وأغاني الأعراس، وعدد الرجال الذين طرقوا بابها بعد أن تحررت من زوجها القديم، وكان فيهم مهندسون معماريون وضباط جيش ومحامون، أخاطبها باسمها الحقيقي، اسمها المسجل على شهادة ميلادها، وقسيمة زواجها وطلاقها، ولا تبتعد، أنا وليّة أمر نفسي حسب الشرع، ألست مطلقة؟ وأنهض معلنًا أن وقت زيارتها قد انتهى وعليها أن تخرج، وتنهض بعد تردد، تاركة علبة الحلوى في مكانها وترفض بشدة أخذها. وأفكر أن تلك الحلوى ستسعد عيال عز الدين بلا شك، وأراهم دائمًا يتصارعون من أجل حلوى (الكرميل) الرخيصة. مضت إلى الباب تمشي بتكسر مجنون، التاسعة والنصف مساء، لكنَّ العربة لم تكن موجودة. ولا نملك غيرها وأكاد أجن. شركًا يشغلني به مدة من الوقت وسرق العربة؟ لكنَّه - حسب علمي نشال محترف للجيوب، يصطادها في الحافلات وحافلات النقل العام، وفي طوابير السينما والاستاد الرياضي والسوق، ولا يعرف حتى كيف يقود عربة. كل يدلى بإفادة مختلفة، أو يسال أسئلة بلا معنى، وفي تلك اللحظة تقدم منّا شاب طويل، أو الجامعات، نعم. قلنا أنا وعز الدين في صوت واحد. هل أنت متأكد أنها هي؟ كلّ التأكيد. قال، ومضى من دون أن يدلي بمعلومات أخرى. وأصاب بالحيرة من تلك المعلومة الخطيرة، في حي النور قريبًا من العيادة، على بعد عدة شوارع، يوجد مركز صغير للشرطة، به عسكريان في كل وردية، وأيضًا لتلقي الشّكاوى في حالات السرقة والنهب المسلح المنتشرة في تلك الأحياء البعيدة. وصلنا إلى المركز أنا وعز الدين نتصبب عرقًا، وكان بداخله في تلك الساعة من الليل، شرطيان، يشبه في ملامحه قبائل (البجا) المستوطنة في الشرق والتي لا يفضل رجالها عمل الشرطة إلا نادرًا، وتدل ملامحه وتلك الخطوط الرأسية الموشومة على خديه- نوعًا من الزينة التقليدية- على أنه من أهل الشمال الذين كانوا أول من طرق العسكرية وتوظف بها، حكيت عن موضوع العربة وسرقتها من أمام باب العيادة، واستخدامها في زفة عرس، كما ذكر أحد الشهود العابرين، فتولى العسكري القديم القضية. وسألني إن كنت أتهم أحدًا بالذات بتلك السرقة، لكنني ل أجر، قلت: لا أعرف. فانشغل - تفضلا معي لو سمحتما. لم يسألني حتى إن كانت العربة مسجلة باسمي أو باسم شخص آخر، إِن كان قد سمع شيئًا أم لا؟ كما كان يفترض في تلك الحالات، وجرابه المدلى من الخصر، مفتوحًا وبلا سلاح، بسبب تمزق الخيوط. في اللحظة نفسها التي رأيته فيها يلتقط عصّا ضخمة من أحد أركان الغرفة، ويطلب من زميله البقاء بالقسم حتى يعود، وكان يصيح: ولا حتى دراجة نارية تستخدم في المهام العاجلة، وصرخ الشرطي في رجل على عربة (كارو) يقودها حمار- وتحمل عددًا من صفائح الماء، وركبنا كلّنا، وقد كان صاحب (الكارو) والدخول إلى أزقة ملتوية، لا تسمح حتى بمرور قطة، وقادنا مباشرة بعد أن عرف بأمر العربة المسروقة إلى بيت متهالك من الخشب، كانت مضاءة بالفوائيس، وممتلئة بالناس وبقايا الأكل، يرتدي القميص الأبيض القصير والصديري، يعزف على آلة العود،