أشرنا في أثناء تناولنا للعلاقات الدولية أن روسيا أحتلت مكاناً بين الدول الأوروبية الكبرى، حتى الإصلاحات التي أدخلها بطرس الأكبر اقتصرت على الجيش دون المساس بالأوضاع الإجتماعية والسياسية حيث أستمر القيصر يمارس حكماً استبدادياً، كما أنه ظل يعتمد على كبار ملاك الأراضي الذين يستخدمون اليد العاملة . كما أن روسيا لم تعرف أى نوع من المجالس النيابية، وستنشأ تلك الطبقة بالفعل هي والطبقة العاملة معاً في نهاية القرن التاسع عشر عندما تصل نظم الإنتاج الصناعي الحديثة إلى روسيا. ونظرا لعدم سماح النظام القيصرى بقيام الأحزاب السياسية لذا لجأت هذه الصفوة إلى تكوين الجمعيات السرية التي إتخذت من العنف أسلوباً لها، كما اضطر رجال المعارضة الروس إلى العمل خارج بلادهم ولا سيما هؤلاء الذين حملوا أفكاراً إشتراكية. لم يكن ماركس الذي عمل على إنشاء الحركات الشيوعية الدولية يتوقع بأي حال أن تقوم الثورة الشيوعية في روسيا، بل توقع قيامها في إنجلترا لأن الشيوعية تعتمد في رأيه على الطبقة العاملة التي تتناقض خصالها مع الرأسمالية الصناعية، ومع الوقت ستقوم الطبقة العاملة تلقائياً وبدون حاجة ملحة بالتنظيم الحزبي ثم بالثورة . وهي أيضاً تطالب بالنظام البرلماني الذي يتيح لها المشاركة في السلطة التي يستأثر بها القيصر والنبلاء . وقد اشتركت هذه المعارضة بجميع طبقاتها مع العمال في الإضطرابات والمظاهرات العنيفة التي شهدتها روسيا عام ۱۹۰۵ في العاصمة " سان بطرسبرج ". وقاموا بمظاهرات لتحسين أحوالهم بزعامة كاهن يدعى الأب جابون ولما وصلوا إلى قصر القيصر في يوم الأحد ۲۲ يناير سنة ۱۹۰۵ قابلهم حراس القصر بوابل من الرصاص أدى إلى مقتل الكثير منهم، ومنح مجلس الدوما (البرلمان) سلطة واسعة في سن القوانين . وهكذا فقد الإشتراكيون كل فرصة للكفاح بالطرق الدستورية، والواقع أن الإشتراكيون الروس كانوا منذ سنة ۱۹۰۳ قد إنقسموا فيما بينهم حول وسائل الكفاحفالأغلبية رأت أنه يجب تطبيق المبادئ الماركسية بحذافيرها وإلغاء الملكية الفردية فوراً عند الوصول إلى السلطة، وأن السبيل الوحيد للوصول إلى هذه السلطة هو الثورة المسلحة الإقامة دكتاتورية الطبقة العاملة، وقد عرف هذا الفريق بإسم " البلشفيك " وهي كلمة روسية تعنى الأكثرية ، أما الفريق الثاني فقد وافق على الوصول إلى إلغاء الملكية بالتدريج ولم يرفض مبدأ النضال بالطرق الدستورية إذا أتيحت الفرصة وقد عرف هذا الفريق بإسم المانشفيك أو الأقلية باللغة الروسية. ولا شك أن رجعية القيصر وعدم السماح بإدخال أى إصلاح مهما كان محدوداً إلا بعد تردد ضئيل، إلى إنضمام كثير من أبناء الأقليات العنصرية أو الدينية إلى حزب البلشفيك، وكان بين هؤلاء الجيورجي ستالين والأرمنى ماكوليان وكثير غيرهم، زادت الحرب العالمية الأولى ظروف روسيا تهيئاً للثورة وذلك أن القيصر " نقولا الثاني " قرر دخول الحرب لمحو عار هزيمته أمام اليابان سنة ١٩٠٥ ولذلك حرص عند الإشتراك في الحرب أن يحصل على وعود من حليفتيه إنجلترا وفرنسا بمكاسب إقليمية في أرمينيا وكردستان، وأشيع في ذلك الوقت أنه كان يخضع لتوجيهات راهب سخر القيصر الأهوائه وهو الراهب راسبوتين خلال عامي ١٩١٦ ،