حين نعود إلى التجربة الماليزية وسر نجاحها دون الغوص في التفاصيل الدقيقة لها رغم أهمية ذلك كون الحديث هنا عبر مقال وليست دراسة تحليلية، فيمكننا الارتكاز على نقاط محورية بعينها تتمثل في البعد التاريخي للتعليم الحديث في ماليزيا (فجامعة مالايا مثلًا تأسست عام 1949م وتحتل المرتبة الـ 35 عالميًا وهي الجامعة الأقدم بماليزيا) والتناغم بين عدد السكان(31 مليون نسمة) والمساحة (329 ألف كلم) والتنوع العرقي والثقافي بين مكونات الشعب (70%من الملايو و30% من القوميات الصينية والهندية وأقليات صغيرة أخرى) ثم وجود منافس تاريخي طبيعي يتمثل في النموذج السنغافوري المجاور. يضاف إلى ذلك المحيط والمجال الحيوي الخلاق لماليزيا والمتمثل في النمور الآسيوية والصين والتي تتنافس وتتحفز وتتوق لكل جديد وتموج بالأفكار والعمالة الماهرة الرخيصة. فمن المعلوم والمؤكد أن البعد الحضاري للقوميتين الصينية والهندية في المجتمع الماليزي أثرتا كثيرًا التجربة الماليزية وساهمتا بقوة في تحقيق وتطبيق التنمية والنهوض السريع لخبراتها التراكمية التاريخية في التجارة والنهوض الاقتصادي ومرونتها العالية في استيعاب الجديد والتكيف السريع معه مقارنة بمجتمع الملايو الأصلي والذي تعامل مع النهوض بعقلية الفلاح التقليدي والذي يهاب الجديد بطبعه اللازب ويقلب الرأي طويلا في استيعابه والتعايش معه، من هنا لم يغب عن ذهن العبقري مهاتير محمد هذه الفجوة الحضارية والثقافية الكبيرة بين أبناء جلدته وشركاء الوطن من العرقين أعلاه، فلجأ إلى سن قانون التمييز الإيجابي والذي ينص صراحة على تعظيم حقوق ومكاسب أبناء الملايو ويحميهم من التهميش على المديين القريب والبعيد.