إن نشأة الرواية الجزائرية الحديثة غير مفصولة عن نشأة الرواية في الوطن العربي كله، الرواية العربية ومنها الجزائرية بالرواية األوروبية، كما أن هذه النشأة تختلف في ظروفها من قطر عربي إلى آخر، غير أن جذورها مشتركة، ترجع إلى القصص القرآني والسيرة النبوية، كما أنها تعود إلى مقامات بديع 898هـ) ومقامات الحريري 111(هـ، الزمان الهمداني 818(هـ، اإلنجليزية والفرنسية واأللمانية فضال عن الفارسية والتركية. إن اتصال العرب في العصر الحديث بالغرب أنتج تأثرا كبيرا بالمناهج الغربية الحديثة والنظريات األدبية والفكرية والفلسفية التي أدت إلى ثورة في املجال األدبي والفني عند الغربيين وكان لها انعكاس واضح على ثقافة األدباء والمفكرين العرب الذين أتيحت لهم فرصة الدراسة في الغرب أو الحياة لمدة زمنية هناك، «فنشأة الرواية العربية ومنها الجزائرية لم تأت من فراغ، إذن، فهي ذات تقاليد فنية وفكرية في حضارتها، كما أنها ذات صلة تأثرية ما بهذا الفن كما عرفته (أوروبا) في العصر الحديث، خصوصا بعد شيوع مصطلح الواقعية1». ومن الروايات التي تؤرخ للرواية الجزائرية الحديثة رواية "ريح الجنوب" لعبد الحميد بن هدوقة. وهي الرواية التي يكاد يجمع عليها الدارسون والنقاد بأنها البداية الفعلية للرواية الجزائرية الناطقة باللغة العربية. كتبت هذه الرواية أثناء مرحلة سياسية حساسة وخاصة في تاريخ الدولة الجزائرية المستقلة، صدرت هذه الرواية في 1(نوفمبر 0911م) في نفس السنة التي تم فيها التحضير إلصدار قانون الثورة الزراعية الصادر وقد جرت أحداثها في الريف، بمنطقة تقترب من الهضاب العليا بين جنوب الوطن وشماله، حيث تقبع قرية رعوية صغيرة يقطنها (عابد بن القاض ي) ذو األراض ي الفالحية واألغنام2». وتتمحور هذه الرواية حول هذه الشخصية املحورية التي تمثل مالك األرض الذي يستحوذ على كل ش يء ويحرم من حوله وينتهز كل فرصة ألغراضه الشخصيةـ في الوقت الذي جاء فيه قانون الثورة الزراعية مضادا لطموحاته الالمتناهية. إال أنها الفترة التي تكثف فيها اإلنتاج باللغة العربية وكانت تأسيسا سمح بظهور وتكوين كوكبة من األدباء، أصبحت لهم مكانة محترمة3». -2 اتجاهات الرواية الجزائرية: اتخذت الرواية الجزائرية منذ نشأتها اتجاهات مختلفة تبعا لمواقف سياسة أو فكرية وقد كان للتوجه السياس ي السائد في البالد أثرا بالغا في توجه الفكر واألدب وهذا أمر طبيعي، فاألدب انعكاس للواقع وعادة ما تؤثر السياسة في الواقع سلبا وإيجابا. « لقد سايرت الرواية الجزائرية الواقع، ونقلت مختلف التغييرات التي طرأت على املجتمع بحكم الظروف والعوامل التي أسهمت في إحداث هذا التغيير، ومن المالحظ أن الرواية الجزائرية قد صبغت بصبغة ثورية، خاصة الثورة ضد االستعمار، كما سايرت النظام االشتراكي وهذا ما نجده في عقد السبعينات، ودخلت الرواية في ما بعد مرحلة جديدة فيها ثورة ونضال وانهزام، " ففي مرحلة السبعينات تأكد الخطاب السياس ي واأليديولوجي الذي كان حاضرا بقوة في وسائل اإلعالم وفي الواقع اليومي؛ حالها حال القصة القصيرة، فأصبح للرواية بعدا اجتماعيا تدل عليه أدق التفاصيل فيها؛ «إذ العمل األدبي يوحي بداللته تلك منذ قراءة عنوانه، فأنت عندما ترى "الح ˛وات والقصر" على صفحة الغالف، بين املحكوم والحاكم، والقامع إلى غير ذلك مما يجعلك تحتمل منذ البداية عالقة غير متكافئة بين الطرفين2». أما مرحلة الثمانينات والتسعينات، فقد لوحظ تحول في مسار الرواية نحو محاولة تجاوز المواضيع الثورية بالمفهوم االجتماعي إلى ثورة على مستوى األفكار في تجربة تسعى إلى تخطي المألوف بسبب تغير األوضاع السياسية وتدهور الحالة االقتصادية مما أنتج صراعا أيديولوجيا عصف بالحياة الفكرية واألدبية. وفي هذه المرحلة توجه الروائيون نحو الشرق أو نحو الغرب ليجدوا لهم مكانة بين هؤالء أو أولئك رغبة في التطور والتغيير. «ولعل اإلضافة النوعية التي جاءت بها البنيوية هي أنها نبهت إلى ضرورة انتشال األدب من الفجاجة الواقعية والتسطيح ومكنت النقاد من استخدام أدوات راقية في التعامل مع النصوص3». مما أدى بالروائيين والنقاد على حد سواء يتجهون نحو تجديد النص األدبي والسمو به إبداعيا وفنيا؛ نذكر رواية واسيني األعرج "وقع األحذية الخشنة" سنة 0980م، ورواية "نوار اللوز" سنة 0881م، استثمر فيها التناص مع تغريبة ابن هالل وكتاب "المقريري" "إغاثة األمة لكشف الغمة1. اتسمت األعمال الروائية في الثمانينات بخاصة بسمة التمرد أو الرغبة في التمرد على الواقع وعلى القيم السائدة وعلى كل ماهو نمطي، وحتى على املحظور في أحيان كثيرة. فرواية "زمن التمرد" للحبيب السايح سنة 0981م، تدل من عنوانها على هذا المفهوم، ونذكر على سبيل المثال رواية "عزوز الكابران" لمرزاق بقطاش سنة 0989م، التي«يقف فيها شيخ الجامع وهو شخصية من شخصيات الرواية يعد رمز للتيار السلفي المتضامن مع النزعة الوطنية، ألنه في رأيه ال يعلم األطفال ما ينبغي تعليمه وهو أن يعلمهم الحقيقة وكذا التمرد على حاكم مثل "عزوز الكابران2». " على أن هذه السمة تعد سمة عامة، مع وجود عدد من الرويات التي لم تختلف عن روايات النشأة في سذاجتها وواقعيتها المفرطة. استمرت الكتابة الروائية في التسعينات بخطى متعثرة، لكنها مثلت اتجاها جديدا فرضه الواقع المتأزم، على الرغم من أن إرهاصات هذا التوجه الجديد كانت بادياته منذ الثمانينات التي كانت حبلى بالتغييرات الهائلة التي عصفت بالجزائر وشعبها من شتى النواحي. وسواء كان أستاذا أم كاتبا أم صحفيا أم رساما أم موظفا، فإنهم يشتركون جميعا في المطاردة والتخفي وهم يشعرون دوما أن الموت يالحقهم3». ومن الرويات التي مثلت هذه المرحلة نذكر على سبيل المثال؛ رواية "سيدة المقام" لواسيني األعرج، ورواية "تاء الخجل" لفضيلة فاروق، ورواية"الشمعة والدهاليز للطاهر وطار، كلها روايات كتبت في العشرية السوداء وصورت الواقع الفظيع الذي عاشه الشعب الجزائري بمختلف أطيافه وطبقاته. والواقع أن مرحلة التسعينات تجلت فيها املحنة وفرضت حضورها بقوة في الكتابة األدبية4. تطورت الرواية الجزائرية منذ نشأتها، فتتبعت مسارا متصاعدا من حيث الجماليات الفنية؛ بحيث انتقلت تدريجيا من البساطة واللغة المباشرة التي تصف الواقع أو تعيد تصويره بطريقة بدائية بعيدة عن الرؤية الفنية المبدعة في كثير من األحيان إلى اللغة الفنية التي توحي بأكثر من معنى وتجنح إلى عوالم خفية جمع الروائيون بين اإلبداع واتجاه املجتمع إلى االستقرار، االستقالل والسياسة فجاءت رواياتهم مثقلة بالهم السياس ي ومعبرة عنه في أغلب األحوال. وإغراق الرواية في هذا الجانب أفقدها كثيرا من فنياتها. وبدت أعمال هذه الفترة تأريخا لكل المتغيرات والتطورات التي وقعت في الجزائر. وذلك أن أكثر الروائيين انخرطوا في المدرسة الواقعية االشتراكية. في الثمانينات تغير كثيرا حال الرواية الجزائرية، وجمالياتها اللغوية بدأت في التطور مستفيدة من تقنيات الرواية الجديدة على الصعيدين العربي والعالمي. لكن هذا الوجود ليس مفصوال تماما عن الذات المبدعة أو تحركه حتمية ميكانيكية، قائمة المصادروالمراجع: • أبو القاسم سعد الله. دراسات في األدب الجزائري الحديث.