لم تكن مجرد هبة من هبات النهر أو عبات الطبيعة، وكل ما فعله النيل أنه مهد السبيل وأعد المكان، بل هذبوا النهر وتحكموا في جريانه حتى أصبح نهرا مصوبا مقوما، وكانت ظاهرة الفيضان بالذات أول ما اتجه المصريون إلى تهذيبه من تصرفات هذا النهر الذي أخرجته الطبيعة أول ما أخرجته جامعا في تدفقه، ثم جاء الإنسان فوجه انصراف مياهه، ورد النهر بذلك كله إلى شيء من الحدوه الموزون، ثم أخرجه آخر الأمر بحرا رشيدا في قوته، قد جمع إلى قوة التيار وتدفقه انتظام المجرى وضبطه، بل جمع إلى اندفاع الطبيعة وجموعها حكمة العقل البشري وصوابه، وهكذا جاءت حياة المصريين وحضارتهم على ضفاف هذا النهر العظيم نتيجة التفاعل منتج بين سخاء الطبيعة وقوتها،