كَرِيمَةً إِلَى حَدِّ اَلتَّبْذِيرِ وَلَا هَمّ لَهَا فِي تَرْتِيبِ بَيْتِهَا وَتَدْبِيرِ شُؤُونِهِ. إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِاسْتِمْرَارٍ وَلَا تَشْكُو اَلتَّعَبَ وَلَا تَعْرِفُ اَلرَّاحَةَ إِلَّا عِنْدَ اَلْأَكْلِ وَالنَّوْمِ، وَفِي اَلصَّيْفِ كُنْتُ أَرَاهَـا فِي اَلْحَقلِ وَبَيْنَ اَلصُّخُورِ تَقْطَعُ أَعْشَابًا تَعْرِفُهَا لِتَجَدِل مِنْهَا اَلْمَكَانِسَ لِلْبَيْتِ، وَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَا تَفْعَلُهُ فِي اَلْبَيْتِ أَوْ فِي اَلْحَقْلِ كَانَتْ تَأْخُذُ مِغْزَلهَا وَتَغَزُّلُ اَلصُّوفَ اَلَّذِي مِنْهُ كَانَتْ تُنْسِجُ جَوَارِبِنَا فِي اَلشِّتَاءِ أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ تَرَفأ ثِيَابَهَا وَثِيَابَ جَدِّي أَوْ تَقُومُ بِغَيْرِ ذَلِكَ من اَلْأَعْمَالِ. كَانَتْ وَفَاةُ جَدَّتِي وَأَنَا مُتَغَيِّبٌ عَنْ بِلَادِي بَعِيدًا عَنْ اَلْأَهْلِ وَالْخُلَّانِ. وَعِنْدَمَا جَاءَني اَلْخَبَرُ اِرْتَسَمَ وَجْهُهَا اَلطَّاهِرُ أَمَامَ عَيْنِي بَأَخادِيدِهِ اَلْعَمِيقَةِ فِي اَلْجَبْهَةِ وَالْخدَّيْنِ فَشَقَّ عَلِي أَنَّ لَا يُتَاحَ لِي أَنْ أَقْبِّلَهَا قَبْلَ أَنْ يُغَطِّيَهَا اَلتُّرَابُ.