لأنه كَانَ لَا يردُّ أحدًا خَائِبًا ، لذلك باركَ اللهُ لَهُ فِي مَمْلَكَتِهِ وَاتَّسَعَتْ أَطرافُهَا . وَأَحبَّهُ شعبُهُ حبًّا جمَّا . وكان لذلكَ المَلكِ ابْنُ وَاحِدٌ في العاشرة مِنْ عُمْره أسماه فهدًا . كان فهد ولدًا مُطِيعًا جميل الصُّورَةِ، وَكَانت والدته الملكة فَخُورَةً بِهِ كثيرًا . وبذلت كلَّ مَا فِي وُسعها مِنْ أجل تنشئة طفلها الوحيد تَنْشِئَةً صَحِيحَةً. أراد أبوه الملك أن يكون عند حسن ظنّ شَعْبَه بِهِ. فعهدَ بِهِ إلى مُعَلِّم اسمه عبد الرحمن ليعلمه ويعده ليكونَ عَظِيمًا . وَكَانَ عبدُ الرحمن طَيِّبَ القلب ، وَكَانَا يخرجان معا إلى الحقول والغَابَاتِ فيدرِّبَهُ عبد الرحمن على الرماية والصيدِ وركوب الخيل . وقَدْ أَبدَى فَهْد شجاعةً نَادِرَةً جَعَلتْ مُعَلِّمَه يفخر به. وكان أبوه دَائِمًا يردِّدُ بثقةٍ وفخر : هذا الولد سيكون خير ملك لهذه المَمْلَكَةِ. حَتَّى إِنَّ غُرْفَتَهُ الخاصة كانتْ مُجاورةً لغرفة الأمير فهد ولا يفصل بينهما إلا باب صفير وفي يوم مِنَ الأيام ، مَرَضَ الملك مرضًا شديدًا. ولما شعر الملك بِدُنُوّ أَجَله. طلب زوجته الملكة وَابْنَهُ ومعلمة عبد الرحمن… فتح الملك عينيه للمرة الأخيرة. وكان يُحملق في الهواء ويردِّدُ بضعف شَديدٍ : أَشفق عليكَ يَا بُنيّ مِمَّا سَتُكَابِدُه بَعدَ وَفاتي. وَعَزَائِي أنك في النهايَةِ سَتَعْتلى العرش أيها الملك العظيم. ثم أغمض عينيه للمرة الأخيرة، وبكى الجميع بكاءًا حارًا لفراق هذا الملك العادل. ولم تُمهل الأيام أحَدًا. الحسبان. استيقظ فهد في منتصف الليلِ عَلَى أَصْوَاتٍ عَالِيَةٍ وَهَرْج وَمَرْجٍ . وَسُرْعَانَ مَا انفتح الباب الذى يفصل بينه وبين مُعلمه، الذي اندفع والخوف بادِيًا عَلى وَجْهه ، وَهُوَ يتكلمُ بِهِمْسٍ وَعَصَبِيَّةٍ : أَصَمَتْ وَلا تُصْدر أَي صَوْتٍ وَلَفَه فِي غِطَائه . وحَمَله على كتفه وانطلقَ يَعْدُو. وَلا مَا الذي حدث . كانت الأحداثُ كُلَّهَا سَريعةً وَكَأنه في حلم. كشفَ مُعلمه عَنْ وَجْهه ليتنفّسَ بِحُرِّيَّةٍ . وأمره أن يظل هَادِنَا. كان للالجميع في قارب صغير يحرك بمجدافين. كان عبد الرحمن يجدف بأحد المجاديف. وَمَرَاكبى طاعِنٌ فِي السِّن يُجدف بالمجداف الآخر. وَأخيرًا استطاعَ فهد أَنْ يسترد جَأْشَه ويَسْأَلَ : مَا هَذَا الَّذِي يَحْدث؟ الله نجاك بأعجوبة . أعداء مجهونُونَ هَجَمُوا بغتةً عَلَى الْمَمْلَكَةِ، ه وأحوالِهَا مَا زَالت مُضْطرِبةً بعد وفاة الملكِ . ثُمَّ اقتحموا القصر يُرِيدُونَ قتلك، كنتَ أنتَ الهدف. وَلَمْ يتسع الوقتُ إلا لإنقاذك أنت. شعر فهد بالخوفِ عَلى وَالدَتِهِ ، وأخذ يدعو الله أن يحفظها أجابه مُعلمه بنفادِ صَبْرٍ : هذا هو المكان الوحيد الذي لن يتعقبنا فِيهِ أَحَدٌ. لان فهد بالصمْتِ، والخوف يسْرِى فِي أَوْصَاله، ثُم مسحَ عَلَى رَأْسِ فَهْد وَقَبَّلَ جَبِينَه وقال : أبوك الملك كان له فضل كبير على. وسوف أزورك كلَّمَا سَنَحت الفرصة. كانَ الموقفُ عَصِيبًا، وعبد الرحمن يدور في الجزيرة بفَهْد. ليبحث عن مكان مُلائم للمَبيتِ. فجوة في أحد الجبال المنتشرة على الجزيرة تؤدى إلى كهف. أشعل عبد الرحمن شعلة من النار ، ودخل بحذر يتبعه فهد. فوجدا المكان جافا . فجلس جانبًا مع فهد حتى تهدأ أنفاسهما ، ولكن التعب الشَّدِيدَ سُرِعَانَ مَا أَخَذَ فَهَدًا إلى سُبَاتٍ عَمِيق . وبقَى مُعلمه وحيدًا يفكِّرَ فِيمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُمَا حَتَّى غَلَبه النوم هُوَ الآخَرُ . فبدلا من رؤية غرفته الفخمة وفراشه الدافيء، وجد نفسه نائما في كهف بالجبل ، فوق الأرض الجافة !! جلس فهد مكانه ، ليرتب أفكاره، إذن ما حدث لم يكن حلما. ولم يدر كم من الوقت مر وهو جالس هكذا . حتى انتبه زلعلى حركة بِجَانِبِهِ ، فرفع وجهَهُ ، ونظر فإِذَا بِمُعلمه قد استيقظ من نومهِ،