الاتجاهات النقدية في القرن الرابع أبو تمام - المتنبي - أرسطو، واضطروا النقاد إلى أن يتعمقوا سبر غور العلاقة بين النظر والتطبيق فيحققوا للنقد شخصية متميزة بعض التميز. وقد استعمل النقد في هذه المجالات جميع الوسائل التي ورثها من العصر السابق، ومن الطبيعي أن نجد أبا تمام يشغل النصف الأول من القرن الرابع وأن يقابله المتنبي في النصف الثاني، وأن يظل التمرس بالثقافة اليونانية مستمراً طوال القرن، ولا نعرف عنها شيئاً سوى الأسماء: ذلك من كتاب "المدخل إلى علم الشعر" لمحمد بن الحسن بن يعقوب العطار (- ٣٥٥) وكتاب "الترجمان في الشعر" للمفجع البصري (- ٣٢٧) (١) و "كتاب الشعر" لمحمد بن الحسين بن محمد الفارسي أبن أخت أبي علي الفارسي (- ٤٢١) وكتاب "خضارة" في نعت الشعر لأبي الحسين أبن فارس (- ٢٩٥) . أما ما أورده أبن فارس في كتاب الصاحبي عن الشعر فإنه كرر فيه تعريف قدامة بن جعفر للشعر بأنه "كلام موزون مقفى دال على معنى" ثم زاد على ذلك قوله "ويكون أكثر من بيت" حتى ينفي من الشعر ما جاء موزوناً اتفاقاً؛ (١) ياقوت ١٧: ١٩٤، ويبدو أن هذا الكتاب يتناول الموضوعات، فقد جاء على حدود وهي: حد الأعراب، حد الحلم والرأي، ومن ملاحظاته التي تستحق التنويه قوله في تفاوت الشعراء "وقد يكون شاعر أشعر وشعر أحلى وأظرف فأما أن تتفاوت الأشعار القديمة حتى يتباعد ما بينها في الجودة فلا" (١) ، النقد في اختيار الخالدين المسمى الأشباه والنظائر ويمثل هذا الكتاب عودة إلى إبراز روائع الشعر الجاهلي وشعر المخضرمين حين وجد المؤلفان أن إقبال الناس على المحدثين قد طغى على كل ما عداه، وتعليقات الخالديين تتفاوت بين شرح للمعنى أو التنويه بحسن التشبيه أو حسن التقسيم أو جودة المعنى وأشباه ذلك؛ (٣) الأشباه والنظائر ٣: ٣. الاتباع "(١) ويوردان قطعة لمسلم بن الوليد يصف فيها مشي امرأة ثم يعلقان على ذلك بقولهما" لولا أن شرطنا ألا نقدم في هذا الكتاب إلا أشعار المتقدمين ثم نأتي بعد ذلك بالنظائر للمحدثين والمتقدمين لكان سبيلنا أن نجعل هذه الأبيات الأمام في هذا المعنى لجودة ألفاظها وصحة معانيها وإنها واسطة القلادة في هذا المعنى "(٢) . النقد في تشبيهات أبن أبي عون وهناك اختيارات اعتمدت قاعدة صورية لا موضوعية أو جمعت بين الاثنتين جاعلة الأولى هي الأساس المقدم، ومن الطريف أن أبن أبي عون يرى الشعر قائماً على ثلاثة أنحاء: المثل السائر والاستعارة الغريبة والتشبيه الواقع النادر (٤) وإنما خرج عن هذه الأقسام الثلاثة فكلام وسط أو دون طائل فيه ولا فائدة معه، (١) الأشباه والنظائر ١: ١٧١. (٢) نفسه ١: ٢٠٦. (٣) أنظر ج ٢: ٢٨٢. (٤) التشبيهات: ص ١ - ٢. وقد وعد أبن أبي عون أن يتبع كتابه في التشبيهات بكتاب في الاستعارة وكتاب في الأمثال؛ وقد كثرت العناية بالتشبيه في القرن الرابع وأفردت فيه مؤلفات، وكتاب "روائع التوجيهات في بدائع التشبيهات" لنصر بن يعقوب، إلى أن تتضاءل القصيدة في نظر النقاد بحيث تصبح عدداً من الصور المختارة لروعتها. السرقات في نقد القرن الرابع ومما وصلنا في هذا الموضوع "سرقات أبي نواس" لمهلهل بن يموت بن المزرع (- ٣٣٤) ؛ وتذكر المصادر كتاباً عاماً في السرقات لجعفر بن محمد أبن حمدان الموصلي (- ٣٢٣) ، وسنتحدث في الصفحات التالية عن أهم الظواهر النقدية في القرن الرابع، (٢) اليتيمة ٤: ٣٨٩ - ٣٩٠. على أن نذكر أن النقد المتأثر بالثقافة اليونانية كان من أقل التيارات ظهوراً في مجال التطبيق لأمور تتبين أثناء العرض المسهب لذلك الاتجاه، اعتماد الذوق الفني في إنشاء نظرية شعرية (عيار الشعر لابن طباطبا - ٣٢٢) إذ يبدو انه أطلع على مقدمة "الشعر والشعراء" وأفاد من الأحكام والنظرات التي وردت فيها، وكانت لديه أثارة من ثقافة فلسفية أو اعتزالية أفادته في تعميق نظرته عامة وإن لم تلهمه أحكاماً بعينها، (١) انظر ترجمته في ياقوت ١٧: ١٤٣ والوافي ٢: ٧٩ ومعجم الشعراء للمرزباني: ٤٢٧ والفهرست: ١٣٦. (٢) أشار محققا الكتاب إلى تأثره بابن قتيبة (انظر المقدمة: ط) . تعريف الشعر عند أبن طباطبا ويجب أن نقر بأن هذا التعرف على قصوره لم يتعرض لذكر التقفية التي سيتعرض لها قدامة بقوة، ثم يتناول - كما تناول ابن قتيبة قبله - ثقافة الشاعر فينص على ضرورة "التوسع في علم اللغة والبراعة في فهم الأعراب والرواية لفنون الآداب والمعرفة بأيام الناس وأنسابهم ومناقبهم ومثالبهم والوقوف على مذاهب العرب في تأسيس الشعر والتصرف في معانيه، اتباع السنة العربية في الشعر وهو على تضييقه في هذه الاتباعية ينفذ إلى أغوار عميقة توضح انه لا يرى الشعر شيئاً منفصلاً عن البيئة والمثل الأخلاقية وإن لم يستطع أن يطبق على معاصريه قانون "تغير البيئات والأزمنة" . (١) عيار الشعر: ٤. ومنها في الخلق: السخاء والشجاعة والحلم والحزم والعزم والوفاء والعفاف والبر والعقل والأمانة؟. ولكن يبدو أن كلاً من الناقدين كان يعمل على حدة دون أن يتأثر أحدهما برأي الآخر أو يسمع به. للعرب إذن طريقة خاصة في التشبيه من وحي بيئتهم ولهم مقاييس يعتمدونها في المدح والذم؛ ولهم أيضاً سنن من معتقدات لا تفهم معانيها إلا بالتحصيل، وهي أشبه بالمنجم الأسطوري الذي لا بد للشاعر أن يغترف منه عند الحاجة، كسقيهم العاشق للماء على خرزة تسمى السلوان، وكضربهم الثور إذا امتنعت البقر عن الماء، وكحذف الصبي منهم سنه إذا سقطت في عين الشمس، وكل ذلك يمثل "السنة" الكبرى التي يجدر بالشاعر ان يثقفها ليجيء شعره كأشعارهم. (١) عيار الشعر: ١١. (٣) انظر عيار الشعر ٣٢ - ٤٠. الشعر نتاج الوعي المطلق غير أن هذا الالتزام بالسنة - لدى ابن طباطبا - لا يعدو مرحلة الاستعداد والتثقيف والدرس والتحصيل، لأنه لا يلبث عند الخوض في طريقة بناء الشعر أن يقضي قضاء مبرماً على ما سماه النقاد بشعر الطبع عند العرب، وتعد نظرته هذه ابتعادا صارخاً عن مفهوم "الغريزة" إذ يصبح الشعر لديه "جيشان فكر" - قائماً على الوعي التام المطلق، خاضعاً للتفقد في اللفظة بعد اللفظة والشطر بعد الشطر والبيت أثر البيت، فهو لا يعترف بطاقة تنظم السياق أو انفعال يبعث تدافع القول، وقد تأتيه أبيات غير متناسقة فيأخذ في تنسيها حتى تطرد وتنتظم، فإذا انتهت القصيدة عاد عليها يحاكم ألفاظها فاستغنى عن كل لفظة مستكرهة ووضع بدلها لفظة سهلة نقية، "وغن اتفقت له قافية قد شغلها في معنى من المعاني واتفق له معنى آخر مضاد للمعنى الأول وكانت تلك القافية أوقع في المعنى الثاني منها في المعنى الأول، ويقول أيضاً في موضع آخر من كتابه: "وينبغي للشاعر أن يتأمل شعره وتنسيق أبياته ويقف على حسن تجاورها أو قبحه، فيلائم بينها لتنتظم معانيها له ويتصل كلامه فيها ولا يجعل ما قد ابتدأ وصفه أو بين تمامه فصلاً من حشو ليس من جنس ما هو فيه؟ كما انه يحترز من ذلك في كل بيت. فلا يباعد كلمة عن أختها ولا يحجز بينها وبين تمامها بحشو يشينها. (١) عيار الشعر: ٥. (٢) عيار الشعر: ١٢٤. تضاؤل المسافة بين القصيدة والرسالة أما ابن طباطبا فمحا الفروق بين القصيدة والرسالة النثرية في البناء والتدرج واتصال "الأفكار" : "إن للشعر فصولاً فصول الرسائل فيحتاج الشاعر إلى ان يصل كلامه على تصرفه في فنونه صلة لطيفة فيتخلص من الغزل إلى المديح، في انتباه أولها بآخرها نسجاً وحسناً وفصاحة وجزالة ألفاظ ودقة معان وصواب تأليف" (٣) . ومن ثم يضع ابن طباطبا معياراً للشعر المحكم المتقن وذلك انه إذا نقض بناؤه وجعل نثراً لم تبطل فيه جودة المعنى ولم تفقد جزالة اللفظ (٤) . (١) عيار الشعر: ٦. الوحدة في القصيدة وحدة بناء ويشبع كل صبغ منها حتى يتضاعف حسنه في العيان" وتارة هو كناظم الجوهر يؤلف بين النفيس الرائق ولا يشين عقوده برص الجواهر المتفاوتة نظماً وتنسيقاً (٢) . حتى تخرج القصيدة كأنها مفرغة إفراغاً؟ لا تناقض في معانيها ولا وهي في مبانيها ولا تكلف في نسجها (٤) - صنعة خالصة لا تنبعث فيها حركة من نمو ولا تمازجها حياة عضوية، (١) عيار الشعر: ٥. (٢) نفسه: ٥ - ٦. (٤) نفسه: ١٢٦ - ١٢٧. قلة المعاني لدى الشاعر المحدث وطريقته في تحصيلها وقانون ابن طباطبا شبيه بما ذكرنا عن غيره من النقاد في القرن الثالث: "وإذا تناول الشاعر المعاني التي قد سبق إليها فأبرزها في أحسن من الكسوة التي عليها لم يعب بل وجب له فضل لطفه وإحسانه فيه" (٢) . كيف يمكن للشاعر أن يأخذ المعنى من غيره بحيث يخفى أخذه على النقاد؟ إن من يعلم الشاعر كيف يصنع قصيدته بيتاً بيتاً بل كلمة كلمة لابد له من ان يعلمه طريقة من السرقة لا يناله فيها الحد: على الشاعر ان يستعمل "المعاني المأخوذة في غير الجنس الذي تناولها منه، (١) عيار الشعر: ٩. (٣) نفسه: ٧٧ - ٧٨. التي عهد عليها واظهر الصباغ ما صبغه على غير الذي عهد قبل، التبس الأمر في المصوغ وفي المصبوغ. صورة العلاقة بين اللفظ والمعنى وحين قلنا إنها وحدة لا تنبعث فيها حركة من نمو كنا نشير إلى هذا المجاز "المعدني" أو "الصباغي" الذي قد استولى على خياله، وهو ينسب هذا الرأي لبعض الحكماء: "والكلام الذي لا معنى له كالجسد الذي لا روح فيه كما قال بعض الحكماء: الكلام جسد وروح، فجسده النطق وروحه معناه" (٢) وذلك تصور يجعل الصلة بين اللفظ والمعنى عند ابن طباطبا أوضح مما رسمه ابن قتيبة، وأشعار مستكرهة الألفاظ قلقة القوافي رديئة النسج (دون إشارة ما تتضمنه من المعاني) ، (١) عيار الشعر: ٧٨. تأثير الشعر - كنظمه - عميل عقلي خالص عن طريق جمال "الاعتدال" مثلما ان كل حاسة تلتذ بما يليها وتتقبل ما يتصل بها: "فالعين تالف المرأى الحسن وتقذى بالمرأى القبيح الكريه، ولكن سرعان ما تصبح هذه المتعة نفسها وسيلة أخلاقية لان الحالة اللذية التي يقع فيها المتلقي تتجاوز فادتها حد الاستمتاع بالجمال، ويكون اثر الشعر الجميل عندئذ أن يسل السخائم ويحلل العقد ويسخي الشحيح ويشجع الجبان (٢) ، ومع ان الناقد يربط بين الغايتين اللذية والأخلاقية فانه اكثر جنوحاً إلى تأكيد المتعة الجمالية الخالصة، (١) عيار الشعر:١٤ وانظر أيضاً الصفحة التالية. (٢) عيار الشعر: ١٦. (٣) قد يقال أن "الفهم" مصطلح يتحمل التوجيه بحسب رأي الأقدمين لأنه قوة من قوى "النفس" ولكن ابن طباطبا واضح في هذا الموقف، فالمستمع الذي يفهم المعنى واللف مع اللحن طرباً من الذي يقتصر على طيب اللحن وحده (عيار الشعر: ١٥) . الصدق - يسبب الاتجاه العقلي - أساس الشعر لان هذا الصدق صنو للاعتدال الجمالي في حرم الفهم: "والفهم يأنس من الكلام بالعدل الصواب الحق؟. فهذا الصدق يعني السلامة التامة من "الخطأ" في اللفظ و "الجور" في التركيب و "البطلان" في المعنى، ضروب الصدق ومواطنه في الشعر وأزمة الشاعر المحدث بالنسبة للصدق ولكنه لابد من أن يتحقق أيضاً في الفنان نفسه وفي بعض عناصر العمل الفني، (٢) وهناك صدق التجربة الإنسانية عامة وهذا يتمثل في قبول الفهم للحكمة "لصدق القول فيها وما أتت به التجارب منها" (٣) (١) عيار الشعر: ١٤. (٢) عيار الشعر: ١٥ - ١٦. وهنا يجيز ابن طباطبا للشاعر إذا اضطر ان يزيد أو ينقص على شرط أن تكون "الزيادة والنقصان يسيرين غير مخدجين لما يستعان بهما وتكون الألفاظ المزيدة غير خارجة من جنس ما يقتضيه، ولكن من المدهش أن نجد سذاجة ابن طباطبا او مثاليته ترى في كل الشعر قبل عصر المحدثين ما رآه عمر في زهير: "ومع هذا فان من كان قبلنا في الجاهلية الجهلاء وفي صدر الإسلام من الشعراء كانوا يؤسسون أشعارهم في المعاني التي ركبوها على القصد للصدق فيها مديحاً وهجاء وافتخاراً ووصفاً وترغيباً وترهيباً إلا ما قد احتمل الكذب فيه في حكم الشعر من الإغراق في الوصف والإفراط في التشبيه وكان مجرى ما يوردونه مجرى القصص الحق والمخاطبات بالصدق . (١) عيار الشعر: ٤٣. (٢) عيار الشعر: ٩. (٥) أما النوع الخامس من الصدق فهو الصدق التصويري أو ما يسميه ابن طباطبا "صدق التشبيه" وهو ينص عليه في غير موطن من كتابه؛ وأحسن التشبيهات ما إذا عكس لم ينتقض بل يكون كل شبه بصاحبه مثل صاحبه ويكون صاحبه مثله مشتبهاً به صورة ومعنى (٢) ، ما بال عينك منها الدمع ينسكب . مشلشل ضيعته بينها الكتب فما كان من التشبيه صادقاً قلت في وصفه "كأنه" أو قلت "ككذا" وما قارب الصدق قلت فيه: تراه أو تخاله أو يكاد (٤) ، ومتى تضمن الشعر صفات صادقة وتشبيهات موافقة وأمثالاً مطابقة تصاب حقائقها ارتاحت غليه النفس وقبله الفهم (٥) . (١) عيار الشعر: ٦. (٥) نفسه: ١٢٠ - ١٢١. جور مذهب ابن طباطبا على قوة الخيال والتشخيص في الشعر ولا يتضح لنا كم كان التزام ابن طباطبا بالحقيقة شديد الجناية على النقد إلا إذا نحن قرأنا بعض الشواهد التطبيقية لديه. تقول وقد درأت لها وضيني . أومت بكفيها من الهودج . حباً ولولا أنت لم اخرج فهذا إفراط لان "الإيماء" لا يتحمل كل هذه المعاني التي قالتها. تلخيص عام لموقفه النقدي وينفي الفرق بين القصيدة والرسالة إلا في النظم ويتصور الوحدة في القصيدة وحدة مبنى قائم على تسلسل المعاني والموضوعات. (١) عيار الشعر: ١٢٨. لذة كاللذة التي تجدها الحواس المختلفة في مدركاتها، وإذا كان الاعتدال ميزة للجمال في الكيان الكلي، فان الصدق - على اختلاف مفهوماته - هو الذي يهيئ الفهم لقبول المحتوى والتجربة؛ ذلك موقف نقدي فيه شذوذ حتى على بعض مفهومات النقد المعاصرة حينئذ. ٢ - الصراع النقدي حول أبي تمام أبو تمام لدى نقاد القرن السابق ويتضح مما جاء فيها انقسام الناس إزاءه - في دور مبكر - في فريقين، حتى جعل أبن المعتز أسباب التحامل عليه لجاجاً في الخصومة التي اضطلع بها من ينفرون من طريقته، وكان الجانب الأكبر من جهد نقاد القرن الثالث في مجالسهم وفي ما كتبوه عنه يميل إلى إبراز عيوبه؛ (٢) راجع الموازنة ١: ١١٠ - ١٢٩. وفي تعسفه للاستعارة وبعض وجوه البديع الأخرى وفي الابتداءات البشعة وفي استعماله لألفاظ وحشية غريبة وفي استغلاق بعض معانيه، رسالة أبن عمار القطريلي في أخطاء أبي تمام فكتب أحمد بن عبيد الله بن عمار القطريلي (- ٣١٩) (١) رسالة يبين فيها أخطاءه في الألفاظ والمعاني، ويقول أبن النديم أنه توكل للقاسم بن عبيد الله ولوالده وصحب أبا عبد الله محمد بن الجراح؛ بكفيك ما مريت في أنه برد ثم اكتفى بأن علق على البيت بقوله: هذا الذي أضحك الناس منذ سمعوه إلى هذا الوقت (٣) ؛ (١) أنظر ترجمته في الفهرست: ١٤٨ وتاريخ بغداد ٤: ٢٥٢ ومعجم الأدباء ٣: ٢٣٢ والوافي ج ٧ الورقة: ٨٣ وقد اختلف في وفاته فذكر الخطيب وياقوت أنه توفي سنة ٣١٤، (٢) الموازنة ١: ١٣٥. (٣) الموازنة: ١: ١٣٨. انتصار الصولي لأبي تمام وكان موقف بي بكر محمد بن يحيى الصولي (- ٣٣٥) رداً على أمثال أبن عمار ممن حاولوا أن يغمطوا أبا تمام حسناته، وهو يشكو في رسالته تسور المثقفين من أبناء عصره على ما لا يحسنون، وإن لهذا البيت صلة بما قاله الروم: "أن هؤلاء (يعني جيش المعتصم) إن أقاموا إلى زمان التين والعنب لا يفلت منهم أحد" (٣) ، كما أنه قد عاب العلماء على امرئ القيس ومن دونه من الشعراء القدماء والمحدثين أشياء كثيرة أخطأوا الوصف فيها؟ فما سقطت بذلك مراتبهم، الصولي يستنكر إبراز العيوب وإغفال الحسنات ومجمل رأي الصولي أن النقد لا يكون بإبراز بعض العيوب والتشهير بالشاعر من أجلها وإغفال ما له من حسنات كثيرة إزاءها؛ (١) أخبار أبي تمام: ٢٨. هذا وأبن المعتز ممن يروي عنهم الصولي شيئاً من أخبار أبي تمام. (٣) أخبار أبي تمام: ٣٠ - ٣١. (٤) المصدر نفسه: ٣٢. موقف الصولي من العلاقة بين الشعر والدين ونسب إليه بعضهم قوله وقد دخل عليه وبين يديه شعر أبي نواس ومسلم حين سأله الداخل عنهما: هما اللات والعزى وأنا أعبدهما من دون الله مذ ثلاثون سنة، وقد دافع الصولي عن هذه الناحية من زاوية صحة الخبر ومن زاوية النقد الأدبي فقال مصوراً موقفه النقدي: "وقد أدعى قوم عليه الكفر بل حققوه، وما ظننت أن كفراً ينقص من شعر ولا أن إيماناً يزيد فيه" ثم حاول أن ينفي عنه التهمة جملة بقوله: "فكيف يصح الكفر عند هؤلاء على رجل، الحق أن كتاب الصولي - رغم موقفه الدفاعي - يعد في كتب السيرة أكثر مما يعد في كتب النقد، (١) أخبار أبي تمام: ٣٨. غير أن كل من تعرض لأبي تمام كان في الغالب مضطراً للوقوف عند البحتري لأن الذين كانوا يغضون من شأن الأول كانوا؟ في الأكثر - يكبرون من الثاني. ولذلك لم يكتف الصولي بشهادة البحتري لأبي تمام بل وقف عند بعض المعاني التي أخذها البحتري إما أخذاً جزئياً وإما نقلاً للمعاني والألفاظ، بشر بن يحيى النصيبي وجهوده في الكشف عن سرقات البحتري ترى هل يشير الصولي بذلك إلى أبي الضياء بشر بن يحيى النصيبي؟ لقد ترجم ابن النديم للنصيبي هذا ترجمة موجزة (٢) . فإذا كانت إشارة الصولي تتوجه إليه فمعنى ذلك ان كتابه كان - ولابد - معروفاً قبل عام ٣٣٥. وقد وطأ أبو الضياء لبحث السرقات بقوله: "ينبغي لمن ينظر في هذا الكتاب أن لا يعجل بان يقول: هذا مأخوذ من هذا حتى يتأمل المعنى دون اللفظ ويعمل الفكر فيما خفي، (١) أخبار أبي تمام: ٧٩. (٣) معجم الأدباء ٧: ٧٥.