هل كان أبو نواس شاعر الرشيد ؟ امتلأت صحف ألف ليلة وليلة، ويصحبه في غدواته وروحاته، وأوسع ترديداً، فأفقدته وقاره، فضلاً عن أمير المؤمنين ذي الجلالة والوقار . وإذا كانت أكثر النوادر المترددة الآن تُنسب إلى جحا دون أن تصدر عنه حتى جعلته أشهر من كثير من الحكماء، ولكنها مع ذلك تُروى على ألسنتهم، بل من أشد العجب أن عالماً كبيراً، ولغوياً ذائعاً هو ابن منظور صاحب معجم لسان العرب) قد جمع نوادر أبي نواس، وكثير منها يتصل في الرواية بالرشيد في كتاب اشتهر به، وقد ذكر في مقدمته أنه لم يثبت له أن أبا نواس قد اتصل اتصالاً وثيقاً بالرشيد، وقد أفرد الأستاذ الكبير عبد الحميد العبادي فصلاً بديعاً عن علاقة الرشيد بأبي نواس نشره بمجلة (الهلال) في عددها الخاص بأبي نواس (أغسطس سنة ١٩٣٦م) تحت عنوان : الرشيد وأبو نواس . . هل كان النواسي نديماً للرشيد أتى فيه بالمنطق الفصل في هذا الموضوع، والعبادي مؤرخ ثبت قليل المؤلفات بالنسبة لعلمه الواسع، لأنه لا يكتب إلا الجديد المفيد، وقد سطا على بحثه مؤلف تال، وتأخير ما تقدم، وهذه خيانة علمية مؤسفة، وعدد الهلال ذائع مشتهر، وهو طريف في بابه، بدأ الأستاذ عبد الحميد العبادي بكلمة عن مكانة الرشيد وشهرته في العالم الإسلامي، الأدبي ، وقد قال عنهما : وجمعت بين هاتين الشخصيتين العجيبتين جوامع الزمان والمكان، ولكن باعدت بينهما فلسفة كل منهما ، بيد أن أخباراً محرفة منحولة تؤكد توثق الصلة بينهما إلى المدى الذي يكون عادة بين الأوداء والخلطاء غير عظيمة أخرى من الحكايات أبدعها خيال القصاص في شتى العصور طارحة كل اعتبار إلا اعتبار الرغبة في تفكهة القارئ وإمتاعه . ومضى الباحث يعرض مواقف للرشيد مع جلسائه دارت على إنشاد شعر من مستقبح كلامه في الزندقة والفسق وانتهت إلى غضب الرشيد وفزعه، هذا لباب ما اتجه إليه الأستاذ العبادي في بحثه، وقد ختمه بتهجين كل ما تنسبه كتب القصص إلى الرشيد، ذاكراً قول ابن منظور في كتابه (أخبار أبي نواس) : وإن أبا نواس ما دخل على الرشيد قط ولا رآه . وهذا مستبعد، إذ كان يفسح له مكاناً طيباً في مجلسه، وراعياً للآداب والحرمات، ويذكرون فإذا تركنا حديث أبي نواس من كتب الأدب، إلى ما روي عنه من قصص مع الرشيد في كتاب ألف ليلة وليلة؛ فإن أذكر أن الباحث الدكتور محمد بن علي الهرفي، أصدر كتاباً قيماً تحت عنوان : (هارون الرشيد بين السيرة الواقعية والسيرة الشعبية، ذكر فيه أمثلة جيدة للقصص المنسوبة للرشيد مع أبي نواس وغير أبي نواس في كتب التراث الشعبي، فبين ما بهما من المتناقضات التي تنطق بالافتعال، وهو بذلك قد كفاني الحديث عن أراجيف (ألف ليلة وليلة) في فصل أعقده في هذا الكتاب، قد يُساعد على ذيوعها، ولا أحبّ أن تذكر في كتاب جاد يهدف إلى الحقائق لا إلى سرد الأكاذيب ، فلعل من يريد النماذج الدالة على حماقات هؤلاء المخترعين ، أن يرجع إلى كتاب الدكتور الهرفي فهو سديد مفيد . وذيوع الكتاب هناك باقتباس مفترياته ، بل انتقل إلى التأليف الفني في أمور تبعد عن هارون الرشيد، ولكن رغبة التشهير بهذا الخليفة الخطير تدفع المغرضين إلى أن يقحموا ذكره من خلال قصص أسطورية تُنسب إليه دون أن يقتضيها المقام ! وأشير إلى كتاب (حاجي بابا أصفهاني) الذي ألفه الكاتب الإنجليزي (جيمس موير ) ليتحدث عن أحوال إيران في القرن الثامن عشر في شكل روائي شائق ،