## ثانيا: التيارات النظرية المفسرة للإضطراب النفسي يُقدم تفسير الاضطراب النفسي وجهات نظر متعددة، لكل منها أطرها النظرية وأسمها ومبادئها التي بنت عليها اتجاهها النظري. تُعد النظريات المفسرة للإضطراب النفسي ومظاهرها ومعاييرها متعددة، ومن أهمها: **1- نظرية التحليل النفسي:** مؤسس هذه النظرية هو سيغموند فرويد، الذي عرّف الصحة النفسية في عام 1926 بأنها القدرة على الحب والحياة. الإنسان السليم نفسيا هو الإنسان الذي تمتلك "الأنا" لديه قدرتها الكاملة على التنظيم والانجاز، ويمتلك مدخلا لجميع أجزاء "الهو" ويستطيع ممارسة تأثيره عليه بدون عداء. ركزت نظرية التحليل النفسي على الجهاز النفسي المتكون من: * **"الهو":** منبع الميول والرغبات في صورتها الفطرية، يعمل بمبدأ الإشباع وتجنب الألم. * **"الأنا":** وسيط بين "الهو" والعالم الخارجي، قادرة على التواصل مع الواقع وتعمل على التوفيق بين مطالب أجهزة الشخصية. * **"الأنا الأعلى":** تتكون من القيم والمعايير والتقاليد التي استدخلت عن طريق التنشئة الاجتماعية، ودورها هو تنظيم الصور التي تسمح بتحقيق إشباعات "الهو". كما اهتمت هذه النظرية بمبادئ السلوك والتي صنفتها على أساس: * **مبدأ الثبات:** يعمل على تخفيف التوتر الناجم عن غياب الإشباع. * **مبدأ اللذة:** هو الحصول على إشباع التوتر وتجنب الألم، ويتميز هذا المبدأ بميله للتكرار. * **مبدأ الواقع:** يحاول هذا المبدأ إحداث تلاؤم بين رغبات الفرد والظروف التي يفرضها العالم الخارجي. يُعزى الاضطراب النفسي لعدم قدرة "الأنا" على تحقيق التوازن بين "الهو" و"الأنا الأعلى". في حالة غلبة "الهو" بطريقة مرضية، يدخل الفرد في ذهانات الفصام، البرانويا، نوبات الهوس والاكتئاب...الخ. في حالة غلبة "الأنا الأعلى"، قد يُصاب الفرد بالعصاب القلق، الخوف المرضي...الخ. أعطى فرويد وأتباعه أهمية لمراحل النمو النفسي الجنسي والتي قسمها إلى ثلاث مراحل: المرحلة القمية الشرجية والقضيبية. كلما اجتاز الفرد هذه المراحل وتحصل على الاشباعات الخاصة بكل مرحلة و فكت العقد المميزة لها، يضمن الصحة النفسية والعكس صحيح في حالة الإضطراب النفسي. يُؤكد فرويد أن الإنسان المظطرب نفسيا هو الذي لا يستطيع الإستمتاع بحياته دون مشاعر الذنب والخجل، ويعاني من الصراع النفسي بين مختلف عناصر الشخصية فيعيش حالة من القلق الدائم تدخله في اضطرابات ذهانية أو عصابية. أشارت نظرية التحليل النفسي إلى أهمية التوازن في توظيف المكانزمات الدفاعية (التبرير، الكبت، أحلام اليقظة، الإنكار، التعويض، الإسقاط، النكوص ... الخ). في حالة الاضطراب، يبالغ الفرد في توظيفها بطريقة تجعله يبتعد نوعا ما (حسب الاضطراب ذَهان أو عصاب) عن إدراك الواقع والاستجابة للمواقف الحياتية المختلفة. بالنسبة لـ كارين هورني (Karen Horney)، ينتج الاضطراب النفسي عن تدنيإدراك الذات وعدم تحقيقها والمقدرة على إضفاء التكامل بين معظم الحاجات النفسية. تُجدر الإشارة إلى أن الصحة النفسية بالنسبة للتحليل النفسي لا تقاس من خلال غياب الصراعات ومواجهتها، وإنما تتجلى في القدرة على حل الصراعات ومواجهتها بالقدرة على التسامي بصورة كافية. كما أن الصحة النفسية لا يمكن تحقيقها بصورة مطلقة، بل هي جزئية. يُؤاخذ على هذه النظرية هو أن أغلب دراساتها أقيمت على الحالات الشاذة واهتمت بالمرضي أكثر من السوي. **2- النظرية السلوكية:** نشأت المدرسة السلوكية كرد فعل على نظرية التحليل النفسي، حيث ترفض المفاهيم التحليلية. الإنسان بالنسبة للمدرسة السلوكية ليس سوى ما نراه ونلاحظه ونقيسه ثم نغيره من خلال فنيات سلوكية. تستند هذه النظرية على أعمال بافلوف واطسون تورندايك سكنير. الصحة النفسية بالنسبة لهؤلاء تتلخص في القدرة على اكتساب عادات تتناسب مع البيئة التي يعيش فيها الفرد، مركزة على السلوك الذي ينشأ عن المثير والاستجابة. أولت هذه النظرية اهتماما بالغا لعمليات التعلم التي تلعب دورا أساسيا في تكوين شخصية الفرد. يحدث التعلم نتيجة لوجود المثير والاستجابة، والتكرار وما يتبعها من تعزيز وتعميم، تمييز وانطفاء وغيرها. يُظهر الاضطراب النفسي بالنسبة لأصحاب هذه النظرية في تعلم الفرد العادات سلوكية سيئة، تلقى عليها مكافأة وتعزيزا إيجابيا دعمها لديه. نفس الشيء بالنسبة للسلوكيات السوية، فهي تكتسب نتيجة لعملية التعلم فثباتها أو اختفاءها راجع للنتائج التي يحصل عليها الفرد من سلوكياته (التعزيز أو العقاب). تُؤكد النظرية السلوكية أن السلوك الظاهري هو الحقيقة العلمية الوحيدة القابلة للدراسة النفسية، مع أهمية إدراج عمليات التعلم والتعزيز التي تساهم في اكتساب العادات السلوكية المنوية التي تعبر عن الصحة النفسية الجيدة. لكن يُلاحظ أن هذه النظرية لم تقدم تفسيرات للسلوكيات المعقدة، بل اهتمت بالسلوكيات البسيطة وعممت نتائجها من خلالها، بالإضافة إلى عدم اهتمامها بالعواطف والشعور وانعكاسها على المملوك. **3- النظرية المعرفية:** تُركز هذه النظرية على دراسة العمليات العقلية مثل التفكير، الإدراك، الانتباه، اللغة وحل المشاكل، لأنها تؤثر على السلوكيات الصادرة عن الأفراد. من رواد هذه النظرية نجد وليام هرست (William Herst) الذي يؤكد على أهمية تطبيق العمليات العقلية في الحياة اليومية، وتنمية الشعور واستعمال الطرق الموضوعية لتأكيده. ينتج الاضطراب النفسي بالنسبة لأصحاب النظرية المعرفية عن عدم القدرة على تفسير الخبرات بطريقة منطقية تمكن الفرد من المحافظة على الأمل واستخدام مهارات معرفية. الفرد المتمتع بالصحة النفسية قادر على استخدام استراتيجيات معرفية مناسبة للتخلص من الضغوطات، ويحيى على الأمل ويتجنب اليأس. تركز النظرية المعرفية في تفسيرها لمفهوم الصحة النفسية على العمليات العقلية التي يجب أن تطغى على سلوكيات الأفراد. في حالة الاضطراب النفسي، يجد الفرد صعوبة في استخدام المهارات المعرفية المنطقية التي تساعده في التغلب على مصاعب الحياة المختلفة. لكن ما يُؤاخذ على هذه النظرية هو عدم اهتمامها بالخبرات السابقة التي عاشها الفرد في طفولته. **4- النظرية الإنسانية:** من رواد هذه النظرية نجد كارل روجرز (1987-1902 Carl Rogers)، الذي وضع نظرية الذات، وأبراهام ماسلو (1970-1908 Abraham maslow) الذي وضع نظرية الحاجات. تهتم هذه النظرية بدراسة الفرد ككل بوسائل أمبريقية لها صيغة إنسانية على نحو متميز، وذلك بهدف مساعدة الفرد كي يعيش وجودا أكثر سعادة وتحقيقا للذات. يُظهر الاضطراب النفسي عند المفكرين الإنسانيين عندما لا يحقق الإنسان إنسانيته تحقيقا كاملا. هناك مؤشرات تحدد معنى الإنسانية، منها حزية الفرد التي يمارسها وهو مدرك لحدودها وتحمل مسؤوليتها حتى يصل إلى معنى لحياته بتحقيق أهدافه، والالتزام بقيم عليا مثل الخير والشعور بالأمان والإنتماء وتقبل الذات. من المبادئ التي قامت عليها هذه النظرية: * التأكيد على الشرط الإنساني. * رفض النزعة الاختزالية والمدخل العلمي الكاذب. * حرية الإرادة في مقابل الحتمية. * تحقيق الذات.