وكانَ الوَقْتُ صَيْفًا : أَرْسَلَتِ الشَّمْسُ أَشِعَّتَها إلى الأرْضِ كَأَنَّهَا شُواظٌ مِنَ اللَّهَبِ ، وَامْتَنَعَتَ عَلَى الحافي والْمُنتَعِلِ ، وَيَكَادُ يُزْهِقُ الأَرْواحَ ! في هَذِهِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ سَافَرَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمَظْلُومَةُ . حَتَّى بَلَغَتْ بَغْدَادَ وصلت بغدادَ ، والماء العَدْبَ السَّلْسَبِيلَ ، أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ تَرَصَّدَتِ الْمَأْمُونُ حَتَّى خَرَجَ ، فَرَأَى امْرَأَةً بِائِسَةٌ ، ولَكِنَّها بادَرَتْهُ بِقَوْلِها فِي وَهَنٍ وَضَعْفِ : السَّلامُ عَلى أميرِ الْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ . و ارجو الله ان يعينني على قضائها. قالت : يا أميرَ الْمُؤْمِنِينَ ، » ثُمَّ أَمَرَ بَعْضَ أَعْوانِهِ أَنْ يُعْنى بِأَمْرِها ، مَضَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ قُدَّامِ الْمَأْمُونِ راضِيَةً مَوْفَورَةً ، وَعَنْ يَسَارِهِ حاجِبُهُ أَحمدُ بْنُ أَبي خالد . وكانَتِ الْمَرْأَةُ الشَّاكِيَةُ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَآهَا رَحبَ بها ، » فُوجِيَّ العَبّاسُ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ وشَكْواها ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ قَدْ رَاهَا ، » ثُمَّ طَلَبَ إِلَى الْمَرْأَةِ أَن تَعْرِضَ شَكْواها . وكَيْفَ اعْتَدى أَعْوانُ الأميرِ عَلى ضَيْعَتِها ، وشَرَّدوها وبَناتِها مِنْهَا وأَغْلَقُوا في وُجُوهِهِنَّ أبواب سورها ، وتَرَكُوهُنَّ بِغَيْرِ مَأْوَى وأصْبَحْنَ حائرات مقهورات ، لا يَجِدْنَ بَيْتًا يَسْتُرُهُنَّ ، وَتَمْنَعُهُنَّ كَرامَةُ أَنْفُسِهِنَّ أَنْ يَسْتَعْطِفْنَ النَّاسَ عَلا صَوْتُ الْمَرْأَةِ عَلَى صَوْتِ الأميرِ ، وتَذَكَّرَ الأميرُ ما فَعَلَهُ أَعْوانُهُ ، وَلَكِنْ الحاجِبَ قَالَ لِلْمَرْأَةِ : « مَهْلاً يَا امْرَأَةَ ، إِنَّكِ تَتَكَلَّمِينَ عَنِ الأَميرِ ، في مَجْلِسِ أمير الْمُؤْمِنِينَ . وأَمَرَ بِالكِتابَةِ إلى عامِلِهِ عَلَى قَرْيَتِها ، فَلا خَيْرَ في الأمير إِذا سَكَتَ عَلَى الظَّلْمِ ،