السياسة الخارجية : ذكرنا سابقاً كيف ان المصريين في وكيف ان الفرعون نيخاو الثاني تقدم بجيوشه نحو الفرات لدعم الاشوريين ( اعداء مصر سابقاً ) ضد التحالف الكلداني الفارسي ، وذلك للمحافظة على توازن القوى المتنازعة في بلاد النهرين ، وخوفاً من انتصار الكلدانيين ومن ثم تهديد مصر نفسها أو منافستها على النفوذ في سوريا وفلسطين ولكن القوات الكلدانية بقيادة نبوخذ نصر الثاني ابن نابو بالاصر استطاعت أن تلحق الهزيمة بالجيش المصري عند مدينة كركميش ( جرابلس الحالية ) سنة - ٦٠٥ ق. م ومن ثم تقدمت نحو سوريا وفلسطين وفرضت سيطرتها على المنطقة. بعد هذه الحروب الظافرة عاد نبوخذ نصر الى بابل ليعتلي العرش الكلداني حيث أن ولده قد مات ، ق.م ) فازدهرت في عهده ازدهاراً عظيماً . كانت مصر العدو الاكبر للكلدانيين حيث أنها لن تتنازل بسهولة عن نفوذها ومصالحها في سورية وفلسطين. وبالمقابل فان الكلدانيين الذين دخلوا الى مسرح التجارة العالمية كانوا بحاجة الى قواعد لهم على البحر المتوسط ولن يتنازلوا عنها لمصر ، لذلك وجه نبوخذ نصر معظم جهوده و امكانياته للصراع مع مصر ، أما الفراعنة فلم يعتمدوا في هذا الصراع على القوة العسكرية فحسب ، بل لجأوا الى الاساليب الديبلوماسية أيضاً ، فحرضوا الدويلات الصغيرة في غرب آسيا ضد الكلدانيين وخاصة المملكة اور سلیم وسبی قسماً من سكانها وعزل ملكها و ياقين وعين مكانه عمة اليهودية ومملكة صور ( تير ) . وقد كان بين الامراء اليهود فئة ممالئة الفراعنة مصر تنفذ ما يملونه عليها ، بينما عارض تلك الفئة « النبي » إرميا وطالب في خطبه الحادة اليهود بعدم مقارعة الكلدانيين حيث لا يرى أملا ولكن السلطات اليهودية لم تأخذ بنصائحة بل الحقت به تعذيباً وطرداً وتقربت من الفراعنة ونفذت أو امرهم وتوجيهاتهم بالتمرد ضد الكلدانيين والامتناع عن دفع الجزية لهم . رداً على ذلك جرد نبوخذ نصر حملة على الدولة اليهودية فدخل صدقيا وكان ذلك سنة ٥٩٦ ق . م . لكن صدقيا بتحريض من فراعتة مصر وتحت ضغط الامراء اليهود المؤيدين لهم تمرد ايضاً ضد سيطرة الكلدانيين ، فعاود نبوخذ نصر الهجوم على اورشليم ( القدس ) وفتحها سنة ٥٨٦ ق. بعد حصار دام نصف سنة ، والقي القبض على صدقيا وسملت عيناه كما قتل أولاده وسي جميع سكان المدينة الى بابل . أما سكان الارياف اليهود فقد فر معظهم الى مصر فخلت فلسطين من اليهود تقريباً . وهكذا تحققت نبوءة » إرميا البعيد النظر والذي قدر سلفاً خطورة الموقف ونتائج سياسة السلطات اليهودية بالوقوف الى جانب المصريين ضد الكلدانيين . وقد . روي عنه قوله ( ربما بعد ان حدث ما حدث ) : « تباً لك يا أورشليم لقد قال لي الرب سوف أترك السيف مسلطاً عليها . أريد أن اخرجها من هذه البلاد الى بلد آخر والقي بها في يد بختنصر ملك بابل، وسوف يزحف عليها الكلدانيون ويضرمون النار فيها ويحرقونها ؟ بعد ذلك التفت نبوخذ نصر لاخضاع المدن الفينيقة على الساحل السوري ، ولكن لم يتم له ذلك بسهولة حيث نشط الاسطول المصري في البحر المتوسط وقدم المساعدات والدعم للمدن الفينيقية التي تفارع الكلدانيين الذين لم تكن لديهم قوة بحرية لتطارد الاسطول المصري . وقد صمدت مدينة صور الحصار دام ثلاث عشرة سنة وساعدها على ذلك وقوع قسم منها على جزيرة بعيدة قليلا عن الشاطىء ، وأخيراً فك الحصار باتفاق على حل وسط تعترف بموجبه صور بالسلطة العليا لنبوخذ نصر بينما تحافظ على استقلالها الذاتي . ثم حاول نبوخذ نصر دخول مصر وربما وصل الى الدلتا ولكن المصادر التاريخية لا تسجل شيئاً يذكر عن تلك الحملة ونتائجها .