بهجرة النبي إلى يثرب لم تعد مهمته مقتصرة على الدعوة والتبليغ، بل غدا قائد أمة ورئيس دولة لجماعات بشرية، لابد له أن يوحدها وينظم علاقاتها الخاصة والعامة، فمع بداية الهجرة إلى المدينة المنوّرة وجد النبيُ (ص) نفسَه أمامَ ثلاثِ طوائفَ من السكان في المدينة:  الطائفةُ الأولى: المهاجرون الذين ضحّوا بعشيرتهم وأموالهم طلباً للحرية وحرصاً على عقيدتهم، فهاجروا من مكة إلى المدينة فُرادى وجماعاتٍ قبلَ وبعدَ هجرة النبي (ص).  الطائفةُ الثانية: الأنصارُ وهم الذين أحبّوا رسولَ الله ونصروه واتبعوا وهؤلاء كانوا من قبيلتي الأوس والخزرج سكانِ المدينةِ الأصليّين.  الطائفة الثالثة: اليهودُ من بني قرضة وبني قنيقاع وبني النظير المسجد نواة الدولة: سارع الرسول منذ وصوله إلى المدينة في بناء مسجد كبير للمسلمين، كان له دورا محوريا في تاريخ الدولة الأولى، - مقرا للسلطة الدينية والمدنية الجديدة - وفي المسجد استقبلت الوفود القادمة إلى المدينة - وفي رحابه أبرمت المواثيق والعهود، وعقدت الألوية للقادة عند خروجها للحرب. - تلقن تعاليم الدين لمن أراد من العرب الوافدين - نواة مؤسسة القضاء وتبلورت معالمها، تنظيم الجبهة الداخلية: انبرى الرسول بعد استقراره في "المدينة المنورة" إلى وضع أسس المجتمع الجديد الذي ينشده، من خلال تنظيم الجبهة الداخلية وتوحيدها استعدادا لمواجهة المخاطر الخارجية المتوقعة، وذلك عبر عدة خطوات أهمها: وفي خطوة ثالثة بدأ الرسول في وضع الأسس التي تنظم حياة فرقاء يثرب، لذلك كتب قبل انصرام عامه الأول من الهجرة، كتابا حدد فيه بصورة دقيقة علاقات المجتمع المدني الجديد بمكوناته المختلفة وما يترتب على كل فئة من حقوق وواجبات وعرف الكتاب بالصحيفة، شكلت بحق دستور المرحلة:  أولاً: قرّرت هذه الوثيقةُ أن المسلمين أمّةٌ واحدة، برغم اختلافِ قبائلهم وطبقاتِهم وانتماءاتِهم، وتفاوتِ مستوياتهم، ثانياً:نصّت الصحيفةُ على أنّ النبيّ(ص) هو قائدُ هذه الأمة ورئيسُ الدولة والشخصُ الوحيدُ الذي يمثّل المرجعيةَ العليا، فهو المرجعُ في حل كلِ الخلافات التي تقعُ في حدود الدولة الإسلامية سواءٌ كانت شخصيةً أم عامّة، وهو المرجعُ في كلِ الحوادث الأمنية، وقرّرت الوثيقةُ أنه لا يُسمحُ لأحد من اليهود بالخروج من المدينة إلا بإذن رسولِ الله، الثاً: قرّرت الوثيقةُ أيضاً: أنّ مسؤولية دفعِ الظلم والبغي والعدوان تقعُ على عاتق الجميع ولا تختصُ بمن وقعَ عليه الظلم، وهذا يعني إلغاءَ الاعتباراتِ القبلية التي كانت تُوجبُ على القبيلة الانتصارَ لأبنائها حتى ولو كانوا المعتدين على غيرهم. وجميعُ القبائل والطوائف الأخرى مسؤولةٌ عن فداء أسراها أيضاً بالقِسط والمعروف. خامساً: مَنحَتْ الوثيقةُ اليهودَ الحقوقَ المدنيةَ العامّة،