لعل من أسوأ انحرافات السياسة في عصرنا هذا إنها أصبحت واحدة من العوامل المعيقة لعملية التواصل والتلاقح الحضاري بين شعوب منطقتنا، على اختلاف قومياتها ودياناتها ومذاهبها، إلى الحد الذي انسحبت فيه ترسيمات الحدود السياسيّة على الثقافة والحضارة والعلوم والآداب، وتم حصر تلك الشعوب ضمن جزر منعزلة بدواعي الأصالة والأمن القوميومكافحة العولمة.الشعبان العربي والكردي محكومان بجوار تاريخي، وبينهما قرون ممتدة من التاريخ المشترك؛ بدأ بعد البعثة بقليل واستمر حتى يومنا هذا. وكان الكرد من صنّاع التاريخ الإسلامي في كثير من مراحله الدقيقة،والأدب، وأخص منه الرواية، مرآة تعكس أحوال المجتمع الذي تصوّره، وأحوال المجتمعات المجاورة بشكل يمكن الجميع من رؤية أنفسهم والتعرف إلى الطريقة التي يراهم بها الآخرون.بإمكانها أن تلعب هذا الدور. وكخطوة في هذا السياق، الصادرة عام 2002، بعد أن لقيت ترحيباً واسعاً في الأوساط الأدبية عقب ترجمتهاإلى الفارسية والألمانية، والإيطالية مؤخراً. بختيار علي من الروائيين الكرد القلائل الذين يتقنون لغات عديدة، غير أنهم لا يستخدمون في التفكير والكتابة سوى لغتهم الأم، ولذلكيمكن اعتباره - وهو المقيم منذ سنوات خارج الوطن - ممثلاً حقيقياً للرواية الكردية الحديثة وسفيرها إلى العالم.يكتب بختيار – الذي يتمتع بخيال خصب - بكرديّة نقية تجعل القارئ يشعر إنه جالس مع صديق حميم يروي له تفاصيل حكايات شائقة وقعت في غيابه، وبطريقة فريدة في السرد تشتمل إلى جانب موسيقية الكلمات الجمل والتراكيب على إيقاع صارم، ويحكم من بعيد النموّ الطبيعي العفوي للشخصيات، ولعل أفضل ما قيل فيه هو ما جاء على لسان الشاعر الكردي المعروف، شيركو بيكس: «منذ مائة عام لميحظ الأدب الكردي بشخصية مثل بختيار علي».يفتش عن ثلاثة أبناء مفقودين يحملون الاسم نفسه، تائهين في عوالم مختلفة، ولكل منهم حكاية مختلفة تصلح أن تكون رواية بحدّ ذاتها،الكردستاني.إنها رواية الثورات والسجون والبيشمركه ومشوهي الحروب ومتسلقيالثورات والباعة الجوالين وباعة الشرف، حكاية قصص حب ضائع وعشاقرومانسيين بقلوب زجاجية وحوريات بحر من لحم ودم.عشرات الشخصيات التي لا تشبه واحدة منها الأخرى، تتحرك في أماكن وأزمنة مختلفة،