2. التعريف الاصطلاحي : اصطلاحاً، هي توجه فكري ونزعة فلسفية، لم تتبلور في الفكر الفلسفي الغربي - كتيار معرفي فلسفي رصين ومعياري إلا في مراحل زمنية متأخرة، بعد تراكمات فكرية وإرهاصات فلسفية منذ أيام التراث اليوناني حتى نهضة أوروبا الحديثة خلال القرن السابع عشر. وقد بلغت هذه الفلسفة ذروة تبلورها كنظرية معرفية، بدون أية إضافة خارجية». أي إن المادية Materialism وهي ككلمة منسوبة للمادة هي مقولة ونظرة فلسفية تعني الواقع العيني الموضوعي الذي يوجد مستقلاً ومنعكساً فيه 12 . ولا شيء سواها. فالأصالة للمادة، وهي التي تحدد مدارك الوعي وقنواته النظرية في فهم الوجود الخاص والعام بالتالي يتطور الوعي بتطور المادة المحيطة بالإنسان. وهذا الوعي لا يمكن تفسيره إلا عن طريق التغيرات الفيزيوكيميائية في الجهاز العصبي للإنسان، لا وجود لها، حيث لا أساس لها في البعد العضوي المادي. وأما الفلسفة المادية الماركسية التي تبلورت كأعلى مراحل المادية الفلسفية، فهي - كما جاء في نصوص آبائها المؤسسين - 131 العلم الذي يقوم بدراسة القوانين المادية لتطور الطبيعة والمجتمع وهي العلم الذي يدرس ثورة الطبقات المضطهدة المستغلة، كما أنها العلم الذي يصف لنا انتصار الاشتراكية في جميع البلدان، وأخيراً هي العلم الذي يعلمنا بناء المجتمع الشيوعي . ويمكن التمييز - لدى أتباع المنهج المادي الماركسي - بين نوعين أو شكلين من المادية، هما المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية. فالمادية الديالكتيكية (الجدلية) هي النظرة العالمية للحزب المادي الماركسي اللينيني، وتوصف بأنّها ديالكتيكية (جدلية) لأن نهجها للظواهر الطبيعية، وأسلوبها في دراسة هذه الظواهر، وتفهمها هو أمر ديالكتيكي (جدلي - صراعي)، بينما تفسيرها للظواهر الطبيعية، وفكرتها عن هذه الظواهر ، أوجد هذا الاتجاه من المادية، وأعطاه معايير وانتظامات فكرية فلسفية، كل من الفيلسوفين الماديين كارل ماركس» و «فريدريش انجلز اللذين استفادا من التأسيس النظري لديالكتيك الفيلسوف المثالي الألماني المعروف هيجل»، ومن تنظيرات الفيلسوف الألماني الآخر فيورباخ» القائلة بالمذهب الطبيعي الذي كان ذروة التطور في المادية الميكانيكية آنذاك. بل هو نقيضه المباشر. فهيغل يحول عملية التفكير، إنها خالق العالم الحقيقي، أما بالنسبة إلي، فعلى العكس من ذلك، ليس المثال سوى العالم المادي الذي يعكسه الدماغ الإنساني ويترجمه إلى أشكال من الفكر». واعتمدت المادية في تطوّرها - كما زعمت - على المكتشفات والاختراعات العلمية التي أعقبت الثورة الصناعية في الغرب، لذلك تجدها من أكثر النظريات الفلسفية تأييداً للعلم، وتمسكاً بنظرياته وحقائقه المعروفة، لكونها أي الفلسفة المادية) تعتقد بأن العلم يثبت فحوى مقولاتها وآرائها الفكرية. فالعلم بما هو تجارب مادية، أي ما اكتسب بملاحظة جادة وتجربة موضوعية من حقائق أو قوانين أو قواعد لسلوك الظواهر الكونية من حيث حدوثها وتكرارها متعلقة بجوانبها النظرية والعملية لميدان معين ومنهج معين معترف به ومتفق عليه عند أهل ذلك الاختصاص) يلتقي مع أصل فكرة المادية التي تقول بأصالة الحس والتجربة، وتهدف إلى سيطرة الإنسان على الطبيعة ومحاولة تسخيرها لنفسه، وشاركت في تجميع المعارف العلمية المختلفة لتشكل صورة واقعية للعالم المادي. والمادية التاريخية التي هي مذهب فلسفي وطريقة معرفية في فهم التاريخ امتداد لمبادئ المادية الديالكتيكية، تُعنى بدراسة الحياة الاجتماعية، وتطبيق مبادئ هذه المادية على مختلف ظواهر الاجتماع البشري، ودراستها وتحليلها في ضوء قوانين المادة. وتتجه هذه المادية التاريخية إلى تفسير التاريخ (كفعل بشري في البعد الزماني برأي أو وجهة نظر أو اتجاه فكري واحد يعتبر - بحسب نظر أصحاب هذه المدرسة - كالمفتاح السحري الذي يفتح أقفال كل شيء في الحياة ومختلف شؤونها وفواعلها واتجاهاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وبناءً على معطيات هذه المدرسة وأفكارها، تُدرس الظواهر الاجتماعية والإنسانية في ضوء ما سمي بـ مبادئ التحليل الماركسي بصورة عامة، ومبادئ المادية الجدلية المعنية بظواهر الكون والطبيعة بصورة خاصة، فهي تستمد من المادية الجدلية مبادئها في تحليل الظواهر والوقائع الاجتماعية، إذ تعتمد اعتماداً أساسياً على المقولات الثلاث الأساسية المتمثلة بأن عمليات التراكم الكمية تؤدي إلى تغيرات كيفية، وأنّ التناقض بين مكونات الأشياء يعد الأساس في حركتها، وما من شيء في الطبيعة والحياة الاجتماعية إلا يحمل في مكوّناته قدراً من التناقض، ينتج صراعاً مستمراً بينها، وأن هذا الصراع بين المكونات يؤدي باستمرار إلى ما يعرف بـ «نفي النفي». فكل مرحلة من مراحل التطور تنفي بالضرورة المراحل السابقة، ولا يمكن إن تتعايش المراحل بعضها مع بعض إلا فترات مؤقتة توصف بالتناقض، بهذا المعنى، تكون المادية التاريخية نتاج تطبيق المنطق الجدلي (منطق الصراع والتناقض على حركية التطور التاريخي للمجتمع، حيث يرى الماركسيون أنّ البناء الفوقي للمجتمع القوانين والأخلاق والسياسات العامة ناتج من البناء التحتي (وهو هنا الأسس والعلاقات الاقتصادية المادية). بما يعني أن أخلاق المجتمع تتأثر جوهرياً بالعلاقات الاقتصادية وما فيها من تعقيدات وشؤون وإشكاليات (بل هي نتيجة لها ) . وما ينطبق في التحليل المادي التاريخي على مفهوم الوعي الاجتماعي»، يندرج بدوره على دراسة الشخصية، فالإنسان دائماً ابن زمانه ومجتمعه وطبقته، فيتحدّد جوهر الشخصية ويتضح تمام الوضوح بالمجتمع الذي تعيش فيه، وقد ذهب إلى هذا الاتجاه، كثير من الفلاسفة الغربيين على اختلاف اتجاهاتهم الفلسفية، باسكال، إذاً، يتضح مما تقدّم أنّ هناك مراحل وأدواراً عدة عبر التاريخ الإنساني مرت بها الفكرة المادية بتطورات عديدة مختلفة، حيث كان هناك فلاسفة تبنوا المادية منهجاً حتى في فترة ما قبل الميلاد فلاسفة محدثون ومعاصرون. وقد تميزت المادية القديمة عن المعاصرة والحديثة من حيث إن الفلاسفة القدماء كانوا يفسرون الوجود الخارجي تفسيراً مادياً مطلقاً كانطباع من الحواس المادية. فالأشياء لها وجود خارجي مستقل عن إدراكنا لها، أو إن إدراكنا للأشياء لا يؤسس وجودها بأية حال، ومن ثم فقد فسرت الموجودات كلّها بالمادة. وأما الفلاسفة الماديون في العصر الوسيط فقد قالوا بوجود علم فيزيائي أو وجود علم ميكانيكي تحديداً يدرس انتقال الأجسام في المكان، ووجود دينامية كونية للعلم الرياضي الذي أصبح نموذجاً للمعرفة أيضاً بالنسبة لكل العلوم بدءاً من هذه المرحلة . وأن المحسوس هو الحقيقة،