دكتور/ حمود بن عتيق راضي المعبدي أستاذ اللغة والنحو والصرف المشارك الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: وزينه بالإيمان، والإسلام خير الملل، ووعاء دينه العظيم، نشأت وترعرعت، وتلتقط من أجمل ألفاظها، وأحسن عبارة، وأعظم اللغات ثراء ودقة ومعنى. والمنزلة العالية؛ ونضرة وجلالا، ولتزداد مهابة وسعة وانتشارا، فأنزل بها الكتاب المهيمن على سائر الكتب السماوية، لتكون هذه اللغة مهيمنة على سائر اللغات، وجعلها لسان نبيه الكريم ووعاء دينه القويم؛ لتكتسب بذلك صفة العموم والشمول والخلود. انطلقت العربية مع الإسلام من جزيرة العرب، فبلغت ما بلغ من مشارق الأرض ومغاربها، وامتدت بامتداده إلى العراق والشام ومصر وبلاد المغرب وما وراءها. وانحسرت بانحساره من بلاد الأندلس؛ شملت العربية جميع مناحي الحياة، وبينت أحكام الإسلام أحسن بيان، وأدق عبارة، (والعربية تعتبر أحكم اللغات نظاما في أوضاع المعاني وسياستها بالألفاظ، وهي من هذا القبيل أعظمها ثروة، وأبلغها من حقيقة التمدن حيث لا تدانيها ف ذلك لغة أخرى كائنة ما كانت، فالعرب لم يدعوا معنى من المعاني الطبيعية، وقد تضعف العربية في قطر، أو ترحل من مصر، ولن تموت! بل هي باقية ما بقي قرآن وإسلام. بهذا العمر المديد سبعة عشر قرنا، متميزا نوعا وعددا، ولا تزال تمتلك قوة ف ذاتها تمكنها من البقاء والخلود في تجدد وحيوية دائمين. فهيء لها علماء أجلاء، أفنوا أعمارهم وأحبارهم في جمعها، واستنباط قواعدها ومعالمها، وضبط نظامها، ثم استقلوا ذلك كله في جنب هذه اللغة الكريمة. وتعز باستعمالها فيما يجب آن تكون فيه. س ا لماذا نريد أمنا لغويا؟ فيجيب: لأنها لغة القرآن والإسلام، لأن اللغة فكر. س٢ وكيف يتحقق الأمن اللغوي؟ فيجيب: بالسياسة اللغوية الموحدة، وإصلاح التعليم، وإصلاح الإعلام. ١- لأنها لغة القرآن والإسلام، فاكتسبت العموم والشمول والخلود، وكدت ف خدمتها الأذهان وبذلت المهج؛ رغبة وحبا فيها، وقربة إلى الله تعالى، وتحقيقا لوعده بحفظها. وعلم النحو لحفظ التركيب ودلالته، ونشأت سائر علوم العربية، لسماع كلام العرب الأقحاح شعره ونثره وروايته وتدوينه، ودراسته، واستنباط قواعده ، ونظمه. أليس ف هذا إكرام للعرب وتكريم للعربية، بلى؛ لأنها لغة القرآن ولسان سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، ووعاء الحضارة الإسلامية العظيمة. يقول المستشرق الألماني يوهان فك ((لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر. ) أدرك علماؤنا فضل العربية وأثرها ي فهم الإسلام فدعوا إلى تعلمها والمحافظة عليها. قال الثعالبي ((فإن من أحب الله أحب رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي نزل بها أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب، ومن أحب العربية عني بها، وثابر عليها وصرف همته إليها)) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ((اعلم أن اعتياد اللغة: يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا، ويؤثر أيضا ف مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد، بل قال مالك: من تكلم في مسجدنا بغير العربية أخرج منه، مع أن سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها، فلغتنا هويتنا، وشعارنا بين الأمم، هي انتماء روحي، وارتباط معنوي قوي، والتعلق بماضيها وحاضرها وحضارتها، واللغة شاهد على العصر، وهوية كل مجتمع أو أمة تتمثل في ثلاثة أمور رئيسة، هي: الدين، والثقافة، واللغة هي الأداة الفعالة لبناء النهضة والحضارة. يروى أنه في سنة ١٤٩٢ م قام العالم اللغوي الإسباني ((أنطونيو نبريجا)) بوضع كتاب في نحو الإسبانية وصرفها، بمناسبة اكتشاف أمريكا، وقدمه إلى الملكة ((إيزابيلا)) لأول مرة في تاريخ اللغات الأوروبية، اندهشت الملكة، ثم سألته: ما فائدة هذا الشيء؟ فأجاب: يا صاحبة الجلالة: إن اللغة هي الأداة الفعالة في بناء الإمبراطوريات)) تأمل حرقة الأديب اللبيب مصطفى الرافعي على لغته، وهي تتنحى عن الصدارة، يقول - رحمه الله - ((ما ذلت لغة شعب إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار، ومن هنا يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضا على الأمة المستعمرة، ويشعرهم عظمته فيها ويستلحقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاما ثلاثة ف عمل واحد: أما الأول: فحبس لغتهم في لغته سجنا مؤبدا لقد أحس الرافعي بسجن لغته وقتل ماضيه وأغلال الأجنبي في عنقه شعورا يخالج كل مسلم وعربي يدرك بأن أمته معطلة، وأنها تعيش أزمة في حاضرها، حيث تخلت عن مسؤوليتها، وضعف انتماؤها الإسلامي واللغوي. إنها الوطن الحي المتدفق الذي يسكن قلب كل واحد منا)) ((وإنك إذا سلبت البلاد عنوان انتمائها الوطني وهو اللغة فكأنك سلبت من كل فرد عنوان ذاتيته)) يقول كرستال لغوي بريطاني شهير ((إن الحفاظ على اللغة يتطلب التزاما وشعورا بالمسؤولية المشتركة لصيانة اللغة والمحافظة عليها وإنمائها، ويتطلب ذلك وضوح الرؤية، وتفعيل المهارات في وضع خطط عملية وتنفيذها بإحكام)) ٣ - اللغة والفكر اللغة: أسماء وأفعال وأدوات، وهي تحمل معاني وصفات، والأسماء يعبر بها عن الأشخاص والأحداث والأفكار، وكلمة ((تفاؤل)) تستدعي في الذهن مفهوما ما، وكذلك: الصلاة، والبيع، والاجتماع. فاللفظ في اللسان، والمعنى والفكرة في العقل متلازمان، فلا يمكن أن نفكر إلا بالكلمات، ولا نتصور الفكر مجردا وعاريا لم يتشكل أو يتجسد في ألفاظ وتراكيب. وعليه فالناس يتفاوتون ف كمية أفكارهم، ونوعها وأهميتها تبعا لما يمتلكون من حصيلة لغوية. وكلما زادت ثروة الإنسان اللغوية اتسعت خزائن أفكاره، فضيق الصدر يربك العقل فلا ينطق اللسان، ولذا من الناس أثرياء في اللغة والتفكير، والعلاقة بين الفكر واللغة جلية في تراثنا الحضاري، جاء في المثل العربي: المرء مخبوء تحت لسانه. وموقف الإمام أبي حنيفة حين كان يمد رجله يشرح لتلاميذه، فدخل عليه رجل مهاب، ظن به عقا راجحا وفكرا ثاقبا، فكف رجله تقديرا واحتراما، ظهر فكره في لسانه، قال الإمام: قد أن لأبي حنيفة أن يمد رجله، ويتفق الخبراء العالميون أن الابداع العلمي والارتقاء الذهني لا يكون إلا باللغة الأم، وهذه حقيقة علمية قطعية في علم اللسانيات، اللغة الشاعرة؛ لأن المحافظة على اللغة محافظة على الفكر، الفصل الثاني: تحقيق الأمن اللغوي اللغة: ألفاظ وأصوات تحمل معاني وأفكارا، ورمزها الظاهر الدال عليها. ويؤثر في دلالتها معنى اللفظ - حين يدخل في تركيب أو عبارة، تختلف كليا تبعا للحال والمقام الذي قيلت فيه أو كتبت فيه، كما تختلف بالتقديم والتأخير، والحذف والذكر. وغيرها من أساليب اللغة واختلاف معانيها. جذبا ودفعا، فيغير تلك المعاني، معنى اللفظ أو معنى التركيب أو يجعلها في سياق مختلف، وقد يلقيها في مقام أو حال لا يناسب، مما يمكن المتحدث من الخداع والتلاعب بعقول المخاطبين، وتغيير أفكارهم، وسوقهم إلى الوجهة التي يريد. وما جرى الانحراف الفكري إلا بفهم سقيم وتصور عقيم للخطاب الديني أو الثقاف أو السياسي فيحمله على غير محمله، والسبب الرئيس هو الضعف اللغوي لدى المتلقي، مما أدى إلى ضعف عقله، وغدا مرتعا للأفكار البراقة، والتصورات التي لا تلائم المجتمع والحالة العامة. وإصلاح الفكر والجنان يتحقق بإصلاح اللسان. وإصلاح التعليم، ووسائله. مع تعاقب الأجيال والدول، واتحاد الأقطار وتفرقها، واختلاف السياسات وتباينها، وبقدر إلهي حفظت العربية بنظامها ومصادرها وقواعدها؛ وتموت، والعربية ثابتة كالطود الشامخ والجبل الأشم، بأصواتها وكلماتها وتراكيبها ودلالاتها. لابد من أسباب وأعمال وجهود تتحقق بها الحماية الربانية ويعبر بها الوعد الإلهي. إن الأمة العربية كيان ثقافي موحد، تجمعه اللغة والثقافة، والموروث الحضاري، وإن كان مقسما سياسيا، متباينا اقتصاديا، فان القيم والمعاني أقوى من المادة، والرابطة اللغوية أقوى من الرابطة السياسية، فالقيم أسبق وأعمق وأبقى من التقسيم القطري المتغير. وكان على السياسة أن تعتمد على الأقوى وتتمسك بهذا الجامع الأوثق، وإن تباينت سياسيا واقتصاديا، لكن الواقع غير ذلك. واللغة في حاجة إلى قرار سياسي موحد يطبق في العالم العربي، قرار إداري نافذ، ملزم بالعربية ف قاعات التعليم العام والجامعات، ووسائل الإعلام، والخطاب الإداري، والمؤتمرات، يبنى على تخطيط لغوي شامل، ينفذ بلجان علمية لغوية، تتصف بالأمانة والتمكن، وحسن الصياغة وحكمة المعالجة. يدفع إلى ذلك غيرة لغوية حميدة، فالأمة أي أمة تغار على لغتها: فإضعاف اللغة إضعاف للأمة، وف دلها ذلها، وقوتها ف قوتها، أدرك ذلك رجالات الأمم، وبنوا هويتهم وثقافتهم على أن لغتهم ركن أساس من أركانها. وسن القوانين التي تحرم المساس بها أو التحدث بغيرها، حتى صارت لغة التعليم والإعلام والخطاب الرسمي، ونشرها في الأمم الناطقة بغيرها، وإبرازها ف الاتفاقات والعقود وطرحها كمصلحة أمة. ومن الحكمة النظر في تجارب الأمم الجادة وانتصارها للغتها، عندما انتصر ((هوشي منه)) رئيس الفيتنام حسم القضية اللغوية، وأعلن فنمة المدارس والكليات، فأمهلهم تسعة أشهر، وحسم الأمر . ولما استعمر اليابانيون كوريا، منعوا فيها تداول اللغة الكورية، ولما استقلت البلاد (١٩٤٣ م) جاء أول مرسوم في أول عدد من جريدته الرسمية بحظر تداول اللغة اليابانية، واحتشد الكهول والشيوخ ليلقنوا الأطفال والشباب لغتهم القومية، ولم تنطلق السنة الدراسية يومئذ إلا باللغة الكورية . فلم تمض خمس سنوات من اغتصابهم حق الأرض بعد قرار التقسيم عام ١٩٤٨ م حتى بادروا إلى إنشاء ((مجمع اللغة العبرية)) ((١٩٥٣م)) ثم كونوا مجلسا أعلى يضم أربعين لجنة متخصصة في كل الفروع العلمية والفكرية، تهتم بمسايرة اللغة للتطور المستمر، التى تعطى الحاجة ف المجالات كافة، والدافع لهم إيمانهم بأن لغتهم هي شخصيتهم وثقافتهم وتاريخهم، والرابطة لوحدتهم وتضامنهم، فتبعثها بعد موتها وتقويها بعد ضعفها، وتتحدث بها بكل عزة وفخر وشموخ. فلا يتحقق الأمن الفكري إلا بأمن لغوي، ولا يكون ذلك إلا بغيرة لغوية دافعها العزة بالأمة ولغتها، وسلطانها القرار السياسي الصارم. 2- اصلاح التعليم أ- اللغة العربية جديرة بالعناية والتقديم في التعليم العام، والسير على منهج علمي في تعليم العربية يوجب التخطيط اللغوي وتحديد الغايات والأهداف، واختيار محتوى من العربية الفصيحة مبني على الشيوع في الأصوات والكلمات والتراكيب والمعاني. وفصاحة القرآن الكريم والحديث الشريف، توجب أن نختار منها نصوصا سهلة التناول قريبة الفهم، ليتمرس الطلاب على النظر ف مصادر العربية ومعالجتها، ولو اشتغل العرب والمسلمون بالقرآن الكريم تلاوة وتجويدا وحفظا لأبنائهم؛ لاستقامت الألسنة، وانقادت لهم اللغة في أعلى مستوياتها، وأبين دلالاتها ومعانيها. تؤتي ثمارها، وتنضج حصادها. ب- التعليم باللغة العربية الفصيحة، وإلزام المعلم بالتحدث بها مع طلابه، ونظرية الدكتور عبد الله الدنان خير دليل وبرهان نظرية تعليم اللغة العربية بالفطرة والممارسة التي تهدف إلى القضاء على الضعف العام في اللغة العربية ف الوطن العربي، طبق نظريته بداية على أولاده في سن مبكرة فأتقنوا التحدث باللغة العربية السليمة المعربة، وهما في الثالثة من العمر. وأسس ((دار الحضانة العربية)) ف الكويت، و((روضة الأزهار العربية)) ف سوريا لإثبات نجاح نظريته عمليا. صمم برنامجا لتدريب المعلمين والمعلمات وغيرهم على المحادثة باللغة العربية الفصحى، نجحت نظريته، وانتشرت في الأقطار العربية، وطبقت في متات الروضات نجحت والمدارس، وذاعت في الإعلام وأفاد منها كل حريص على تعليم اللغة العربية الفصيحة المعربة. وتلك التجربة توكد أهمية الاستماع ودوره في مهارة التحدث، وأن الطالب يتحدث بما يسمعه من معلمه. تدريس العلوم الطبية والهندسية ف جامعاتنا باللغة العربية يزيد ف فهم الطلاب لهذه العلوم، وأقوى في الانتفاع، وأعلى ف الإبداع والاختراع، وبرهان على قدرتها وسعتها، 1- الدول المستقلة سياسيا تدرس علوم الطب والهندسة بلغاتها كالمانيا وفرنسا والدول الأوروبية، واليابان والصين، وفيتنام، وغيرها. حتى الكيان الصهيوني الذي تمكن من إحياء لغته العبرية بعد موتها، يدرس تلك العلوم بلغته العبرية على قلة ف عددهم إذ لا يتجاوزون بضعة ملايين نسمة، واستمر تعليم الطب فيها باللغة العربية نحو ستين عاما، ثم مدرسة الطب اليسوعية، وكان الطب يعلم فيها باللغة العربية، لكن بعد الاستعمار تحولت إلى الإنجليزية والفرنسية. وفي مصر والسودان والعراق ودول الخليج باللغة الإنجليزية، وف الصومال بالإيطالية، وكلها لغات المستعمر. يقول جورجي زيدان ((مر على المدارس الكبرى في سوريا ومصر عشرات من السنين والتعليم فيها باللغة العربية، فزهت هذه اللغة وازدهرت، ولذلك فنحن نشكو من الكلية الأمريكية والكلية اليسوعية في بيروت، لأنها جعلت التعليم فيها باللغات الأجنبية، وحجة أصحاب هذا القول قلة الكتب التعليمية في اللغة العربية، ونعني به ترقية الأمة وجمع كلمتها وإحياء آمالها، وهذا لا يكون إلا بترقية لسانها وإحياء آدابه بتأليف الكتب العلمية والأدبية فيه، فلو ظلت هذه المدارس الجامعات كما كانت عليه في أول نهضتها لكانت اللغة العربية كما يتمناها كل محب للعرب، ويقول الأستاذ أحمد حسن الزيات: ((الترجمة هي الوسيلة الأولى لدفع القصور عن اللغة، إن تدريس هذه العلوم بلغة أجنبية هزيمة نفسية، وبعد عن الهوية، وانحراف عن الإرادة الثقافية، بلا مبرر ولا معوق. 4- وإليك بعض المعوقات عن التدريس لهذه العلوم باللغة العربية: قد أكملوا دراساتهم العليا بغير لغتهم الأم، ولكن تعريب التدريس وضرورته لا تعني إهمال اللغة الأجنبية. ج- عدم وجود مركز أو هيئة متخصصة بتعريب التعليم الجامعي وترجمة العلوم الطبية والهندسية وغيرها، بصورة مأمولة وقدر مرضي. فالواجب تشجيع الترجمة وتفعيل دورها ووضع الخطط اللازمة للنهوض بها وأن يكون أحد البحوث والكتب المقدمة للترقية من أعضاء هيئة التدريس باللغة العربية. د- عدم وجود دعم مادي أو معنوي للمهتمين بتعريب هذه العلوم والمترجمين للكتب والمراجع العلمية لها، مما أدى إلى توقف كثير من برامج التعريب والترجمة الجيدة. كل هذه العوائق واهية هلامية، غير واقعية؛ لأنها لم تعق أمة من الأمم الشرقية والغربية، ولم تحل دون تدريس تلك العلوم بلغتها، حتى من هم أقل منا عددا وعدة. هذه العوائق ستنتهي إذا بدأنا التدريس باللغة العربية، وستتوارى من الأذهان، والتجربة خير برهان، وهي ماثلة أمامنا للعيان، ولكن. الله المستعان. وسائل الإعلام: الإعلام آلة مؤثرة في المجتمع، يقوم بدور فاعل في توجيه الآراء وإصلاح المبادئ والعادات. ويعلم ويحفز ويرفع الهمم، الإعلام مدرسة كبرى للجمهور والمجتمع، وفي سائر أوقاته. وقد يشيع الخطأ واللحن، والعجمة والهجن. وإذا استقام الفكر وتهذبت الأخلاق في الإعلام كانت كذلك في المجتمع والجمهور. والإعلام المنطوق المتمثل في المذياع والتلفاز وقنواته أقوى أثرا في المجتمع من المكتوب كالصحافة ولوحات الإعلان ونحوها. ولذا يجب العناية بالمسموع والمرئي وما يعرض فيه ويسمع منه، فلا يعرض فيه إلا لغة فصيحة وفكرا سليما وخلقا كريما. ولغة الصحافة أصح نحوا وصرفا ودلالة، ولو سلمت من الألفاظ الأجنبية التي اقتحمتها لكانت أحسن أثرا من غيرها على قلة القراء في الوطن العربي عامة. الإعلام المنطوق هو الكاشف الحقيقي عن المستوى الثقاف واللغوي والاجتماعي، والمؤثر القوي في البيت والمجتمع. إن الضعف اللغوي للمذيع ومقدم البرامج، والناطقين في الإعلام أدى إلى أن يتحدث بلهجته، وقد يسكن ولا يعرب إيثارا للسلامة، وقد يتحدث بلغة هجين تكثر فيها الألفاظ الأجنبية، وظهرت على ألسنة الجماهير وكثر سماعها حتى غدت لغة المجتمع لغة رديئة بعيدة عن العربية الفصحى،