العصر الجاهلي مر الأدب العربي منذ نشأته بمراحل عديدة سنحاول الإلمام بها وإبراز أهم تحولاتها وظواهرها، غير أن من الضروري أولا تحديد بعض المفاهيم المرتبطة بالعصر الجاهلي قبل الشروع في تناول الأدب بشعره ونثره. ولعل من الضرورة بمكان الإشارة أولا إلى أن الأدب الذي سنقف عنده في هذه المرحلة هو أدب اللغة العربية، إذ لم تكن العربية الفصيحة شائعة في كل البلدان العربية التي نعرفها في هذا العصر . كالآرامية والسريانية، إذ كانت مكة مركزا تجاريا مهما في الجزيرة العربية وما جاورها، وكانت الأسواق التجارية تنطوي على مجالس أدبية يقصدها الأدباء، وهذا ما أسهم في سيادة لهجة قريش التي عرفت فيما بعد باللغة العربية الفصيحة، فقد كانت هذه اللهجة أقرب إلى اللغة المشتركة التي يتحدث بها أبناء اللهجات الأخرى إذا ما حلوا في مكة أو قالوا الشعر . وقد عرف الجاهليون فنون النثر؛ كما عرفوا سجع الكها ن الذي ارتب ط بطائفة "ت دعي التنبؤ ومعرفة المغيبات، وأنها تنطق عن آلهتهم بما سخر لها من الجن التي تسترق لها السمع " ، ومن الطبيعي أن يتداول العرب في الجاهلية الأمثال التي ربما تكون الأكثرموثوقية فيما وصلنا من نثر العصر الجاهلي بحكم سهولة تداولها واتساع انتشارها الناجم عن اعتمادها على جمل قصيرة تقال في مواقف مماثلة لتلك المواقف التي نشأت فيها، ويسهل تداولها" . وقولهم: "أعط القوس باريها" . ولا يبتعد الشعر كثيرا عن الأمثال من هذه الناحية، فبحكم محدودي ة انتشار الكتابة في العصر الجاهلي مثلت الرواية الوسيلة الأساسية للحفاظ على الشعر حتى مراحل تدوينه في نهاية القرن الثاني الهجري وبداية القرن الثالث الهجر ، مثل الأصمع ي صاحب "الأصمعيات"، والمفضل الضب صاحب "المفضليات" التي جمعت قصائد عديدة من العصر الجاهلي . صغير السن، وسهل الطريق إليه: امرؤ القيس بن حُجْر، ومهلهل بن ربيعة. فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له إلى أن جاء الله بالإسلام خمسين ومائة عام، وإذا استظهرنا بغاية الاستظها ر فمائتي عام" غير أن عددا من الباحثين شككوا في قول الجاحظ هذا مستندين إلى العديد من الأدلة، كقول عنترة: هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم فالشاعر في الشطر الأول من البيت يتساءل ع ما تركه له الشعراء السابقون من معان يمكن تناولها، والحقيقة أن النماذج الشعرية التي وصلت إلينا لا يمكن أن تكون قد تطورت على يد امرئ القيس والمهلهل مرة واحدة كما يمكن أن نستش ف من قول الجاحظ، فبكى وشكا، وخاطب ال ربع، ليجعل ذلكسببا لذكر أهلها الظاعنين عنها ، إذ كان نازلة العم د في الحلول والظ عن على خلاف ما عليه نازلةالمدر، فشكا ش دة الوجد وألم الفراق، و ذ مامة الـتأميل، غير أن الكثير من القصائد استهلت بمقدمات أخرى، كالمقدمة الغزلية ومقدمة وصف الظعن وم قدمة الفروسية2، فقصائدهم تتسم بالوحدة الموضوعية في الأغلب 3، حيث أقد م الشعراء به على "السادة المبرزين وملوك المناذرة والغساسن ة يمدحونهم وينالون جوائزهم وعطاياهم الجزيلة. واشتهر بذل ك زهير والنابغة وحسان بن ثابت" 4. ولعل المدح نمى أكثر مع نمو مفهوم الدولة في العصور الإسلامية اللاحقة، إذ كان الشعر يقومبدور إعلامي هام لصالح السلطة. أما في العصر الجاهلي فقد برز مدح القبيلة بالإضافة إلى مدحالملوك1، ولعل من المناسب في هذا السياق أن نلم بنموذج يدل على طبيعة الشعر في العصر الجاهلي، ومن أنسب القصائد التي يمكن أن نلم بها في عجالة معلقة زهير بن أبي سلمى التي تعد واحدة من المعلقات السبع. وقد قالها ابن أبي سلمى بمناسبة الصلح الذي عقد بين عبس وذبيان بعد حرب دامت أربعين عاما، إذ توجه زهير لمدح الحارث بن عوف وهرم بن سنان اللذين دفعا دية قتلى الحرب، مما أدى إلى إيقافها.