التشبيه والإبانة: بل يحافظ كل طرف على حدوده وتمايزه، ويُقرّبه إلى الأفهام، مما يُيَسِّر وصوله إلى ذهن المتلقي. وقال العلوي اليمني[تـ705هـ]: «وهذهِ هي فائدةُ التشبيهِ الكبرى، بقوله هذا، ينسِب إلى الإبانة جانباً كبيراً من بلاغة التشبيه وتأثيره، وتحذف فضوله، وتصوره في نفس المتلقي أبين تصوير وأوضحه، قاصدين بذلك أن كل هذه الأنواع البلاغية إنما هي طرائق خاصة في التعبير تُكسب المعاني فضلَ إيضاحٍ و بيان( ). ولا تُحَدِّث نَفْسك بالبقاءِ فيها، فإن الغريب لا علاقة له في بلاد الغربة، وغير ذلك مما يجري مجراه، إلا أن المبالغة كانت أظهر لأنها المرادة. منها: مادة طرفي التشبيه، ومنها :إفراد طرفي التشبيه وتركيبهما ، ومنها: ذكر وجه الشبه وحذفه، الإبانـة بين الوسيـلة والغايـة في التشبيه: كالتأثير والتمكين أو غير ذلك. فذلك سعي مبالغٌ فيه نحو البيان والإيضاح، ومعياراً نقدياً تقاس به جودة الأشعار ورداءتها. ويبدو أن مردّ هذه النظرة إلى التشبيه هو الفهم الخاص لهذه الثُّلة من البلاغيين والنقاد للبلاغة العربية التي رأوا أنها قرينة البيان الإيضاح، على نحو ما تصوره لنا بعض تعريفات البلاغة، بأسهلِ ما يكون من العباراتِ»( ) وقول بِشر ابن المعْتَمِر [ت210 ﻫ]: «البلاغةُ التقريبُ من المعنى البعيدِ، وصَوابُ الإشارةِ، وتحسينَ اللفظ( ). لأنه شبه الأعلى بالأدنى، كوقعِ السَّحابِ بالطِّرافِ الممَدَّدِ( ) جرعُهُ متواترٌ فالأولُ في العقل أوضحُ من الثاني، وكلما كان التشبيه أوضح كان أحسن، وكلما كان مشاهداً محسوساً كان أفضل، فلا يكتفي بكون التشبيه واضحاً بل مشاهداً ومحسوساً ومألوفاً أيضاً. شعراء عصره قوله( ): ـدُ –إذا ما اعتبرتَ – ضِدُّ الوعيدِ صَدْغُهُ ضِدُّ خَدِّهِ مثلما الوعـ وقوله( ): وله غرَّةٌ كلونِ وِصالٍ وبالانتقال إلى ابن وكيع التنيسي [ت393ﻫ] يُلحظ ما عهدناه عند هذا الفريق من نفور من التشبيه البعيد، فقد قدّم قول أبي تمام( ): كنتَ الربيعَ وكانتِ الوردا وكلامه أرجح، إلا أن جمال قول المتنبي جاء موشَّىً بلمسات خفية، ومعان تخييلية لا تظهر في قول أبي تمام، ويرى أن أحسنَه أوضحُه، وهو رديءٌ، فالعسكري يستهجن تشبيه ما يُعرف بالعيان بما يُنال بالفكر، والنهج المقصود في الوصف عند العرب القدماء إنما هو تشبيه «الجواد بالبحر والمطر، والفائت بالحُلم، ثم تشبيه اللئيم بالكلب. وسحبان في البلاغة، وقُس في الخطابة، وبناء على ذلك تقاس جودة التشبيه عند العسكري بمثل هذه التشبيهات التقليدية التي يتم الانتقال فيها من الخفي إلى الظاهر، إذ إن وظيفة التشبيه عنده وفائدته «إنما هي تقريبُ المشبّه من فهم السامع، ويرى أن الأصل في حسن التشبيه «أن يُمثَّلَ الغائبُ الخفيُّ الذي لا يُعتاد بالظاهرِ المحسوس المعتاد، وبيان المراد»( ) ويؤكد ابن سنان هذا الأمر عندما يردُّ جمال تشبيه امرئ القيس( ): والحشفِ البالي أكثرُ من مشاهدة قلوب الطير رطباً و يابساً»( ) وكذلك استجاد تشبيه النابغة للنعمان بن المنذر بقوله( ): ويذهب عبد القاهر الجرجاني [ت471ﻫ] إلى ما ذهب إليه غيره، فذهب إلى أن المعنوي المجرد يمكن أن يَذِيع وينتشر، وفي ضوء هذا الفهم توقف عبد القاهر إزاء قول الشاعر( ): سُنَنٌ لاح بَينهنَّ ابتداعُ ذلك أنه لما شَاعَ وتُعورفَ وشُهِرَ وَصْفُ السُّـنَّةِ ونحوها بالبياض والإشراق، والبدعةِ بخلاف ذلك، وعلى هذا الأساس يظل المبدأ العام ثابتاً لا يهتز، وإخراجه ما لا تقع عليه الحاسة بما تقع عليه . وذلك بُعد عن الصواب، والتشبيه الذي يجب أن يسلكه. ومحتِدِه الأصلي،