تُعدّ الرياضيات من أقدم العلوم وأكثرها مصداقية، إذ تُستخدم لإثبات الحقائق. يعرفها البعض كمجموعة معارف نظرية ومنطقية حول الأعداد والأشكال الهندسية، وهي عمليات فكرية بحتة. اختلف الفلاسفة حول مصدرها، فاعتبرها البعض علماً عقلياً، وآخرون رجعوها للتجربة. يتناول النص إشكالية مصدر المفاهيم الرياضية: هل هي من الواقع عبر التجربة الحسية أم إبداع عقلي؟ يُجادل التجريبيون بأن المفاهيم الرياضية مكتسبة عبر الحواس، مستشهدين بعدم وجودها فطرياً لدى الأطفال، وأن تعلّم الإنسان للعدّ بدأ بالاستعانة بالأصابع والأشكال، متطوراً لمعرفة الدائرة والخط المستقيم من المحيط. يرون أن التجربة هي الأساس، مستشهدين باستخدام الحضارات القديمة للرياضيات في مسح الأراضي والحساب قبل تحولها لعلم نظري، وأن اليونانيين تعلموها من المصريين الذين اعتمدوا على الممارسة. يؤكدون على أن الرياضيات، رغم مصداقيتها، تبقى بلا قيمة فعلية إن لم تُطبّق في الواقع. لكن يُنقد موقفهم بأن قوانين العلوم الطبيعية تخضع للتجربة، بينما نتائج الرياضيات لا تخضع لها، وبأن عدم التناقض بين نتائج الرياضيات ومقدماتها يُثبت أنها ليست علماً تجريبياً.