسلبية، فلا بديل عن نمط يومي للحياة من التأمل والهدوء للمشير، ويجب أن ننتبه هنا فتمارين الاسترخاء تساعد الإنسان في الحصول على الهدوء الداخلي، لكنها لا تنشئ تلك الحالة من الصمت الداخلي؛ هي فقط عامل مساعد في سعي الإنسان الحثيث للوجود في تلك الحالة من الصمت الداخلي. ولا يجب أبدا أن نتعامل مع تمارين الاسترخاء كبدائل عن الوسائل الأساسية التي توصل العقل لحالة من الإسترخاء، أي السكون والعزلة القراءة وبدون هذه الأمور كنمط حياة لن تفيد تمارين الاسترخاء في شئ. على الصعيد الآخر يقول الكاتب " أن الشخص الآخر سيعرف لاشعوريا ، متى شتت الكلام / الحديث الداخلي انتباهنا، وسيؤدي إدراكه لعدم اهتمامنا هذا إلى الابتعاد عنا. وكلما ازداد التأمل لهذا الشكل الأعمق من الإدراك "المتحدث الداخلي" (وصار العقل مراقبا صامتا لذاته ١٠) ، كلما صار الناس متبصرين حكماء ذوي حدس Intuition وقادرين على اختيار كلماتهم بحكمة أكبر، الآخرين. حتما سيفهم المتكلم كما تملي عليه تلك الضوضاء الداخلية، لذلك فإن واحدة من أهم الطرق للتواصل مع شخص ما يعاني أو يوجد في مشكلة هو أن تصمت وتهدأ وتصغي إليه بانتباه. قلنا أن الصمت الداخلي يقودنا ليس فقط إلى الإصغاء، بل إلى الحضور الكياني حيث يحدث التلاقي الكياني وهنا يجدر بنا الاستماع إلى المحلل النفسي بيير داكو في المقتطفات الفريدة التالية له عن صمت واستماع المشير، فيقول داكو: "يتم الاتصال الإنساني بالكلام، سواء كانت مشحونة بالعدوانية والخوف والحصر ( القلق والتوتر (Anxiety) أم بالمحبة والصحو. وعليه أن يبقى حاضرا، من جهة أخرى، ويصبح أخرسًا، ويصبح صامتًا. . ويسكت. فإذا ما رآه المرء، إذ أنه لا يتكلم ولا يقوم برد فعل . ففي هذه الفترة السلبية" إنما يتصف المعالج، على وجه الدقة بأنه أكثر فاعلية ) في فترة الصمت تلك ، يكون المشير أكثر فاعلية وفائدة للمستشير، إنه يفصل شخصيته وآراءه الفلسفية في أعمق أعماق ذاته. ويصبح إنسانا لا آراء له. تحدث في صمت) . فليس صمت المعالج إذن "تقنية" Technique اعتباطية (إنه صمت داخلي قبل أن يكون صمتا خارجيًا، تتيح للمستشير أن يبقى وحيدًا مع ذاته وبجانب "شاهد Witness" (أي المشير من الضروري إقامة اتحاد عميق معه خلال عدة شهور وحيدا مع ذاته، فالمستشير أو الإنسان المتألم لا يحتاج أن يخرج من ذاته أو يلقي بذاته على شخص آخر، بل هو يحتاج أن يبقى وحيدا مع