ولقد رُكِّز في نقد هذه الرواية على الأجيال الفلسطينية الثلاثة التي تعطي قيادها لقيادة مخصية، وترمي جثثها في المزبلة. ولكن لم يعمد الراوي إلى التشنيع برمز هذه القيادة “أبو الخيزران”، ولم يبدو متحاملًا عليه بشكل مسبق. وترك له المساحة ليحاول أن يكون ما يريده؛ شخص متواضع القدرات يؤدي ضعف إمكاناته إلى أن يعجز عن القيام بما طمح به وما حمّله الآخرون مسؤوليته. وضحية أخرى للمجموعات المسلحة الصهيونية التي قامت بافتعال حرب للوصول إلى غاياتها الاستعمارية. وضحية بعدها للاستغلال في بلاد صحراوية شوهت العلاقات والمثل البدوية، ووسعت دائرة العبيد لتطال كثيرًا من العمال الزاحفين إليها من بلادهم الفقيرة، الباحثين عن بعض الثراء بمقاييس بلادهم، ما يحولهم إلى أشياء ترمى في “المقلاة” حسب وصف زكريا في رسالته إلى مروان. لقد كان أبو الخيزران ضحية ساهمت محدوديتها (مثل: إنها تقود السيارة المصفحة ولكن لا تعرف إصلاحها) في وقوع الهزيمة الوطنية، ضحية أدى حصول الهزيمة إلى شروعها في رحلة انحطاطها التي لا تكتمل إلا حينما يرمي جثث الرجال الثلاثة في المزبلة. هكذا يظهر أنها لم تكن رواية لإطلاق أحكام مسبقة، وتبقى الشخصية المركزية هي شخصية “أبو الخيزران” كممثل عمّا تبقى من قيادة فلسطينية مهزومة في النكبة الفلسطينية عام 1948، وهي شخصية هزمت في معركتها الوطنية لمحدودية قدراتها، بما فيها هذه القيادة التي باتت مخصية كممثلة لطبقة الإقطاع والبرجوازية الناشئة دون أرض ومجتمع، ولتصبح أجيرة عند طبقة مستحدثة في بلاد غربتها تعمل في السلب والنهب على هامش طفرة نفطية. وأبو الخيزران شخصية مركبة، يحاكي ببعض أفكاره وسلوكياته شعورًا بالمسؤولية كان لديه قبل خصيه (الدخول بسرعة متهورة إلى مباني الجمارك إن كانت العراقية أو الكويتية، الركض وصولًا إلى الموظفين وفي طريق العودة إلى السيارة، وبعد إعطاء الراوي هذه الشخصية حريتها لتختار مسارها، تصل إلى نهاية عملية المساومة المستمرة مع ضميرها منذ خصيها، ما بين سيطرة “شهوة المال” عليها بعد انطفاء “شهوة الجنس” وبين ما تبقى من ضمير، بحوارها مع ضميرها حول دفن كل ضحية في قبر، أو رميهم في المزبلة بدعوى أن عمال النظافة سيجدونهم بهذه الطريقة بسرعة، إلى مصيرها المحتوم حيث لا تكتفي بالتسبب بمقتل ثلاثة أجيال ممن قادتهم إلى التهلكة بل ترميهم في المزبلة. وهذا السؤال يفتح عاصفة من الأسئلة أهملها النقاد الكثر الذين تصدوا لتحليل هذه الرواية: ترى هل كان بإمكان هؤلاء الأشخاص قرع جدار الخزان وهم منهكون؟ فعلى ضوء مشهد نزولهم الأول إلى الخزان وخروجهم منه والذي أظهر مدى تعبهم وإنهاكهم، فكيف سيكون حالهم بعد هذه التجربة وامتداد تجربتهم الثانية لفترة أطول لم نستطع تحديدها لعدم علمنا متى كانت لحظة وفاتهم، ولنا أن نتساءل عمن سيسمع قرعهم على جدار الخزان وهم غير قادرين على حمل أنفسهم؟ ثم كيف نستطيع أن نجزم بأنهم لم يقرعوا جدار الخزان؟ فربما قد قد فعلوا متهالكين في أثناء تركه إياهم قرب مباني الجمارك المغلقة بإحكام للحفاظ على التكييف داخلها. وربما فعلوا متهالكين ما بين تحرك السيارة إلى تواريها خلف التلة،