وكل هذه المُكوّنات تُشكّلُ الطَّبيعة التي تُميِّرُ كُلَّ بَلدٍ عن غيره من البلدان، كما يتوارث أهل كل بلد أسماء معالمه الجغرافية، لا تنمحي أسماؤها مهما طال الزمن، ومهما حاول أيُّ مُحتل أو غاز محو أسمائها، جعلها تجاور به البحار، وأنعم عليها من عميم ماء البحار والأنهار والأمطار، علاوةً على نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، كما قالت العرب . ويرتوي كُلُّ ما عليها مِن حيوان وزروع ونبات، كانت هجمة المحتل الباغي على مصادرِهِ في فِلَسْطِينَ، ومن هذه الأمطار يحصُلُ رِيُّ مِساحات واسعة من الأراضي الزراعية البعلية. وتتفاوت نسبةُ هطول الأمطار من عام لآخـر فـي فلسطين، مـا يجعل التعويل على مياه الأمطار لسدّ حاجتنا منه أمراً محفوفاً بالخطر. كما يؤثر التباين التضاريسي لفلسطين على معدل سقوط الأمطار السنوي، الذي يتراوح بين مئة (١٠٠) ملمتر في الأغوار، وتُقَدِّرُ كميات مياه الأمطار التي تسقط على فلسطين بحوالي عشرة (١٠) مليارات متـر يتبخّرُ منها ما بين ستين إلى سبعين بالمئة (٦٠ - ٧٠ ٪)، ما يقارب خمسة وعشرين بالمئة (٢٥ ٪)، وما تبقى منها يجري على شكل سيول باتجاه البحر. ومثلما ابتلي الشعب الفلسطيني بالمحتل الصهيوني، وإرثه الثقافي والمعماري، فقد ابتلي - أيضاً - في مياهه ، فقد تفنّن هذا المحتل في سلب مصادر مياه فلسطين، ويمن على أبناء شعبها بالنزر ولا يروي غُلّة الصَّدِّيانِ . بَلْ راحَ يَدْرعُ أرضها شرقاً وغرباً، وهاداً : أراضي مياهها في جوف الأرض؛ وسلبها من أصحاب الأرض، نجاداً: أراضي مشرفة أو مرتفعة . لقد حرم الشعب الفلسطيني أبسط حقوقه في مياه وطنه، ولم تعد نسبة ما يحصل عليه من ماء أرضه بكافية لسد رمقه، ناهيك عن حاجته المائية الضرورية لسقي مواشيه وأنعامه، وري أشجاره ومزروعاته . لسد جميع احتياجاته، هـو مـا بيـن مئة إلى مئة وعشرين (١٠٠ -١٢٠) لتراً يومياً، في حين أن نصيب استهلاك الفلسطيني من ذلك تُقدّر بنحو خمسة وأربعين (٤٥) لتراً، وأقل من ذلك. وأما نسبة استهلاك المستوطن الواحد فهي سبعة أضعاف استهلاك الفرد الفلسطيني، إنما هي في الأصل مياة فلسطينية. وقد عَمِلَ المُحتلُّ الصّهيوني على زرع مستوطناته فوق الأحواض المائية في فلسطين، مدمّراً بذلك كثيراً من الأراضي الفلسطينية، بمعدلات خيالية، ولم يتوقف أثر المستوطنات السلبي على نَهْبِ المياه، حيث عملت مخلفات مستوطناته، وما زالت تعمل على تلويث مصادر المياه الفلسطينية. ما أدّى إلى اهتراء هذه الشبكات وتهتكها ، واختلاط المياه الملوّثة بالمياهِ النّقيّة، لتصل هذه المياه ملوثة إلى التجمعات الفلسطينية، أو حدّد عمقها. لقد غدت قضية المياه في فلسطين مشكلةً تُؤرّق كل مواطن، فهو لم يعد يجد ما يكفي حاجته من الماء؛ بسبب تحكم الاحتلال وحرمان المواطنين منها، الأمر الذي أدى إلى تفاقم أزمة المياه، أو بسبب تأخر هطولها عن مواسمها ، وأمام هذه الممارسات غير الإنسانية، والهواء، ماذا علينا أن نعمل لنؤمن حاجاتنا من الماء؟ وكيف يعوض المواطن الفلسطيني قليلاً من الماء المسلوب منه؟ وكيف له أن يُعزّز صموده على أرضه؟ وكيف ترشد استهلاك الماء، في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى قطرة ماء؟ تتعدد وسائل الحد من هدر الماء وتبذيره، ولعل أنجع وسيلة لذلك، وتبذير، ومثل هذا الإجراء، لتجميع مياه الأمطار فيها، ويُعد بناء السدود والخزانات من أنجع الوسائل في تجميع مياه الأمطار، وحفظها للاستعمال عند الحاجة . وتحويلها إلى مياه عذبة، يُمكن أن يُسهم إسهاماً فعالاً في توفير مصدر من مصادر المياه التي لا تنضب، تبقى مشكلة مياه الشعب الفلسطيني، إضافة إلى كلّ المشكلات الناجمة عن المحتل،