مفهوم التوبة pénitence 1-- التوبة ومعناها : توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات . التوبة ليست عن فعل الخطيئة بالذات بل بمعناها دعوة المؤمن الأساسيّة . المؤمن مدعو إلى العودة إلى الله وتجديد الإعتراف به، هذه العودة ليست فقط عودة عن الفعل، فعل الخطيئة إنّما عودة للإنسان كلّه من خلال مقوّماته الجسديّة والنفسيّة والإجتماعيّة والروحيّة إلى الله . عنوان عام للتوبة يصلح أن يكون مبدأ وقاعدة هو : العودة إلى إكتشاف الله . كأساس لحياة المؤمن وكغاية لها . في هذا المعنى العميق والواسع للتوبة نعتبر الإيمان حقيقة حيّة تنمو وتتقدّم خاصة في الممارسة العمليّة . فالرسالة الإنجيليّة تجمع بين الحياة والواقعيّة التي تترجم أفعالاً وبين غاية هذه الحياة التي هي الله . مهما يكن مهمّاً وعظيماً . التوبة هي مرادفة لكلمة حياة مع كل ما تحمل هذه الكلمة من زخم وقوّة. كلمة توبة ترافق الحياة المسيحيّة ككلّ. - الارتداد Conversion - الارتداد أو الاهتداء هي كلمة تحاول أن تُترجم النّص اليوناني (metanoia) والتي تعني حرفياً انقلاب النفس واتجاهها نحو الله. - لا مجال للتوبة والمصالحة من دون الاستعداد للارتداد. وخير مثال على ذلك هو مثل الأبن الضال الذي عاد إلى ذاته وقرر الرجوع إلى أبيه (راجع يوحنا بولس، إرشاد رسولي بشأن المصالحة والتوبة في رسالة الكنيسة اليوم) - إن الله يريد ان يدخل البشر معه في شركة، وهذا يتطلب أولاً ارتداد او اهتداء من الإنسان، ومن ثمّ استعدادًا للتوبة على مدى الحياة. والارتداد يعبّر عن تغيير الفكرة او الطريق، والعودة إلى او التراجع عن طريق أو عمل ما؛ أي الحياد عن طريق الشر والاتجاه نحو الله. - يدعونا يسوع إلى الارتداد إليه. وهذا هو الارتداد الأوّل والأساسي. الارتداد الثاني هو مهمّة مستمرّة ولا تتوقف في حياة الكنيسة، لأنها مقدّسة. القديس بطرس خير مثال عن الارتداد الثاني، ففاضت دموعه تعبيرًا عن التوبة. والدفاع عن الحق والعدالة، ومراجعة الحياة، ومحاسبة الضمير. ال Metanoya تعني تغيير الشخصيّة ككلّ. فلا أحد يرتدّ عن الخطيئة إذا لم يكن داخليّاً في حياته ككلّ يريد الإرتداد . التوبة تكون مرافقة لكلّ الوسائل التي تستخدم من أجل بناء شخصيّة مسيحيّة حقيقيّة هي الأساس الذي من خلالها نستطيع بناء ذاتنا على صخرة المسيح . كلّ حياتنا هي عودة. بولس يقول أنّنا علينا خلع الإنسان العتيق من أجل لبس الجديد . توبوا وآمنوا تعني مسيرة حياة علينا أن نعيشها . بالمعمودية نال المعمّد برّ الله وغفران الخطايا، ولكن بعد العماد يسقط المُعمد في الخطيئة مرارًا وتكرارًا، فكان على الكنيسة أن تُذكر المؤمن المعمّد بالتوبة والرجوع إلى البرّ التي وهبه الله إياه في المعمودية. فسرّ التوبة هو للذين سقطوا بعد نوال سرّ المعموديّة، وهو ضروري للخلاص، كما ان سرّ المعموديّة ضروري للذين لم يولدوا ولادة جديده بالعماد. بقوة يسوع المسيح وعلى مثال المسيح الذي أخذ طريق الفقر والتقشّف. - تسميات للتوبة حيث تُحقق رغبة يسوع إلى الارتداد إليه، "سرّ التوبة"، لأنها تمثّل مسعى شخصي للاهتداء والتكفير داخل الكنيسة. "سرّ الغفران"، لأن الله يمنح غفرانه للتائب بواسطة الحلّة التي يمنحها الكاهن. "سرّ المصالحة" لأن التائب يتصالح مع الله ومع نفسه والأخرين - من هو بحاجة إلى التوبة؟ هو الإنسان الذي يعرف إنه خاطئ ويسعى إلى التوبة عن خطاياه. ومثالاً على ذلك في الكتاب المقدس عند داود الملك عندما وبخه ناثان النبي، وخطيئتي امامي في كل حين"، فلا تموت أنت". فاعتراف داود بخطيئته جعلته ينال الغفران من الله. بحيث يرجع الشخص بكليته إلى الله، ومن ثم يقدّم توبته له. ب- التوبة معناها أيضًا الندامة، وهنا تظهر التوبة مثل الارتداد فهي ليست شعوراً سطحياً بل انقلابًا حقيقيًا للنفس. ج- التوبة هي الحركة التي يبرز معها مشاعر الارتداد إلى الخارج. وهذا الفعل يعني إعادة الاتزان والانسجام للعلاقة مع الله، وتغيير الاتجاه حتى ولو كلّف ذلك نوع من التضحيّة مع نكران للذات. - التوبة وتربية الضمير: الضمير هو كالعين الباطنة، وهو نوع من الحسّ الأدبي الذي يرشد إلى تمييز ما هو الخير وما هو الشرّ. لذا من الضروري تثقيف الضمير تثقيفًا مسيحياً، لكي لا يكون طاقة هدّامة لإنسانيّة الإنسان، ولكي يبقى هو المكان المقدّس الذي يكشف الله فيه خيره لصالح الإنسان. لذا يجب تربية الضمير وعدم تركه على سجيته. فكما ان العقل يُربى ويثقّف، فأيضاً على الضمير أن يُربى ويُثقّف لكي يُتيح للإنسان استخدام الحريّة والأحكام والقرارات من أجل خير الإنسان والبشريّة كلها. فطالما أنّ الإنسان يترجم حالته الداخليّة بمواقع وتصرّفات وأفعال فإن هذه التعابير تدخل في صلب مفهومنا للحضور الداخلي أيّ لمستوى العلاقة الإيمانيّة القائمة بين الإنسان والله. وهي تحمل صفات القناعة العميقة التي تحرّك أفعال التوبة المتلاحقة. فالموقف هو الأساس، ومن دونه لا مجال للتوبة والعودة عن الخطيئة (تصبح العودة من دون أيّ معنى). والحياة الأدبيّة المسيحيّة لا يمكنها تجاهل هذا الموقف الأساسي بل هي النتيجة المباشرة له، تجد فيه جذورهاأوليس الإيمان بالله هو مبدأ الحياة المسيحيّة بصورة عامّة؟ وهنا يجب الملاحظة إلى انّ هذا الموقف الأساسي ليس بموقف جامد إنّه يتجدّد من خلال الظروف التي تعرض على الإنسان إمكانيّة القيام بفعل ما. - التوبة الأولى والخيار العميق: في الكنيسة الأولى اعتبرت المعموديّة التوبة الأولى إنّها السرّ الذي يغفر الخطيئة الأصليّة وكلّ الخطايا المرتكبة بعد الخطيئة الأصليّة. قبل المعموديّة في الأجيال الأولى كان هناك مسيرة تنشئة للتائب (موعوظين) الإكتساب القاعدة المسيحيّة وخاصّة الإتجاه الأدبي. هذه التوبة الأولى كانت أساس الممارسة الحياتيّة اللاحقة. خلال فترة التنشئة كان الطالب يتحسّس الدعوة الذي سوف يلتزم بها بعيداً عن الخطيئة. كانت التوبة الأولى تحمل زخماً بالنسبة للحياة وممارستها. وحسب نصوص الآباء نفهم ونميّز بين التوبة الأولى (المعموديّة) وبين فترة ثانية طرحت فيها مسألة تحديد التوبة - إذا سقط مجدّداً في الخطيئة بعد المعموديّة . الحلّ كان انتظاره ساعة الموت ليقبل مجدّداً السرّ من جديد . فما هو بداية في المعموديّة ( التوبة الأولى ) بات يحتاج إلى قرار جديد يتّخذه الإنسان ويكون شبيهاً بالموقف الأساسي الذي اتخذ في المعموديّة . أمّا في الأجيال اللاحقة التي باتت تعطي المعموديّة إلى كلّ الأعمار أصبحت التنشئة التي كانت تعطى قبل التوبة الأولى ضروريّة لتمكّن الإنسان من اتخاذ خياره العميق (الإيمان) وهكذا تأخذ التوبة الأولى في معناها التاريخيّ حجمها الصحيح من خلال المعنى والمضمون الذين يعطيان لها في مراحل التوبة اللاحقة. (تغيير الممارسة لم يغيّر المضمون). التوبة هي هبة من الله ومغفرة: قلنا أنّ الإعتراف بأولويّة الله في حياتنا هو أساس كلّ توبة ومحرّكها. فجوهر التوبة هو في تصحيح العلاقة الأساسيّة مع الله. التوبة تتخطّى حدود الكنيسة كمؤسّسة ولو كانت الكنيسة هي الوسيلة والأداة للممارسة. العلاقة تمرّ بالكنيسة. وهنا ندخل في إطار العلاقة الإيمانيّة ككلّ التي تحدّد جواب الإنسان على دعوة الله. وبصورة معيّنة إنّ النظرة إلى الإنسان وإلى الحياة كهبة من الله وإلى الخلاص كنعمة وهبت بواسطة المسيح. هي التي تحرّك من الداخل مسيرة التوبة. كلّها مبرّرات لوجود شعب الله فالكنيسة هنا هي الوسيلة التي تبلغ بالمؤمن إلى توبته. فإذا كانت الحياة هبة من الله والخلاص نعمة منه فعلى الإنسان أن يدين بوجوده الله خالقه ويستوحي هذا الوجود. وفي طريق الخلاص تجدّدت هبة الله وأصبحت في مواجهة خطيئة الشعب والإنسان مغفرة. الدعوة إلى التوبة التي كان الأنبياء يدعوها للشعب أوسّست على الدعوة الإلهيّة لتجديد وعد الله بمغفرة خطايا شعبه. المغفرة من قِبَل الله كانت تحثّ المؤمنين على تجديد أمانتهم. أصبحت مغفرة يشعر الإنسان من خلالها أنّ هبة الحياة ووعد الخلاص لم يُقطعا عنه بل هما مستمرّان بالرغم من ضعفه وخيانته. فإذا كانت هناك توبة أيّ دعوة إلى الله بصفته الركيزة الأولى للحياة، فالفعل في ذلك يعود إلى محبّة الله الخلاصيّة التي تتجسّد في علاقة مع الإنسان، وكلّ إنسان يجب أن يشعر بهذه المحبّة كي يبدأ مسيرة التوبة فيها. على الإنسان أن يفهم إنّ تدخّل الله في حياته هو الأساس الذي يمكنه أن يبني عليه توبته. عمل إرادة الإنسان هنا ترتكز على قبول إرادة الله وتتميم وصاياه. - التوبة هي مسيرة إنجيليّة: إنّ كلمة الله تؤسّس الحياة. توجّهها في العمق أيّ في المفاهيم الأساسيّة التي عليها ترتكز. إنّها ترسم الهدف وتدعو الإنسان إلى بلوغه دون التوقّف في مرحلة محدودة من مراحل الحياة بإعتبار أنّها المرحلة الأخيرة. لا أنظر إلى ما ورائي بل أنبسط إلى ما قدّامي (بولس) وهذا يعني أنّ التوبة كمسيرة لها علاقة خاصّة بمضمون الرجاء المسيحيّ. إذا ليس لي علاقة بالرجاء فلا زخم بالتوبة. التوبة بالإنجيل هي المسيرة نحو ملكوت الله فهي وإن استخدمت مختلف الوسائل للتعبير عن هويّتها (من هذه الوسائل: التعليم، الحياة الليتورجيّة، وغير ذلك تبقى التوبة بعيدة عن حياة الله. 2- التوبة والحياة الكنسيّة: في ذهنيّة بعض المؤمنين إن لم نقل عند الأكثريّة تحمل الصيغة المتكاملة التي تمارس من خلالها مسيرة التوبة جنوحاً عن مضمونها الصحيح والتعبير عن هذا الجنوح يظهر في استخدام كلمة أو عبارة سرّ الإعتراف ولم تدخل عبارة " سرّ المصالحة " في هذه الذهنيّة ( مسؤوليّة التعليم ) هذه التسمية " سرّ الإعتراف " هي تحجيم لكلّ الغنى الروحي الذي تحمله مسيرة التائب في عناصرها المتكاملة ( الندامة ، الإقرار، الكفّارة، الحلّة ) والتركيز على الإعتراف بمفهوم للتوبة يجعلها ( مسيرة المؤمن ) عملاً خاصاً بين المؤمن والكاهن مع ما تحمله هذه الممارسة من مشكلات خاصة خطر تغطية وتجاهل دور الكنيسة كجسم سرّي في مسيرة التوبة . - ميزة هذه التوبة الكنسية: الفكرة الأساسيّة هنا هي أنّ الكنيسة جسم المسيح السرّي لها علاقة مباشرة بمسيرة التائب ( راجع دستور عقائدي في الكنيسة عدد 11) وهذه العلاقة هي علاقة العضو في الجسد ينتج عنها تأثير مباشر على مسيرة الرسالة الإنجيليّة التي تحملها الكنيسة والتي ترتكز على حياة أعضائها المدعوّين إلى الشهادة لها. لذلك فإنّ الدعوة إلى تصحيح الحياة ليست مسألة فرديّة محدودة في حياة الفرد بل هي مسألة جماعيّة وكنسيّة بقدر ما يحمل المؤمن في حياته صفة الإنتماء الكنسي وبقدر ما يستفيد من نِعَم الحياة الكنسيّة الخاضعة في نهاية الأمر إلى مبدأ واحد وهو حضور المسيح السرّي فيها. المبدأ الثنائي لهذه الميزة: كيف تظهر هذه الميزة الكنسيّة؟ إنّ المؤمن المسيحيّ بصفته عضواً في جسد المسيح السرّي يشترك بصورة فاعلة بسرّ الفصح الذي يؤسّس الحياة المسيحيّة والكنسيّة ما معنى هذا الإشتراك؟ الميزة الاساسيّة لهذا الإشتراك التغيّر الذي يحصل في حياة المؤمن من إنسان عتيق إلى إنسان جديد. ولا شكّ أنّ هذه الميزة التي تمارس من خلال التوبة إنّها تحمل فرادة تبلغ بالإنسان إلى اكتشاف علاقة ثلاثيّة الابعاد. المؤمن - الكنيسة وبين الإثنين شخص المسيح. التوبة يجب أن تحمل هذه الأبعاد الثلاثيّة من الناحية السرّيّة وليس الظاهريّة التي تتغيّر بالمسلك العام أيّ في نيّة التائب وحالته الداخليّة. وجود المسيح هو أمر أوّلي. كتعبير للتوبة عن هذه الميزة الاساسيّة لا بدّ أن تمرّ بالأساس: الفصح سرّ قيامة المسيح. الكهنوت العام وكهنوت الخدمة: المؤمن المسيحيّ يحقّق كهنوته العام من خلال ممارسته الأسرار وكلّ سرّ يمارسه المؤمن يحمل صفة تبادليّة أيّ أنّه لا يمارس فقط من طرف واحد . المعموديّة مثلاً التي هي أساس الأسرار هذه المعموديّة تعطي المؤمن إمكانيّة ممارسة كهنوته العام تعبير بادىء أيّ بدء عن الدخول المباشر في مسيرة التوبة والصفة التبادليّة هنا هي ما يعطي المؤمن كيانة أو شخصيّته الجديدة إنطلاقاً من دور النعمة في حياته وقبول الإرادة للإيمان . وفي سرّ التوبة تظهر هذه الصفة من خلال الترابط بين الكهنوت العام وكهنوت الخدمة للأسقف والكاهن باعتبار أنّهماضمن الكنيسة في جسد المسيح السرّي ولهما دور يندرج تحت إطار المسؤوليّة الرعويّة بشكل عام وهما من صلب تكوين جسد المسيح السريّ فلا يمكن الإكتفاء بالكهنوت العام كطريق لممارسة التوبة وتجاهل كهنوت الخدمة الذي هو جزء مكمّل لحقيقة الكنيسة . ومن جهّة أخرى فإنّ التوبة التي تبدأ في قلب الإنسان المسيحيّ تلتقي بالحياة الكنسيّة ككلّ المرتكزة على مبدأ الحياة الجديدة ونجد تعبيرها في مصالحة ظاهرة بين المؤمن وجسد المسيح السرّي الذي ينتمي إليه . لذلك تبدو العلاقة بين صفة المؤمن وصفة الكنيسة بتوجيهيها العام والوظيفي أساسيّة لكيّ يعبّر المؤمن عن حالته الداخليّة في قلب الحياة الكنسيّة وكأنّ الكنيسة هي باب العبور إلى العالم الذي يشهد فيه التائب بحياته الجديدة بالمسيح . 3- الإحتفال الجماعي بسرّ التوبة: إظهاراً للميزة الكنسيّة التي تكلّمنا عنها يبدو الإحتفال الجماعي بسرّ التوبة إطاراً يعكس هذه الميزة وهو أمر تحبّذه وتشجّعه الكنيسة لأنه يهدف إلى إظهار الرابط العميق بين الحياة الفرديّة للمؤمن وإنتمائه الكنسيّ وهو جزء من المسؤوليّة التي تمارسها الكنيسة تجاه الشعب وليس فقط تجاه الأفراد . وهذا الإحتفال الجماعي محدود في معناه وفي اساليبه وهو لا يحتلّ مكان التوبة الفرديّة ولا يغطّي ممارسة الإقرار الفردي للخطايا طالما أنّه هناك إمكانيّة لممارسته، إنّما يهدف مباشرة إلى ممارسة التنشئة الجماعيّة على سرّ التوبة وهو يهيّء المؤمنين للتقدّم من هذا السرّ ويوفّر في الحالات العاديّة الإرشاد الخاص الذي يُعطى للتائب بعد أن يُقرّ بخطاياه . - عناصر التوبة - الندامة: هي ألم النفس والعزم على عدم الوقوع في الخطيئة مع ترك الحياة القديمة. وترافق الندامة ثقة برحمة الله، وهذه الثقة تجعل المؤمن يتصالح مع الله قبل نوال سرّ الغفران الفعلي. ومن يقوم بالندامة فقط ولا يتقدم لسرّ المصالحة فهو في ندامة غير تامة. إنّ المصالحة التي حقّقها الله بواسطة المسيح تصل إلى قلب المؤمن الذي يرفض التمسّك بموقفه المناهض لإرادة الله ولا تكون الندامة نتيجة لهذا الموقف بل تتأسّس على قبول لتعبير الله الخلاصيّ أيّ على موقف إيجابي يسمح للمؤمن بأن يترك فعل الخطيئة الذي تمّ ويقصد التغيّر الذي يلقى صداه من خلال الإلتزام بالجواب الصحيح على دعوة الله إستناداً إلى المقاييس التي وضعت من المسيح . فالندامة يتّسع إطارها بقدر ما هي حقيقيّة ليشمل حياة التائب العامّة وعلاقته بالمسيح وبهذا المعنى تتخذ صفة الكمال ( ندامة كاملة ) لأنّها تطال حقيقة الله وحقيقة الإنسان ولا تنظر إلى أيّة منفعة أخرى . إنّها تندرج في إطار الدعوة التي ترسم غاية الحياة وهي تمجيد الله والإتحاد به. وفي هذا المجال تأخذ الندامة صفة العلاقة الشخصيّة مع الله وليس فقط علاقة المؤمن بالقواعد الأدبيّة التي تحرّم أو تسمح بهذا الفعل أو بذاك. إن المسيح أسّس في كنيسته سرّ التوبة، لكي يَقبل المؤمنين الذين نالوا أولاً سرّ العماد، نعمة المصالحة مع الله بعد السقوط في الخطيئة. إن الذين يتقدمون إلى سرّ التوبة يقبَلون في هذا السرّ رحمة الله وغفرانه، ويتصالحون مع الله والكنيسة في الوقت عينه. ففعل التوبة الجوهري هو فعل ندامة، أي رفض الخطيئة المرتكبة رفضاً قاطعاً، والسعي الدائم لعدم الرجوع إليها وارتكابها مرّه أخرى. وهذا القصد في عدم الرجوع للخطيئة، هو تعبير عن محبة الإنسان لله، فالندامة هي مبدأ الارتداد، وهي لب هذا التغيير الذي يعود بالإنسان إلى الله، فندامة القلب تُشعل فعل التوبة في الإنسان، - الإقرار : التكفير، هي أعمال صلاح يقوم بها التائب إزاء ما قام به من خطايا، ويمليها عليه الكاهن في سرّ التوبة. وهذه الأعمال هي من أجل أن يبتعد الإنسان عن الخطيئة، ولتجعله أكثر فطنة وسهراً في المستقبل. واعمال التكفير هي من أجل القيام بأعمال منافية للخطيئة، لكي يعلم ويتعلّم التائب أعمال الخير، لمساعدته على نبذ الأعمال الخاطئة. إنّه العنصر الذي يَطرح رعائيّاً أكثر المشكلات المتعلّقة بسرّ التوبة مثلاً : صحّة الإقرار( هل هو صحيح أم لا ؟. من جهّة على المؤمن أن يكون عارف بالخطايا أو هل هو ملتزم بإقرار هذه الخطيئة أم لا ) صحّة الإقرار شرط من شروط التوبة الصحيحيّة . صعوبة الإقرار الجيّد صعوبات نفسيّة أو من المعرّف . ويجب أن تفرض الندامة ذاتها بواسطة الإقرار إذا ما أرادت أن تكون صحيحة أيّ متّصلة بحياة المؤمن الكنسيّة وليست مجرّد مشكلة خاصّة . وهنا يجب على المعرّف أن يميّز جيّداً بين العوائق النفسيّة وبين مضمون الإقرار الإيماني . فغالباً ما نخلط بين موقف المؤمن الذي لا يعبّر تماماً عن قلّة إيمان وبين موقفه الذي ينتج عن قلّة نضوج نفسانيّ من خلال علاقة غير سليمة مع الآخر . الاعتراف بالخطأ في عملية التوبة هو عمل يعمّق فعل التوبة. فالاعتراف علامة يُظهرها المؤمن أمام الكنيسة ليعترف بأنه خاطئ ولكنه محبوب من الله، وهذا الاعتراف يحرّر الإنسان من خطيئته ويجعله إنساناً حرًا ناضجاً يتحمّل مسؤولية أفعاله. ففعل الاعتراف بالخطايا هو عمل شجاع، وعمل تسليم الذات للرحمة الإلهيّة الغافرة. وهو عمل يعترف فيه المؤمن بان الخطيئة تطال الجميع المجتمع والكنيسة، - إلحاق الضرر بالآخرين يلزم التكفير = السرقة إعادة إعتبار للشخص المفتري عليه - التكفير يجب أن يعني بوضع التائب وأن يستهدف خيره - - التكفير في الكتاب المقدس - يذكر العهد القديم كثيراً فعل التكفير، حيث تُقدّم الذبائح تكفيراً عن الخطايا، لدرجة ان لدى الشعب العبراني عيد يسمى "يوم الكفارة العظيم" حيث يقدّم الكاهن الذبائح ويرش الدم على غطاء تابوت العهد، تكفيراً عن خطايا الشعب. امّا العهد الجديد نجد قليلاً كلمة تكفير في (رومة 3: 25، 1يوحنا 2: 4، 2: 10) ومع هذه الندرة نجد فكرة التكفير ترد كثيرا بمعنى التشبيه، حيث تشبّه المسيح برئيس الكهنة في يوم التكفير، ودمه يراق من أجل مغفرة خطايانا. - يأتي مفهوم التكفير في اللغات الحديثة بمعنى العقاب، حتى ولو لم يكن العقاب يهدف إلى الإصلاح. ولكن نجد كلمة تكفير في اللغة اللاتينيّة (expiare) تأتي بمعنى "طهّر" أي جعل شيئًا او مكانًا او شخصًا ما مرضيًا أمام الله، لذا كل تكفير يفترض وجود حالة غير مرضيّة قبل التكفير، وهذه هي الحالة الخطيئة. وأستطاع القديس (ايرونيموس) أن يترجم فعل التكفير من العبرية إلى معنى "يصلّي" او "يتشفّع". فبما أن الخطيئة تمثّل تمرد الإنسان على الله، وتجله مرضيًّا أمامه. - الرسالة إلى العبرانيين تصف المسيح يدخل إلى قدس الأقداس كرئيس الكهنة الذي يقدم الذبائح كفارة عن الشعب، فالمسيح قد قدّم نفسه كفّارة "شفيع" عن الجميع. وبذلك صار المسيح ذاته قمّة الشفاعة لجميع البشر. فعلى البشر ان يكونوا على استعداد داخلي لاستقبال هذه الشفاعة التي وهبنا إياها المسيح بدمه. وعلى المؤمنين أن يقوموا هم أيضاً بفعل التكفير والذي نعني به هنا "يصلّي" كما ترجمة القديس (ايرونيموس)، فالتكفير هنا يعني عمل روحي يعبّر عن عمل خارجي وهو عمل المسيح. والتكفير البشري لا يستهدف تغيير مشاعر الله، بل ان يكون الإنسان مهيئ لاستقبال عطية الله. الحلّة -الفضيلة الإنسانيّة وسيلة للتوبة الفضيلة هي استعداد ثابت وعادي في الإنسان للقيام بالخير، وهي تُتيح للإنسان ليس فقط أن يقوم بأعمال الخير والصلاح، إنّما أن يعطي أفضل ما فيه من خير وصلاح. والإنسان الفاضل يسعى بكل قواه الروحيّة والحسّيّة إلى الخير، ويبحث عنه ويمضي وراءه ويختاره بأفعال واقعيّة.