عقب تولي علي رضي الله عنه الخلافة دخل المسلمين في أزمة ، وتمثلت هذه الأزمة في الموقف من قتلة عثمان رضى اللهُ عَنْهُ؟ فالصحابة جميعا ومن تابعهم متفقون على وجوب تعقب هؤلاء القتلة الذين انتهكوا حرمة مدينة الرسول ، وتجرأوا على سفك دم الخليفة، واختلفوا في اجتهاداتهم حول الوقت الأمثل، والأسلوب الأفضل للاقتصاص من أولئك القتلة، فتشكل عندئذ اتجاهان، الأول يرى أن أول عمل يجب على الخليفة الجديد علي رضي الله عنه مباشرته هو إيقاع القصاص بهؤلاء المجرمين الذين قتلوا الخليفة الشهيد عثمان رضي الله عنه، وهذا الاتجاه يمثله منذ البداية جماعة من الصحابة كمعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن عَبَسَة رَضي الله عنهم أجمعين، وجماعة من التابعين كأبي مسلم الخولاني، وعبد الرحمن بن غنم، وشريك بن حباشة (٢). أما الاتجاه الثاني فيرى أن العمل الأول الذي ينبغي أن توجه له الجهود هو توحيد كلمة المسلمين، وتأليف قلوبهم، ورص صفوفهم، ثم يأتي بعد ذلك النظر في تنفيذ القصاص من أولئك القتلة؛ لأن الأمر يحتاج إلى تحقيق دقيق، فالقتلة غير معروفين بأعيانهم، وبعضهم قد هرب من المدينة عقب قتل الخليفة مباشرة، فالاستعجال حينئذ في تنفيذ القصاص - والحالة هذه - سيؤدي لا محالة إلى حرب طاحنة يذهب فيها كثير من الأبرياء (١)، ويمثل هذا الاتجاه خليفة المسلمين الجديد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وشطر كبير من أهل الأمصار (٢). وبعد مضي حوالي أربعة أشهر نشأ تياران آخران، الأول ينادي بالإصلاح بين المسلمين، ويرى أن من أهم مقومات هذا الإصلاح القيام بمعاقبة قتلة عثمان رضى اللهُ عَنْهُ، وكان يقود هذا التيار أم المؤمنين عائشة والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم أجمعين (۳). أما التيار الآخر فقد رأى أن ما يحصل بين المسلمين فتنة، وعدم الدخول في شيء من تبعاتها، وهذا التيار كانت نشأته - فيما يبدو - في الأيام الأولى من خلافة علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لكن حضوره في الساحة لم يصبح ظاهرا إلا حينما تطور الاختلاف بين المختلفين إلى المواجهة الكلامية، ومن ثم الانزلاق إلى الحلول غير (٤) هذا تبناه قطاع واسع من الصحابة رضي اللهُ عَنْهُمْ ، فقد روي قال هاجت الفتنة السلمية، بإسناد صحيح - عن محمد : مر ذكره - أنه : بن سيرين - كما مرد وأصحاب رسول الله ﷺ عشرات الألوف فلم يحضرها منهم مائة، ومن أشهر الصحابة الذين تبنوا هذا الموقف سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر، وأهبان بن صيفي رضي الله عن الجميع (۸).