على أنا إذا نظرنا نظرة تفصيلية إلى الشعر من زاوية الصدق والكذب وجدنا الصدق يتعين في أحوال منها تحسين حسن ليس له نظير ، فهذا يجب أن تكون الأقوال فيه صادقة، وقد يبنى على الاختلاق الامتناعي والافراط الامتناعي والاستحالي وفي هذه جميعاً يكون القول كاذباً . أما الإفراط الإمكاني فلا يتحقق ما هو عليه من صدق أو كذب لا من ذات القول ولا من بديهة العقل ، وكلا القسمين يكون في ثلاث حالات اقتصار أو تقصير أو إفراط ، فالأقاويل الحاصلة صادقة في حالي الاقتصاد والتقصير ، وما كان إمكانياً فإنه يتحمل الصدق والكذب ، إلا أن حازماً بعد هذا كله يرجع من حيث بدأ فيرى أن الاعتبار في الشعر ليس بالنظر إلى الصدق والكذب بل بالنظر إلى التخييل ، حقاً إن الشعر لا يقصر على الكذب ، فجاء حازم ينصر قضية الصدق مترسماً ما قرأه لدى ابن سينا " حيث قال : ( وليس يجب في جميع المخيلات أن تكون كاذبة " وحيث قال : ( فإن كونه ( أي الكلام المخيل ) مصدقاً غير كونه مخيلاً أو غير مخيل » ٣ - وخلاصة القول هنا : إن الشعر إنما ينظر إليه من ناحية تأثيره وقدرته على إحداث الانفعال النفساني ، ويستشهد حازم بقول الفارابي و الغرض المقصود بالأقاويل المخيلة أن ينهض السامع نحو فعل الشيء الذي خيل له فيه أمر ما من طلب له أو هرب عنه ، وكأنه لم يطلع على قول الفارابي : ان الأقاويل الشعرية كلها كاذب ،