العلاقات الدولية: مقدمة قصيرة جدًّا أما في ديمقراطية بريطانيا البرلمانية، وعلى أي حال، وحتى إن كان هذان السياسيان مستجدَّين في مجال الشئون الخارجية، فإنَّ كبار موظفي وزارة الشئون الخارجية والكومنولث يتحلَّون بثِقَل تجتمع فيه المعرفة والخبرة الناتجتان عن خدمتهم في الوظائف الدبلوماسية في جميع أنحاء العالم، وأن وزير الخارجية مُتَوَقَّع منه ببساطة أن ينفِّذ سياسة البيت الأبيض بإخلاص. ويتمثل أحد التعقيدات التي يتسم بها النظام الأمريكي في أنَّ الوزارات المنافسة — لا سيما وزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي — قد لا تتفق مع وزارة الخارجية، والدول من أول الأمور التي يحتاج وزير خارجية بريطاني جديد ينقصه الكثير من الخبرة إحاطةً بشأنها؛ إذ إننا نحيا في عالم ما زالت الدول فيه هي الفاعل الرئيسي في العلاقات الدولية. ولا بادرة لتأسيس مثل ذلك النظام، فقد قدَّم علماء الإنسان وصفًا مفصَّلًا مثيرًا للإعجاب لمجتمعات بشرية قائمة على العضوية القبلية أو العشائرية، التي لا تزال باقية في أماكن مثل أفريقيا الوسطى وحوض الأمازون الأوسط، وفي كثير من الحالات — لأن تلك القبائل يمكن أن تكون كثيرة الترحال — لا توجد أراضٍ ثابتة ذات حدود معترَف بها ولا ولاية قبلية. وكثيرًا ما كانت توضَع قوانين وإجراءات معقَّدة إلى حد بعيد للعدالة الجنائية وتطبق (بدرجات متفاوتة من الكفاءة والاتساق) في جميع أنحاء الإمبراطورية. وليس على المرء سوى النظر في الأثر الهائل الذي خلَّفه القانون الروماني على الأنظمة القانونية في أوروبا المعاصرة ليرى أهمية تلك التطورات على نشأة الدولة الحديثة. من حيث الحجم، المقدَّمَة بصورة شديدة الجاذبية في مؤلَّف أرسطو «السياسة»، بغية الاستيلاء على السلطة والحفاظ عليها، وأساليب إدارة الدولة اللازمة لممارسة سياسة خارجية ناجحة في إطار معارك القوى المتواصلة، والخصومات القائمة بين الدول المدن والإمارات والجمهوريات المختلفة لإيطاليا في عصر النهضة. وفي الدول المدن الإيطالية المنتمية إلى تلك الفترة لا بد أن نلحظ أحد أهم علامات الدولة الحديثة، والحقيقة أن الإصلاح الذي تم في أوروبا، والفصل الواضح والقاطع بين الكنيسة والدولة؛ لا يُعترَف فيها بدولة واحدة بصفتها القوة المهيمنة المشروعة أو السلطة المسيطرة، وفيه تتفق جميع الدول الأعضاء «من حيث المبدأ» على الاعتراف المتبادل بحق كل منها في التمتع بحقوقها السيادية وولايتها على أراضيها. ولم تكن تلك الحرب مجرد معركة بين المذهب الكاثوليكي والكالفينية، وإنما صراع دولي بين الإمبراطورية الرومانية المقدسة والدول القوية ذات السيادة مثل فرنسا، أو تعلن الحرب أو تقيم الصلح، وأصبحت الولايات الثلاثمائة أو نحو ذلك، التي كانت ألمانيا مُقَسَّمة إليها دولًا حقيقية بالمعنى الحديث؛ أي إنها اعْتُرِف بها كدول مستقلة ذات سيادة، وإضافةً إلى ذلك، تأكَّد الأساس العلماني الجوهري لمنظومة الدول الجديدة تأكيدًا قويًّا، وأكده صلح وستفاليا، ومنذ ذلك الحين أصبحت الصراعات الكبرى بين الدول في أوروبا تدور حول السلطة والأرض، وليس السعي إلى فرض السيطرة الدينية. ووفقًا للقانون الدولي، تتمتع جميع الدول بشخصية قانونية، لا بد لها من استيفاء بعض المعايير الأساسية المحددة؛ وسكان دائمون، وحكومة قادرة على الاحتفاظ بسيطرة فعالة على أراضيها وإقامة علاقات دولية مع الدول الأخرى. في العالم الحقيقي للعلاقات الدولية ثمة تفاوت هائل في درجة استيفاء الدول لتلك المعايير؛ حتى ولو على جزء من أرضها المحددة، وتجد نفسها في مواجهة حروب أهلية وتمردات، تضع مناطق بأكملها من بلادها تحت سيطرة زعماء المتمردين وأمراء الحرب (مثل: أفغانستان وأنجولا وبورما وكولومبيا والصومال والسودان). إلا أنه على الرغم من تعرُّض مثل تلك الدول لتحديات جوهرية لسيادتها، وتوقع الاتفاقيات مع غيرها من الدول، وتوفد مبعوثيها إلى الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية، وتتمتع بمظهر خارجي (حتى وإن كان رمزيًّا) من العضوية الكاملة في مجتمع الدول العالمي، التي قارب عددها ٢٠٠ دولة الآن. فلعقود من الزمان حجبت حكومات الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف الدبلوماسي عن الصين الشيوعية، ورفضت العديد من البلدان الاعتراف بدولة إسرائيل. لذا فمن الواضح أنَّه ليس من الضروري أن يُمنَح الاعتراف الخارجي من العالم أجمع قبل أن تتحقق صفة الدولة.