تشير جميع الحقائق الأولية والأدلة البحثية والموضوعية الى عدم رغبة معظم طالبات جامعة بغداد في المشاركة في الألعاب الرياضية التي تنظمها كليات ومعاهد الجامعة وتهربهن عن دروس التربية الرياضية وفعالياتها التطبيقية(1) ومشاركة العدد الضئيل من الطالبات في النشاطات والالعاب الرياضية تتميز، كما تبدو النتائج المسحية للدراسة، بعدم الجدية وعدم الاستمرارية وضعف الدافع السيكواجتماعي الذي يعززها ويدعم كيانها وصيرورتها، وظاهرة تهرب وعدم مشاركة طالبات الجامعة في الفعاليات والنشاطات الرياضية هي امتداد لظاهرة عدم مشاركة طالبات المدارس المتوسطة والثانوية في هذه الفعاليات والنشاطات، فمعظم طالبات المدارس يقضين فترات الدروس الرياضية في قراءة الدورس المنهجية والتحضير للامتحانات الفصلية والسنوية وتأدية الواجبات البيتية. وتفسر مثل هذه الميول والاتجاهات السلبية إزاء التربية الرياضية ونشاطاتها الترويحية والابداعية لا يكمن في رغبة واهتمام الطالبات في طلب العلم والمعرفة ولا في كراهيتهن للرياضة ولا في عدم تيسر الوقت الكافي عندهن بل يكمن في طبيعة الآراء والمواقف السيكواجتماعية والحضارية التي يحملنها تجاه الرياضة وانشطتها، هذه الآراء والمواقف التي اكتسبنها من المجتمع الكبير الذي عشن فيه وتفاعلن معه منذ المراحل الاولى لعمليات التنشئة والتربية الاجتماعية. ان الطالبة هي مرآة لمجتمعها تعكس ما اكتسبته وتلقنته من آراء ومعتقدات (۲) وقيم ومقاييس ومثل اجتماعية وحضارية، فاذا كانت هذه الآراء والمعتقدات والقيم ايجابية ومشجعة للالعاب والنشاطات الرياضية فان الطالبة لابد ان تعتقد بها وتحملها وتكون مستعدة للدفاع عنها ثم ترجمتها الى واقع عمل يدفعها نحو المشاركة في الانشطة الرياضية بجدية وحماس واستمرارية. والعكس هو الصحيح اذا كانت هذه الآراء والمعتقدات والقيم سلبية وغير مشجعة للالعاب والفعاليات الرياضية(3). لكن القيم والمقاييس والمواقف الاجتماعية المتخلفة التي ورثها المجتمع من العهود الاقطاعية والرجعية والدكتاتورية لا تقوم الرياضة والرياضيين ولا تشجع الشباب على ممارسة هذه الفعاليات حيث تعتقد بأن ممارسة هذه الفعاليات هي قتل للوقت وهدر للجهود والطاقات والأموال التي تصرف عليها، وسبب من اسباب الفشل الدراسي الذي يتعرض اليه الطلبة في مراحل دراستهم المختلفة، وسبب من اسباب الجنوح والشذوذ الاجتماعي (4) وتعتقد هذه القيم المتخلفة والرجعية ايضا بأن الاخطار الاجتماعية والتربوية التي تتركها الأنشطة الرياضية على النساء تفوق الأخطار والتحديات التي تتركها على الرجال. لذا يتطلب من المجتمع منع النساء من المشاركة في الالعاب الرياضية، وانتهاج السبل التي تكفل ابتعادهن عنها نظرا لما تتركه هذه الفعاليات من خطورة جسيمة على اتزان وسمعة واخلاقية النساء في المجتمع (5). لكن مثل هذه الآراء والمواقف الخاطئة تبتعد كل البعد عن الروحية الجديدة للمجتمع العصري. لذا ينبغي تغييرها ووضع قيم ومواقف جديدة محلها تنسجم مع طبيعة المجتمع ودرجة تقدمه ونهوضه الحضاري، قيم ومواقف تسمح للمرأة والطالبة بالمشاركة في الالعاب الرياضية التي لا تقوي بدنها وعقلها بل ترفع من قيمتها في المجتمع وتزجها في عملية بنائه واعادة بنائه الاجتماعي والحضاري (6).