والدراسة التي نحن بصددها دراسة اثنوجرافية في المقام الأول . ومن المعروف أن الإثنوجرافيا Ethnography تعني أساساً بعمليات الوصف العلمي المنظم لثقافات الشعوب البسيطة بصفة خاصة . وقد تم تسجيل المادة الثقافية في هذه الدراسة - والتي تم جمعها من الميدان - مستر شدين في ذلك بتعريف هو بل Hocbel للإثنوجرافيا بأنها هي ذلك القسم من علم الأنثروبولوجيا الذي يختص بالتسجيل الوصفي للثقافات ، ويعرف قاموس وينيك Winick الإثنوجرافيا بأنها و دراسة الثقافات المختلفة. دراسة وصفية غير تفسيرية في المقام الأول ) .ومن المعتاد في الوقت الحاضر الإشارة إلى الدراسة الوصفية لطريقة معيشة شعب ما بأنها اثنوجرافية. وحيث أن الدراسات الوصفية هي تحليلية كذلك ، فإننا نجد أن مفهوم Ethnographic Monograph ) أي الدراسة الحقلية الوصفية المفردة ) لاسيما في بريطانيا أصبح يستعمل بمعنى واسع للدراسات المفصلة التي يقوم بها علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية حول طريقة معيشة شعب معين . ومع أن هناك اتفاقاً على أن الإثنوجرافيا تهتم أساساً بالدراسات الوصفية ، وأن الأنثروبولوجيا الاجتماعية تهتم بالتحليل البنائي ، إلا أننا نجد تداخلا في الطرق والأدوات في كثير من الدراسات ولا شك أن مثل هذه الدراسات لها أهميتها من الناحيتين النظرية والتطبيقية بالنسبة للمجتمع القطري . فمن الناحية النظرية تفيد هذه الدراسات في التعرف على العادات السائدة ، والتأثيرات التي تحدثها عمليات التغير في جوانب الثقافة اللامادية ( المعنوية ) ، خاصة وأنه لم تجري في هذا الصدد إلا دراسات قليلة للغاية تناولت جوانب محددة تتعلق ببعض العادات السائدة في المجتمع القطري عولجت من منظور الأغنية الشعبية أو الفن الشعبي . فالأمل يحدونا في أن نتائج مثل تلك الدراسات والبحوث يمكن أن تفيد منها الهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية من أجل ترشيد العادات الاجتماعية ومظاهر السلوك العام في المجتمع ، وبحيث يمكن أن تقوم تلك المؤسسات بعملية توعية شاملة تدعو إلى تغيير العادات التي يمكن أن تكون ذات تأثير معوق على خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتمسك بالعادات التي تساعد على تحقيق التنمية والتقدم وتعميق وتدعيم أركانها ، لاسيما وأن تلك العادات الاجتماعية تمثل قوة مجتمعية - كما يقول عالم الاجتماع سمنر Sumner لا يمكن أن يستهان بها . ولاشك أن أخطر ما يهز بناء المجتمع هو أن يعاد تنظيمه ، بينما تظل روابطه تعكس قيماً معوقة للتنمية والتقدم مثل قيم الفردية والأنانية والانعزالية والرجعية .المختلفة ولعل من أبرز المعوقات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع القطري في الوقت الحاضر ، بعد تلك النقلة البترولية التي قلبت حياته الاقتصادية والاجتماعية رأساً على عقب ، لاسيما ابتداء من سبعينات هذا القرن حيث تزايد الدخل القومي من البترول تزايداً واضحاً أخذ يزداد عاماً بعد آخر ، وانعكست ثمار تلك الزيادة في تحسين مستويات الحياة المادية في جوانبها . نقول لعل من أبرز تلك المعوقات أنماط السلوك الاجتماعي التي ظلت جامدة ، في الوقت الذي يجب فيه أن تتغير أو على الأقل أن تكون عالية المرونة المقابلة مطالب الإصلاح. ويرجع ذلك إلى بقاء بعض الرواسب التقليدية Traditional Survivals ذات السيطرة على محصلة العرف وموجهات العلاقات الاجتماعية ، إلى جانب عدم بلوغ التغير في المجتمعجوهر القيم والمعاييرإن العلم الاجتماعي سواء أكان انثروبولوجيا أو سوسيولوجيا ، هو أقدر العلوم الإنسانية التي تكشف لنا عن تلك المعوقات والمشكلات . ويرى الكاتب أن علم الاجتماع يمكن أن يحقق نجاحاً كبيراً في الكشف عن تلك المعوقات خصوصاً إذا تبنى المنهج الأنثروبولوجي في الدراسة لأنه الأقرب إلى طبيعة المجتمعات النامية وظروفها . والمنهج الأنثروبولوجي منهج كلي تكاملي بالضرورة Holistic method يحتفظ بالنظرة الكلية للحياة الاجتماعية . وهذا يعني أن كل ما هو واقع في المجتمع يعتبر مرتبطاً بالآخر ارتباطاً عضوياً ، وكل محاولة للتفتيت تعطينا زوايا غير منسجمة للحقيقة الاجتماعية . والإنسان الفرد الذي يعتبر الوحدة الإنسانية التي تحيا داخل مجتمع معين ، هو أيضاً متعدد الجوانب . فالمجتمع كل والإنسان كل ، وهذا هو الذي فرض على المعرفة أن تكون كلية أيضاً .