كانت الفلاحة تلعب دورا اجتماعيا واقتصاديا مهما في حياة المغاربة، وقد ظلت لوقت طويل تقوم على علاقات بين عاملين الانتاج المحلي والاستهلاك الذاتي للسكان، فكانت تقوم بتلبية حاجياتهم كما ونوعا. وإذا كان إنتاج هذا القطاع قد ظل تحت رحمة التقلبات المناخية، فإن عوامل أخرى أسهمت في تغيير ملامحه، أدى إلى خلخلة هذا التوازن من خلال استيلائهم على أجود وأخصب الأراضي الفلاحية، فأخذت وسائل العيش تتضاءل بالنسبة للفلاحين تدريجيا بسبب نقص مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، ويقول القبطان روميو ( Capitaine Romie) في هذا الصدد عن بني وراين "إن دخولنا البلاد قد أخل بالتوازن العريق بين أعداد السكان وبين الإنتاج، وحددت مناطق الغابات وأسندت إدارتها إلى مصلحة المياه والغابات، إن ما تجب الإشارة إليه هو أن السيطرة والاستيلاء على أراضي الفلاحين بتازة كما في عموم المغرب، فالمستوطنون المزارعون كانوا يسيرون على حد تعبير أحمد تافسكا، في عصابات مسلحة خلف القوات الاستعمارية التي تتولى إبادة ومطاردة السكان لتتيح المجال للمستوطنين للحصول على أملاك فلاحية، وقد وصل هذا الاستيطان إلى أقصى تأثيره في حياة الفلاحين، واستعمل الأوربيون جميع الوسائل للحصول على أراضي "الأهالي" . ففي المحيط الحضري للمدينة مثلا استولت السلطات الاستعمارية على 400 هكتار كلها سلبت من قبيلة غياثة ) ، وعلى طول ممر حوض إيناون وبمناطق أخرى (سيدي بوبكر، استولى المعمرون على أجود وأخصب الأراضي الفلاحية عنوة، وتحويلها إلى قطع للاستيطان الفلاحي. فقد قامت إدارة الأملاك المخزنية سنة 1926م على سبيل المثال بشراء 108 قطعة أرضية، واستمرار المقاومات المسلحة بجهة تازة بشكل أعاق الاستيطان الأوربي، وبعد القضاء على هذه المقاومات وخاصة بعد إخماد ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي شكل تهديدا مباشرا للفرنسيين ببقعة تازة، أصبح الفرنسيون أحرارا وسارعوا إلى الحصول على المزيد من أراضي الأهالي المغاربة مما أدى إلى تدمير القاعدة الاقتصادية للفلاحين المغاربة الذين تزايدت أراضيهم المغتصبة والمسلوبة، وتحول قسم كبير منهم إلى "خماسة"، أو إلى عمال في المزارع الأوربية، كما تحول الوسط القروي إلى مصدر واسع النطاق للهجرة سواء كان داخل البلاد أو إلى خارجها. وهكذا وجدت تشكيلة من المعمرين نافسوا الفلاحين المغاربة الذين أصبحوا في درجة دنيا مقارنة معهم، كما أن الفلاحين المغاربة لم يستفيدوا من الامتيازات المختلفة التي منحتها سلطات الحماية للمعمرين الأوربيين. إلا أن إمكانيات الفلاحين المغاربة المتواضعة لم تسمح لهم باستيفاء الشروط المحددة لنيل هذه المكافآت. فكيف يمكن الحديث عن إدخال تقنيات وأساليب حديثة في عملية الإنتاج أو الزراعة على الطريقة الأوربية الفلاحين جردوا من أراضيهم الخصبة؟ الذي ركز على توعية الكولون الأوربي بأهمية وضرورة استعمال الأساليب العصرية في الفلاحة، كما حرص الفلاحون الأوربيون على عدم انتقال المعرفة بهذه الأساليب العصرية إلى جيرانهم الفلاحين المغاربة، ليحافظوا على تفوق إنتاجهم، فبقي الفلاحون المغاربة يعتمدون على ما ورثوه عن أسلافهم من طرق ووسائل زراعية تقليدية، وهو ما كان يدفع أحيانا بعض الفلاحين المغاربة إلى "التجسس المعرفي" على الكولون الأوربي عبر استخدام معارفهم وأصدقائهم العاملين في مزارع الأوربيين، وواجه الفلاحون المغاربة بالإضافة إلى تربص المعمرين بأراضيهم، مما أدى إلى تراجع الاقتصاد الفلاحي للمنطقة، حيث أصبحت الفلاحة عاجزة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي للساكنة، وهو ما أسهم في تأزيم وضعية الفلاحين وتراجع مستواهم المعيشي، كما دفعتهم في العديد من الأحيان إلى الخروج عن القبيلة، إضافة إلى عدم توفرها على احتياطي لسد حاجياتها مما أدى إلى تردي وضعية السكان،