لأن المنطق الصوري ناقص ولا يعبر عن حقيقة الفكر من جميع جوانبه، فهو منطق اهتم بصورة الفكر وأهمل مادته مما ولد محدودية تطبيقاته. بالإضافة إلى أن أنصاره والمدافعون عنه رفعوا من قيمته وشأنه وجعلوه أرقى وأكمل ما وصل إليه الفكر البشري، ولا يرقى إلى الكمال مهما كان فيه من مجال الإبداع. لأن العقل الإنساني ناقص وقاصر فكيف يمكنه أن يضع قواعد عامة يسير عليها وتضمن سلامته؟ فهي أيضا تكون قاصرة. ومن جهة أخرى قد نعرف قواعد المنطق الصوري ومع ذلك نقع في الأخطاء نتيجة تعرضنا لحتميات مختلفة كالحتمية الاجتماعية (العادات والتقاليد) والحتمية النفسية (الميول والرغبات والأهواء). 2_ من هنا ظهر خصوم للمنطق الصوري وعلى رأسهم "#ديكارت"، حيث يتفقون على أن المنطق الصوري بقواعده لا يضمن صحة التفكير ولا يعصم الذهن من الوقوع في الخطأ، كما انه منطق ضيق لا يعبر إلا عن بعض العلاقات المنطقية، ولا يتجاوز في أبلغ صوره علاقة التعدي، رغم أن العلاقات كثيرة والواقع الرياضي يشهد على ذلك، من ناحية أخرى فهو منطق لا يخرج عن دائرة الفكر وانطباقه مع نفسه ويغفل تماما عن الواقع وموضوعاته، يهتم بصورة الفكر لا بمادته". فهو لا يساير الواقع وأحداثه المتغيرة، ولهذا هاجمه الكثير من الفلاسفة والمفكرين المحدثين، واجتهدوا في إبداع صور وأساليب منطقية جديدة تتناسب مع ظروف المعرفة والثقافة، وقد تجلى ذلك من خلال بدائل منطقية جديدة تبحث عن صحة التفكير وكيفية الابتعاد عن الأخطاء، مما يعني أن المنطق الصوري ليس بالضامن الوحيد لصحة وسلامة التفكير. إضافة إلى أنه منطق عقيم لا يصل إلى نتائج جديدة، فهو تكراري وتحصيل حاصل لا يأتي بأي جديد، مثال ذلك قولنا: كل إنسان فان – زيد إنسان = زيد فان. فالنتيجة متضمنة في المقدمة الكبرى (كل إنسان فان). مما يعني أن القياس الأرسطي يبرز لنا ما نعلمه ولا يكشف لنا عما نجهله. وشرط الاستنتاج الصحيح أن ينتهي بنا إلى علم جديد لا إلى إعادة ما تتضمنه المقدمتان. فالوظيفة المنطقية للاستنباط هي نقل الحقيقة من القضايا المعطاة إلى قضايا أخرى، يقوم على استخدام اللغة اللفظية العادية، وتعدد المعاني فيؤدي إلى عدم الاتفاق، مما دعت الحاجة إلى إبداع صور وأساليب منطقية جديدة، وبنظرة جديدة لعلاقة الطبيعة بالمعرفة، وهو الذي يعبر عن علاقاته وقوانينه وصوره الاستدلالية بالرموز والإشارات، والتأسيس لأساليب جديدة في البرهنة تقوم على الإنشاء والكشف عن المجهول، وتجاوز عقم القياس الأرسطي. كل ذلك أثبت أنه لا يمكن أن نساير المنطق الثنائي القيمة القائم على مبدأ الهوية، فهذا أمر لا يقتنع به العلم، بل تبقى مجرد احتمال لا هي صادقة ولا هي كاذبة، مما يعني أن القيم لم تعد مجال نفي أو إثبات، وهذا ما عبر عنه "#هيجل من خلال "المنطق الجدلي" الذي يقوم على النظر إلى العالم الطبيعي والواقعي على أنه محكوم بمبدأ التناقض والتغاير، فقد جعل "#هيجل" هذا المنطق يتألف من ثلاثة مراحل هي: الموضوع ونقيضه والمركب منهما كنتيجة، وعليه يمكن القول أن الفكر المنطقي في مسيرته عبر عن صور منطقية متعددة تبعا لتطور الفكر، دون أن ننسى منتقدي المنطق الأرسطي من الفقهاء فقد اعتبره #ابن_الصلاح شر قائلا: "المنطق مدخل الفلسفة ومدخل الشر". فإن أصحابه لم يسلموا بدورهم من النقد فلقد أفرطوا في التقليل والانتقاص من قيمة المنطق الأرسطي. من ناحية أخرى القول بمحدودية المنطق الصوري ونقصه لا يعني بالضرورة أنه خاطئ ويجب الاستغناء عنه، لأنه في كل الأحوال يعتبر بعدا إبداعيا لفهم عمل الفكر وإظهار كيفية انطباقه مع نفسه. وهذا يؤكد دوره وفعاليته في الكثير من مجالات المعرفة الإنسانية كالرياضيات والفلسفة والأخلاق. وبالنسبة لتلك البدائل المنطقية من منطق رياضي وجدلي ومادي لولا المنطق الأرسطي لما كان لها أي وجود. أما بالنسبة للإدعاء بأننا قد نعرف قواعد المنطق ومع ذلك نقع في الأخطاء. فقد يكون مرد ذلك لسوء فهمنا واستعمالنا لقواعد المنطق لا إلى القواعد بذاتها. #التركيب نتيجة للانتقادات الموجهة لكلا الاتجاهين يمكننا التوفيق بينهما بالقول أن المنطق الصوري والالتزام بقواعده مهما كان دوره وأهميته في وضع مبادئ التفكير المنطقي وإبعاد التفكير عن الأخطاء والتناقضات وضمان سلامته، لكنه من ناحية أخرى يعتبر ناقص ويحتاج إلى نماذج منطقية أخرى لتكمل نقصه وتتناول مختلف الجوانب والموضوعات التي غفل عنها المنطق الصوري كانطباق الفكر مع الواقع، وغيرها من الأساليب المنطقية التي تخدم فكر الإنسان وتساير تطور معارفه (عقلية، ختاما ومما سبق نستنتج أن التحصن بقواعد المنطق الصوري، والتعرف على آلياته وصوره المختلفة في الحكم والاستدلال لا تعني دائما العصمة من الخطأ وصحة التفكير والبرهان برغم ما يقدمه من دقة في التفكير ومهارة في الاستدلال، إلا أنه لا يفي بكل أبعاد وأغراض الفكر الإنساني، لكن هدفها جميعا العمل على ضمان صحة التفكير. وبالتالي يبقى المنطق الأرسطي منهجا لمختلف العلوم ومن ثمة لا يمكن رفضه مطلقا بل ينبغي تطويره وسد النقص الذي عرفه تكيفا مع متطلبات الواقع المتغير. وبالفعل هذا ما اتجهت إليه اهتمامات المناطقة والعلماء من خلال إبداع أساليب جديدة تسمح بالانتقال من اللفظ إلى الرمز، ومن عالم المجرد إلى عالم المحسوس، أي من المنطق الصوري إلى المنطق الرمزي أو المنطق الرياضي حيث لم تعد اللغة العادية هي الأداة،