الفهم) تطرأ على حياة الإنسان العديد من التغيرات التي تشمل جوانب عدة من حياته ومن شخصيته، التي تعرف تقلبا في البنية العضوية وفي العواطف والانفعالات، وعلى الرغم من كل تلك التغيرات، يظل الشخص على وعي تام بأنه هو نفسه. هذا العنصر الذي يجعل الإنسان قادرا على إدراك ذاته باستمرار يمكن أن نسميه "الهوية". لكن تعدد المواقف وتضارب الآراء والتصورات حول "الأساس الذي تقوم عليه هوية الشخص" جعل منها واحدة من أبرز القضايا الفلسفية والإشكالية التي تدخل ضمن المجال الفلسفي الأنطولوجي الذي تحيلنا عليه مجزوءة "الوضع البشري"، وبالتحديد ضمن مفهوم "الشخص" كمفهوم أساسي ومركزي. هكذا يمكن صياغة الإشكال الذي يطرحه النص وتحيل عليه قضية الهوية من خلال التساؤلات التالية :ما هو الأساس الذي تقوم عليه هوية الشخص؟ هل تقوم هوية الشخص على وحدة الأنا وتطابقها مع الفكر أم على وحدة الشعور والذاكرة؟ ما هو الطابع الذي يميز هوية الشخص؟ ما هي سيرورة ومسار تشكل هذه الهوية ؟التحليل) في سياق المعالجة الفلسفية والمعرفية لهذه التساؤلات الإشكالية المطروحة ، ومن منطلق تحليلنا لهذا النص (وهو للفيلسوف الفرنسي ديكارت) الواضح انه يتبنى أطروحة أساسية مفادها: "أن الأساس الذي تقوم عليه هوية الشخص هو الفكر بما هو جوهر الأنا الذي يتميز بمجموعة من الخصائص التي تحقق للشخص وعيه بذاته وإدراكه لحقيقة وجوده". الإرادة، الإحساس). وعبر هذا الارتباط بين الفكر وخصائصه تتحقق وحده الشخص وتطابقه مع ذاته، بحيث لا يمكن للذات أن تفكر دون أن تعي بأنها هي التي تفكر. وكنتيجة لهذا الوعي بالذات عبر خاصية التفكير، يدرك الشخص حقيقة وجوده اليقيني والثابت القادر على الاستمرارية والصمود أمام كل محاولات الخداع والتضليل. الشك، الأنا (الشخص)؛ "الفكر" يمكن تعريفه بأنه جوهر ثابت أو نور فطري خاصيته الأساسية التفكير. بالإضافة إلى مفهوم الشك الذي هو مساءلة الفكر عن قيمة الأحكام التي يصدرها، وعبر هذه المساءلة يتحقق التطابق بين الأنا (الشخص) ونفسه ويكون قادرا على تحقيق إدراك يقيني وثابت لوجوده. وهذا ما يختزله الكوجيطو الديكارتي "أنا أشك أنا أفكر، إذن أنا موجود" إن الشك هو بداية التأمل العقلي وخطوته الأساسية. فماهية وجود الشخص هي التفكير وأساس هويته هو الفكر. إذا اعتمد مبدأ التدرج المنطقي عبر استدلال تحليلي تطلب منه التساؤل (عن ماهية الأنا، والاستنكار (ألست أنا الشخص نفسه. لم لا تكون كلها من خصائص طبيعتي. والتعريف (أنا شيء مفكر. انه شيء يشك ويفهم ويتخيل ويثبت. قبل أن يخلص إلى استنتاج مفاده أن الشخص وعبر جوهره المفكر وتطابق هذا الفكر مع خصائصه أصبح يعرف نفسه أكثر من أي وقت مضى. وبالتالي المحدد الأساسي لهوية الشخص هو الفكر، التفكير يحقق للانا تطابقه مع ذاته ويجعلها مدركا لكل بنيات وجوده).المناقشة)لا احد سيجادل في أهمية وقيمة هذا الموقف الذي يقدمه ديكارت سواء في بعده الفلسفي أو بعده الفكري والإنساني، فالموقف الديكارتي يعكس تصورا وجوديا للإنسان، يرتكز على خاصية الشك/التفكير الذي هو رفض للرضوخ والتبعية وفي جوهره دعوة التحرر، خاصة عندما يتم وضع هذا الموقف في سياقه التاريخي حيث كان الإنسان يعيش استلابا نتيجة هيمنة وسيطرة الفكر الديني خلال القرون الوسطى وبداية عصر النهضة. وهذه ما يعطي لهذا الموقف قيمة فلسفية تبرز في قدرة الشخص على تأسيس هويته الشخصية المستقلة بالاعتماد على فكره، ودونما الحاجة إلى وصاية خارجية.لكن مع ذلك تظل أطروحة صاحب النص محدودة من حيث هي لا تقدم جوابا شاملا عن الإشكال، فما هو دور الإدراك الحسي في التأسيس لهوية الشخص؟ وكيف تسهم الذاكرة في ضمان استمرارية هذه الهوية ؟ ومن أجل الانفتاح على موافق فلسفية تعطي إبعاد أخرى للإشكال نستحضر الموقف الذي تبنته الفلسفة التجريبية بشكل عام وفلسفة جون لوك J.Locke بشكل خاص. فإذا كان "جون لوك" J.Locke لا يختلف مع ديكارت في دلالة لفظ الشخص، فإن الاختلاف والتباين بينهما سيبدو واضحا وجليا من حيث المبدأ الذي يساهم في تبلور وعي الأنا وعليه تقوم هوية الشخص. فالأساس الذي تقوم عليه هوية الشخص عند جون لوك هو وحدة الشعور والذاكرة، فوعي الشخص بذاته وبوجوده يتحقق من خلال الإدراك الحسي التي تربط الشخص (الذات) بواقعه الحسي التجريبي، بالإضافة إلى عنصر الذاكرة التي تضفي على هوية الشخص طابع التطابق والاستمرارية في الزمان؛ فالإنسان يولد وعقله خال تماما من أية أفكار فطرية، إذ يكون عبارة عن صفحة بيضاء قبل أن تكتبها الحواس.التركيب) سيكون من الخطأ الاعتقاد بأننا من خلال هذه المقاربة الجزئية قد نكون غطينا الأبعاد الإشكالية والمعرفية لقضية الهوية داخل المجال الفلسفي، لأنه واحد من أهم القضايا الفلسفية والإشكالية المعاصرة، لكن مقاربتنا انصبت على وجهتي نظر ميزتا حقبة مهمة من تاريخ الفلسفي والإنساني وهي المرحلة الحديثة، وما رافقها من "أنوار" فتطرقنا خلال العرض إلى موقف العقلانية التي قدمها الفيلسوف الفرنسي ديكارت والتي تؤسس الهوية على عنصر الفكر،