ليس تصميم السرد حول التعابير و المقاصد المعبرة للمثلين الدراميين هو بطبيعة الحال الخيار الوحيد المتاح لعلماء الانتربولوجيا حيث يمكن ان تكتب الحياة الاجتماعية أو يتم الحديث عنها باستخدام مفاهيم تحليلية. ويقيني ببساطة ان عدم استخدام مثل هذه المفاهيم هو الذي أدى… إلى إثارة أسئلة معينة و إساءة تشكيل بناءات تاريخية ما. إن فكرة القبيلة هي فكرة محورية في انتربولوجيا الإسلام التي يعتبر نص جيلنر مثلاً من أهم أمثلتها وكثيراً ما استخدمت هذه الفكرة من قبل العديد من الكتاب عن الشرق الأوسط حيث تشير إلى وحدات اجتماعية ذات بناءات و أساليب حياة مختلفة جداً. إن ما يهم في الوقت الحاضر بالإضافة إلى المشكلات ذات الصلة بالمفاهيم أن نأخذ في الاعتبار تلك التبعات لمترتبة على التخليل من جراء الاستخدام غير الممحص لمفهوم قبيلة. و الحالة ليست فقط هي ان ما يسمى ” قبائل ” تختلف بصورة كبيرة في دستورها الصوري لكنه أيضاً وعلى وجه الخصوص لا يوجد عند البدو الرعاة الرحل نوع اقتصادي مثالي. ولترتيباتهم الاجتماعية الاقتصادية المتغيرة تبعات مختلفة نتيجة انخراطهم المحتمل في السياسة و التجارة و الحرب. ولقد قدم العديد من الماركسيين من أمثال بيري اندرسون مفهوم نمط الإنتاج الرعوي –ولقد أقترح براين تيرتر على غرار أندرسون أن يشكل هذا المفهوم جزءاً من وصف نظري عميق للبناءات الاجتماعية عند المسلمين وذلك لأن بلدان الشرق الأوسط يقطن بها رعاة رحل (15). أن الحيوانات التي يتم رعيها و أنماط الهجرة الموسمية و أشكال الرعي وحقوق الرعي في المراعي و استخدام نقاط الماء وتوزيع الثروة الحيوانية ودرجة الاعتماد على عوائد المبيعات و الاعتماد على الزراعة الكفافية إضافة إلى العطايا و الأتاوات المدفوعة من / أو/ إلى الزعماء السياسيين الكبار أو الصغار – كل هذه و اعتبارات أخرى ذات صلة مهمة في فهم الأمر الأساسي في إعداد الناس الذين يمكن ان يستغنى عنهم استعداداً للحرب، إن رأيي هو ان ما يمكن للبدو ان يفعلوه أو ما يميلون إلى فعله إزاء السكان المستقرين إنما هو نتاج ظروف تاريخية مختلفة لها مدة باقتصادهم السياسي، بمعنى آخر فإنه لا يمكن اعتبار القبائل مجرد وكلاء مثلما لا يمكن اعتبارهم “بناءات سردية” أو “مجتمعات” فهم بناءات تاريخية في ضوء حدود و إمكانيات تحقيق حياة الناس ولا اقصد ان أقول من وراء هذا انني أرى ان ” القبائل ” أقل حقيقة من الأفراد المشكلين لها. أقول به هو ان مفردات الدوافع و السلوك و الكلام لا تنتمي بصورة دقيقة إلى الوصف التحليلي الذي يهدف بشكل رئيسي إلى إبراز ” القبيلة ” على الرغم من ان مثل هذا الوصف يمكن ان يدمج فيما نسرده عن الوكالة، إن تمثلات المجتمع المسلم القائمة على أساس فعل تمثيلي ليس بها موضع للفلاحين بصورة غريبة فالفلاحون كالنساء لا يفعلون شيئاً البتة. لكننا بطبيعة الحال نقود لمفاهيم الإنتاج و التبادل. ويقوم الفلاحون فعلاً في تاريخ الشرق الأوسط بأداء نشاط هام فيما يتعلق بالتكوينات الاجتماعية لتلك المنطقة لكن ذلك النشاط يحب أن يتم التفكير حياله على ضوء اقتصادية وسياسية وليست دراماتيكية، إن مثل هذه الطريقة في الكتابة عن مجتمع الشرق الأوسط تعطى اهتماماً خاصاً للعوائق غير الشخصية على المدى البعيد ومن ثم فهي اكثر حساسية للارتباطات التي لا يمكن فهمها و ان كانت متغيرة بين الاقتصاد الاجتماعي و القوة الاجتماعية وستذكرنا هذه الطريق أيضاً بصورة مستمرة بان المجتمعات التاريخية الشرق أوسطية لم تكن قط منكفئة على ذاتها أو حتى معزولة عن العلاقات الخارجية ومن ثم فإنها لم تكن قط بعيدة عن عمليات التغير، لذا فإننا سوف لن نكتب عندئذ عن بناء اجتماعي إسلامي أساساً، ولم تكن قط محدودة بنهايات الشرق الأوسط الجغرافية (1 وغالباً ما ننسى ان ” عالم الإسلام ” هو مجرد مصطلح لتنظيم السرد التاريخي وليس اسم وحدة جماعية منكفئة على ذاتها. إن السرود التاريخية ليس لها تأثير اجتماعي – بل على العكس من ذلك لكن وحدة العالم الاسلامي هي وحدة ايديولوجية أساساً أي أنها تمثل سردي – لذلك كتب جيرتس انه ” ربما كان صحيحاً بالنسبة للحضارات كما هو صحيح بالنسبة للإفراد – تغض النظر عن مقدار تغيرهم بعد ذلك – ان الأبعاد الأساسية لشخصياتهم هي بناء الاحتمالات التي ضمها بمعنى ما سيحركهم دائماً، 6. لقد هاجمت نوعاً من انثربولوجيا إسلام يقدم بناء اجتماعياً كلاسيكياً يدرس أساساً أبناء قبائل وحضر وكلاً منهما حاصل طبيعي لصنفين من الدين – الدين القبلي المعياري الذي يرتكز على الأولياء و الأضرحة، و الدين الحضري المسيطر الذي يقوم على القرآن. ورأيي هو انه إذا ما حاول الانثربولوجيون ان يفهموا الدين بوصفه مفهوماً فكرياً في سياقه الاجتماعي فان الطريق التي يكتب بها عن ذلك السياط الاجتماعي يحب ان تؤثر في فهم الدين. و إذا ما رفضنا الإطار العام لبناء ذي طبيعة ازدواجية لا تتغير للإسلام فرضة علينا علماء الانثربولوجيا و إذا ما قررنا الكتابة عن البناء الاجتماعي للمجتمعات المسلمة في ضوء تدخلات الأمكنة و الأزمنة، صحيح انه بالإضافة للنوعين الرئيسيين للدين من الوجهة الانثربولوجية للإسلام وعلى الوجه الذي تحدثنا عنه، فإننا أحيانا نحدد صيغاً أدنى وهذا ما نلقاه في سرد جيلنر وكما هو الحال في كتابات العديد من الكتاب أيضا، أن هذا التراجع الظاهري للفكرة القائلة بأنه يحتمل وجود اكثر من نوعين للإسلام هو في نفس الوقت أداة أو بنية للتعريف بفكرة المجتمعات الاسلامية التقليدية و الحديثة و الآن لن يعتمد تقديم الانثربولوجي للإسلام على الطريقة التي أقامت عليها البناءات الاجتماعية مفاهيمها ولكن على الطريق التي يعرف بها الدين نفسه. وكل ما يعرف بما يسمى بعلم الاجتماع الديني سيجد الصعوبات القائمة في صياغة مفهوم صحيح للدين (ومقبول) وذلك من أجل دراسات ثقافية مقارنة، وتلك نقطة هامة لأن مفهومنا عن الدين يحدد لنا أنواع الأسئلة التي نظن إننا سنتوسل بها وتستحق الاجابة عليها. لكن قلة جداً ممن يمكن لنا ان نعدهم من علماء انثربولوجيا الإسلام لا يعطون هذا الموضوع اهتماماً جاداً وبدلاً من ذلك غالباً ما يعتمدون على أفكار من كتابات تعض علماء الاجتماع الكبار من أمثال ماركس وفيبر ودوركايم – ودون تمييز كي يصيغوا لنا صيغاً أو أنواعاً من الإسلام و النتيجة ليست دائماً متجانسة. ودعوني أصرح بما أرمي إلية باستخدام أمثلة من نص جيلنر. إن أنواع الإسلام التي عدمت كسمات للمجتمع المسلم التقليدي فيما صورة جيلنر مبنية على أساس ثلاثة مفاهيم مختلفة جداً للدين. فدين القبيلة المعياري هو ” دين الدراويش و المرابطين ” وفي كلمات جيلنر يتجسد لنا مفهوما ً دوركايمياً جلياً. أنه دين يهتم بالتوقيت الاجتماعي للزمان و المكان، ويجعلها مبهجة كشيء مقدس ومرئية رائعة وأصيلة لذا فان مفهوم الدين هنا يشمل الاشارة إلى قراءة الطقوس الجماعية على اعتبار انها عمل مقدس – و الأمر نجده كذلك عند دوركايم باعتبار الدين تمثيلاً رمزياً للبنيات الاجتماعية و الكونية (20). أما عند المفهوم المستخدم لوصف دين فقراء الحضر فهو مختلف كلياً وهو مشتق بوضوح من الكتابات المبكرة لماركس عن الدين وذلك على أساس ان الدين ” وعي زائف ” فيكتب جيلنر: ” للمدينة فقراؤها وهم بدون جذور وغير مستقرين ومغتربين وما يحتاجونه من الدين هو الاندماج. و إذا ما نظرنا إلى هذا النوع من البناء بدقة سنجد أن ما يسمى بالدين هنا إنما هو الاجابة النفسية لتجربة عاطفية وحينما نذكر الإسلام القبلي فإن ما نشير إليه هو التأثير العاطفي، وهو هنا سبب عاطفي حينما نكون بإزاء مفهوم الطقوسية الجماعية و استشفاف معناها مما يعول عليه المختصون في وصفهم للطقوس و أدوارها. أما حينما نلتفت إلى دين البرجوازية فإننا نواجه أفكاراً تنظيمية نجدها جديدة أيضاً، حيث يعلق جيلنر فيقول: ” ان البرجوازي الحضري الذي هو أبعد ما يكون عن تذوق الاحتفالات العامة، ففي سردها أعطى ” البرجوازي المسلم ” أسلوباً أخلاقياً بل ربما أفضل أسلوب جمالي. وفيما يتعلق بالمسألة الأخيرة فإننا مدفوعون لأن نراه منغمساً في إطار أخلاقي وعلمي، وليست الطقوس الجماعية و الرغبات الجامحة، لكن اهتمامي بمثل هذه البناءات ليس على أساس إنها غير متجانسة، و إنما لأنها تمثل نوعاً من انثربولوجيا الإسلام (وأود أن أؤكد هنا ان انتقائية أو (ترقيعية) جيلنر متشابهة (أو صورة مألوفة) في العديد من كتابات علماء اجتماع الإسلام وتقوم على تعارضات وموافقات(Equivalence) خاطئة نظرياً، وهي غالباً ما تقوم الكتاب إلى الإتيان بتأكيدات خاطئة حول الدوافع، فان جيلنر يفترض، على نحو ما فعل برنارد لويس ومن على شاكلتهم، وبعيداً عن السؤال الامبريقي حول مدى انتشار الحركات الماركسية بين مسلمي القرن العشرين (24) يجب ان يقال بأن فكرة توتاليتارية الإسلام تقوم على وجهة نظر خاطئة حول مدى الفعالية الاجتماعية للإيديولوجيات ذلك إن التفكير للحظة واحدة سيكشف لنا أنه ليس المدى الحرفي للشريعة كنص هو ما يهم هنا و إنما الدرجة التي تشكل وتنظم بها الممارسات الاجتماعية. ومن الواضح انه لم يكن هناك قط أي مجتمع مسلم حكمت فيه الشريعة أكثر من جزء من الحياة الاجتماعية. و إذا ما قابلنا هذه الحقيقة بالشخصية المنظمة بصورة عالية للحياة الاجتماعية في الدول الحديثة، ولا تقع بطبيعة الحال الفروع في التجديدات النصفية ضمن ما يسمى بصورة غامضة المسودة الاجتماعية و إنما في الوصول إلى القوة المؤسسة التي تشكل وتقسم وتحكم جزءاً كبيراً من الحياة الاجتماعية وفق قواعد منظمة في المجتمعات الصناعية الحديثة سواء كانت مجتمعات رأسمالية أو شيوعية (25). بحيث أن كلا منهما يقود الآخر في العديد من الطرق (26). إذن فان ما يجب ان نركز حوله هو القول بأننا في حاجة إلى ان نفحص بدقة الممارسات الاجتماعية المتعارف عليها سواء كانت دينية أو غير دينية وذلك إذا ما أردنا أن نفهم الظروف التي تشكل النشاط السياسي ” المحافظ ” أو الراديكالي في العالم الاسلامي المعاصر وتلك هو الفكرة التي سأهتم بها في ملاحظتي الختامية. 7. تقديري بصفة عامة حتى الآن هو أنه لا يمكن ان توجد انثربولوجيا إسلام متجانسة على أساس مفهوم مسودة اجتماعية حتمية أو على أساس فكرة كلية (شمولية) اجتماعية انثربولوجيه للإسلام تكون متجانسة، أو إنني أرى انه من المناسب قول أي شيء عما يعتقده أو يمارسه المسلمون على اعتباره مفهوماً لدى الانثربولوجي كجزء من الإسلام، ذلك أنني اعتقد أن معظم انثربولوجيات الإسلام قد عالجت مداه بصورة واسعة جداً سواء ما كان فيها قابلاً بوجهة نظر الأساسيين أو أولئك الذي يستعينون بمبدأ ناموسي و أود أن أقول أنه إذا ما أردنا ان نكتب انثربولوجيا الإسلام فإنه يجب ان نبدأ كما يبدأ المسلمون من مفهوم تراث استطرادي شامل يرتبط بالقرآن و السنة، فالإسلام ليس بناء اجتماعياً مميزاً وليس مجموعة غير متجانسة من المعتقدات و الفنون و العادات و الأخلاق وإنما هو تقليد. لقد حث ايكلمان في مقالته الحديثة المفيدة ” دراسة الإسلام في سياقات محلية ” بأن نص الحاجة لنظرية أساسية تستند إلى التوسط في دراسة إسلام القرية أو القبيلة و دراسة الإسلام العالمي (27). لكننا بحاجة أكثر حيال انثربولوجيا للإسلام إلى أن نوجد المقياس الصحيح، إن التقليد الإسلامي الاستطرادي هو ببساطة تقليد للخطاب الاسلامي الذي يكرس نفسه لمخاطبة الماضي مع المستقبل مشيراً إلى ممارسة اسلامية محددة في الحاضر، وواضح أنه ليس كل ما يقوله المسلمون أو يمارسونه هو تقليد إسلامي استطرادي أو أي تقليد إسلامي بهذا المعنى يكون بالضرورة مقلداً لما كان يفعل في الماضي، ذلك انه حتى في حالة ظهور الممارسات التقليدية للانثربولوجي على انها تقليد لما كان من قبل فان مفهوم الممارس لما يمارسه في ارتباط الماضي بالممارسات القائمة يظهر جلياً وبشكل حاسم مفهوم التقليد وليس مجرد التكرار الظاهري لصيغة قديمة (29). إن وجهة نظري هي ليست كما يدعي بعض الانثربولوجيين الغربيين أو المفكرين المسلمين، فأنا أرى ان ” التقليد ” اليوم هو في الغالب حيال الحاضر وردة فعل لقوى الحداثة و إنه في أزمة الظروف المعاصرة أصبح يشكل سلاحاً يدافع به لمواجهة عالم يتوعد أي شكل قديم لتطلعات جديدة و أساليب علوم مستجدة (30). فالكذب على الذات وكذلك على الآخرين حول العلاقة بين الحاضر و الماضي ممنوعة في المجتمعات الحديثة كما هي ممنوعة في المجتمعات التي عادة ما يدرسها علماء الانثربولوجيا. وما أريد ان اؤكد عليه ببساطة هو ان كافة الممارسات المؤسسية موجهة لمفهوم ما حول الماضي. لذلك فان البداية الصحيحة لعلماء انثربولوجيا الإسلام، هي ممارسة تبدأ في سياق خاص وتاريخ خاص بما يجعل المسلمين مسلمين ولا يوجد لأسباب تحليلية أي فروق أساسية حول هذه النقطة بين الإسلام ” الكلاسيكي ” و الإسلام ” الحديث “. لذا فإنه من المضلل ان يقال كما يفعل بعض علماء الاجتماع (29)، أي قول ما هو مطلوب وليس الأرثوذكسية، لكن بالمعنى الذي يجب أن نفرق بينه وبين المعنى الذي يصبغه عليه غالبية المستشرقين و الانثربولوجيين. فالانثربولوجيون من أمثال الذين يرغبون في أن ينفوا أي أهمية خاصة للأرثوذوكسية. ولكنها علاقة متميزة – علاقة بالقوة. فحينما كانت للمسلمين المقدرة على ان ينظموا أو يقيموا أو يطلبوا أو يضغطوا باتجاه الممارسات الصحيحة وحينما كان لهم ان يرتبوا ويمنعوا ويقللوا أو يستعضوا عن الممارسات الخاطئة بأخرى صحيحة فان ذلك كله هو مجال الأرثوذكسية. أو الذي يجعل ممارستها ممكنة (سواء أكانت قوى اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية. وبالمقابل نجد ان ما يواجهه المسلمون من مقاومة تحل محل اهتمام انثربولوجي الإسلام، ولقد جعل المستشرقون و الانثربولوجيون في تقديمهم ” التقليد الاسلامي ” وبما يشبه الاجماع ” صيغة بدت معها الأسباب المؤدية للممارسة كشيء هامشي، وقد رفض ان يوصف التفكير بأنه إجمالي دونما تدبر سابق. وعموماً فنحن حين نفكر في هذه المقولة على أساس جدل صوري ومواجهة ونقد لا نرى لها وجوداً في ظل الممارسة التقليدية (35)، و إذا ما كانت الدوافع و الحقائق جزء من الممارسة التقليدية وليست مجرد ” تقليد في أزمة ” فانه يجب ان تكون مهمة الانثربولوجي الأولى هي ان يصف ويحلل أنواع الدوافع وراء قبول مقولة ما على اعتبار انها ممارسات لتقليد إسلامي. عندها يمكن للمحلل ان يكتشف شكلية تركز القوة باستخدام قوى الفعل وعليه ان يقلب الأمر على وجوهه وصولاً إلى أصل المقاومة، ومن ثم فلا يعتبر اللاتجانس في الممارسات التقليدية على وجه الضرورة مؤشراً لغياب تقليد إسلامي في ظل اختلاف الممارسات الاسلامية التقليدية تبعاً لاختلاف الأوقات و الأمكنة وبين شعوب مختلفة ايضاً وظروف تاريخية يمكن أو لا يمكن المحافظة عليها. صحيح أن الفكرة القائلة بأن التقاليد هي أساساً شيء متجانس نجدها ذات إغراء معنوي قوي (36)، أننا نجد أنه على الرغم من التقاليد الإسلامية ليست متجانسة لكننا نجدها تطمح للتجانس بنفس الطريقة التي تطمح بها كافة التقاليد الشاملة، وهكذا رأينا في وقتنا الراهن كيف تجري محاولات تنظيم الذاكرة رغبة في تحقيق شكل متجانس وبشكل متزايد على يد القوى الاجتماعية للرأسمالية الصناعية التي في مقدورها ان تخلق الظروف المناسبة لنماذج مختلفة من الرغبة و الغفران (3. وهكذا فإن أنثربولولجيا الإسلام ستبحث عن فهم للظروف التاريخية التي من شأنها ان تنتج انواعاً معينة من التقاليد الشاملة وتحافظ عليها أو تتيح إمكانية تحويلها، وعن جهود الممارسين في الوصول إلى التجانس (39). 8-لقد حاولت أن أبين الفكرة القائلة بأن الأنثربولوجيين المهتمين بالاسلام بحاجة إلى إعادة التفكير في موضوع دراستهم وان مفهوم ” التقليد ” من شأنه أن يساعد في تحقيق هذا الهدف. وهي أنك حين تكتب عن تقليد ما فلا بد أن تكون في علاقة سردية على نحو ما، وهي علاقة ستختلف حسب ما إذا كنا نعارض أو نساند التقليد، إضافة إلى ما يمكن لنا ان نجده من تجانس أو لا نجده، فكل هذا هو الذي سوف يحدد موقفنا التاريخي المعين. بمعنى آخر فإنه لا يوجد ولا يمكن ان يوجد شيء اسمه وصف عالمي مقبول لتقليد حي، وكل محاولة لتقديم تقليد ما تصبح محل خلاف،