تتميز كل مرحلة زمنية باختراع أو اكتشاف مميز يغير من طبيعة هذه المرحلة تغييرًا جوهريًّا وكبيرًا، بل وينقل البشرية نقلةً كبيرة نحو المستقبل، ويفتح للناس طرقًا جديدة لم يفكر فيها العلماء من قبل. والذكاء الاصطناعي من أهم الاختراعات الحديثة التي غيرت مسار البشرية، وستغير مستقبلهم بشكل أكبر. الذكاء الاصطناعي: هو قدرة الحاسوب الرقمي، أو (الروبوت) المتحكِّم فيه، على أداء المهامّ المرتبطة عادةً بالكائنات الذكية. ويرتبط مصطلح الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تطوير أنظمة تتمتع بعمليات فكرية تميز البشر؛ مثل القدرة على التفكير، واكتشاف المعنى، والتعميم، والتعلم من التجارب السابقة. يُعرف الذكاء الاصطناعي اليوم باسم «الذكاء الاصطناعي الضيق»؛ إذ إنه مصمَّم لأداء مهام ضيقة، مثل التعرف على الوجه، أو البحث في الإنترنت، أو قيادة السيارة. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي الضيق قد يتفوق على البشر في أي مهمة محددة، مثل لعب الشطرنج أو حل المعادلات الرياضية، إلا أن الذكاء الاصطناعي العام الذي يسعى إليه العلماء، سيتفوق على البشر في كل مهمة معرفية تقريبًا. إن تاريخ الذكاء الاصطناعي مثيرٌ للاهتمام؛ إذ راود العلماء هذا الحلم منذ فترة طويلة في الماضي. ويعود تاريخ الذكاء الاصطناعي إلى بدايات القرن العشرين، عندما عرف الخيال العلمي مفهوم (الروبوتات) الذكية. فقدم كاتب تشيكيّ في عام 1920 مسرحية خيالية علمية، ظهرت فيها كلمة (روبوت) لأول مرة، ولاحقًا، ظهر جيلٌ من العلماء وعلماء الرياضيات والفلاسفة، بينهم العالم البريطاني الشاب (آلان تورينج) الذي قدّم أبحاثًا علمية مهمة شكَّلت أساسًا للبحث حول الذكاء الاصطناعي. ومنذ بدء تطوير الحاسوب الرقمي في القرن الماضي، أُثبتت إمكانية برمجة أجهزة الحاسوب على القيام بمهامّ شديدة التعقيد، وعلى الرغم من التقدم المستمر في سرعة معالجة الحاسوب وقدرة الذاكرة، لا يوجد حتى الآن أي برامج يمكنها التوافق مع مرونة الإنسان في مجالات أوسع، أو في مهام تتطلب كثيرًا من المعرفة اليومية؛ لذا يطمح العلماء إلى تطوير الذكاء الصناعي ليحاكي ذكاء العقل البشري ومرونته، وربما يتفوق عليه في مرحلة ما. ومن الجير بالذكر أنه منذ بداية التفكير في الذكاء الاصطناعي، ظهرت مخاوف دائمة من تمرُّده ومحاربته للجنس البشري، أولًا: عندما يكون الذكاء الاصطناعي مبرمجًا لفعل شيء مدمر؛ فهناك أسلحة التحكم الذاتي، وهي نظم ذكاء اصطناعية مبرمجة على القتل، وعندما تقع في أيدي الشخص الخطأ، قد تتسبب بسهولة في خسائر فادحة. وثانيًّا: عندما يكون الغرض من الذكاء الاصطناعي القيام بشيء مفيد للبشر، لكنه قد يُطوِّر، دون قصد، طريقةً مدمرة لتحقيق هدفه. وقد يحدث هذا عند الفشل في التوفيق التام بين أهداف الذكاء الاصطناعي وأهدافنا، وهو أمر صعب للغاية. وهكذا نجد أن القلق بشأن الذكاء الاصطناعي المتقدم ليس لاحتمالية خبثه وتحدّيه للإنسان، بل لزيادة كفاءته عن الحدّ اللازم؛ ولذلك أعرب بعض الخبراء عن قلقهم، واكتشفوا أن الحل الأمثل هو ربط أهداف الذكاء الاصطناعي بأهدافنا، نحن البشر، أولًا قبل تطويره وخروجه عن السيطرة.