حدث هذا نتيجة لمصادفة! لم يكن هنالك في حياتنا النصراوية ما يفرض أنني سأكون يوماً ما مخرجاً سينمائياً! كل الأفلام التي كنا نشاهدها كانت أفلاماً شعبية تجارية ككل أطفال العالم في الستينيات. هذا ما شكّل لنا المتنفس الوحيد داخل «الجيتو النصراوي» الذي فرضه علينا الاحتلال الإسرائيلي من خلال الحكم العسكري القاسي الذي كان يحرّم علينا الخروج من الناصرة بدون تصريح، فالعالم كان يأتينا من خلال هذه الأفلام وبعض الصحف والمجلات اليسارية. كانت هنالك صالة عرض أفلام واحدة لـ 30 ألف نسمة! بالإضافة، لبعض الأفلام التي كانت تُعرض في مدارس الإرساليات المسيحية كبعض الأفلام الفرنسية والأسبانية. أنا كنت أحبّ المسرح منذ صغري، وكنت أحلم بشكل ساذج وليس بمفهوم واعٍ أن أدرس المسرح يوماً ما. أمريكا» لإيليا كازان (Elia Kazan). الفيلم يحكي قصة عائلة يونانية من تركيا قبل الحرب العالمية الأولى، أي قبل المذابح والتطهير الإثني والديني للأرمن والسريان والعرب المسيحيين، وطبعاً لأعداد هائلة من اليونانيين من قبل السلطات العثمانية أولاً والتركية من بعدها. العائلة تريد تهريب ثروتها مع ابنها البكر الذي يحلم بدوره أن يهاجر إلى أمريكا! هذه العائلة الروائية كانت تشبه إلى حد ما عائلتي، والتي هي من نفس بيئتها: مسيحييون روم أرثوذوكس. وفي الفيلم مشهد خطوبة يشبه تجربة عشتها في طفولتي وهي حفل خطوبة أختي الكبرى. وفوجئت كيف نجح المخرج إيليا كازان بالتقاط حيثية المشهد التي كنت أظن أنني الوحيد الذي عايشها! في هذه اللحظة بدأت نظرتي للسينما تختلف عن قبل، وأدركت أن السينما قادرة على الغوص في عالمنا الداخلي، بل هي قادرة على التقاط لحظات حميمية ذاتية. إذاً نحن قادرون من خلال السينما على إعادة تركيب ونقل أحاسيسنا الشخصية والغوص في عالمنا الداخلي.تركت المدرسة وعمري 14 سنة ونصف. اشتغلت في كراج للسيارات لمدة 5 سنوات (2 في الناصرة و 3 في حيفا).حبي للمسرح دفعني إلى هواية غريبة بالنسبة لعمري، ربما كانت تعطيني حرية أكبر لتحرير خيالي! وأينما كنت أذهب كان معي دائماً مسرحية أقرؤها. في تلك الفترة لم نكن نعلم أن المعرفة هي رأس مال مودع في رؤوسنا! لقد أصبحت الأشياء تتضح في ذهني بالنسبة لأهمية الثقافة في بناء مشروع وطني\\ثقافي\\سياسي يصل إلى العالمية وأن علينا أن نطور عناصر ثقافتنا ومعرفتنا.