فلقد كنتُ أحجمُ عن تحريرِ بعضِ المصطلحاتِ خوفَ الوقوعِ في مشكلةِ تفلسفٍ لا معنى لها، ١) لقد كتبت في هذا الموضوع رسالة أرجو أن ييسِّر الله أمرها، وبعد أن قرأت في بعض هذه الكتب التي تتحدث عن الإعجاز العلمي، ظهر لي أنَّ الأمر يحتاج إلى إيضاح لهذا الموضوع، وضبطٍ لما يُفسَّر به القرآن من هذه القضايا التي أنتجها البحث التجريبي المعاصر، وظهر لي أنَّ في تسميته بهذا  وليس الإعجاز، لأنه يُفهم منه أنَّ التفسيرات غيره ليست علميَّة، مع ملاحظة أنَّ هذه التسمية فيها آثار التغريب الذي يجعل العلوم الدنيوية توسم بالعلم، والموضوع ذو شجون، وإنما أشرت إليه هنا لأخلص إلى سؤالين طُرحا عليَّ بشأن مسألتين متعلقتين بما يُسمَّى الإعجاز: مع آية في سورة التوبة، فقد ظهر لذلك القارئ أنَّ الآية العاشرة بعد المائة (١١٠) تشير إلى أحد البرجين الذي تتكون طوابقه من هذا العدد، وأنَّ عدد السورة في ترتيب المصحف هي التاسعة تشير إلى الشهر الميلادي، فزعم أنَّ هذا من إعجاز القرآن؛ لأنه ـ بزعمه ـ أشار إلى هذا الحدث المستقبلي!. ولا ذكر البرج الثاني الذي لا يتوافق مع العدد الذي ظهر له؟!. والآية نازلة في مسجد الضرار، وليس هنا علاقة بينها وبين ما حدث لا من قريب ولا من بعيد، = موقع الآخر من الآيةِ، وإذا كان يعدُّ هذين البرجين من مباني الضرار، قياساً على مسجد الضرار، وضدَّ المسلمين بالذات. ثمَّ ما الحاجة الداعية إلى هذا الربط الغريب العجيب، إنَّ هذا مما يدخل في الرأي المذموم؛ لأنه قول على الله بغير علمٍ، أو التفسير العلمي. وهل يعتمد صاحب هذا القول على أنَّ هذا الترتيب جاء بالتوقيف، فإن كان جاء مصادفةً، فما أكثر المصادفات التي يمكن أن تظهر لكَ، أو غيره، الأول: أنَّ ترتيب الأجزاء من عمل المتأخرين، وليس فيه توقيف من النبي صلّى الله عليه وسلّم، فهو عمل اجتهاديٌّ. وقيل: إنه توقيفي، ولعل من ظهر له هذا التوافق العجيب لا يعلم بهذا، وإن عَلِمَ فهل حرَّر مسألة التوقيف والاجتهاد في ترتيب السور ليجعل ما توصل إليه من هذا التوافق صحيحاً. الثالث: هل يعلم قائل هذا القول علماً يُسمَّى «علم عدِّ الآي»؟ = = وهل يعلم أنه مختلفٌ في عدد آي هذه السورة على قولين: الجمهور على أنها مائة وثلاثون آية، وفي العدِّ الكوفي الذي عليه عدُّ المصحف الذي بين يديك عدد آياتها مائة وتسع وعشرون آية. وعلى قول الجمهور ينتقضُ عدد الآية؛ ويبرز فيه من يحسن جلبها، فأحببت أن أردَّ من يتعرَّضُ لكتاب الله بما لا يقبله عقل العقلاءِ؟ ولكي يُعلمَ أنَّ العلم له بابٌ من أراده من غير بابه خرج بما لا تقبله العقول، ولو كانوا يُعدُّون عند الناس من الكبار. وهو ما يسمى بالإعجاز، بل هو أحد هذه السُّبل، فافهم عني ما قلت، والله الموفق إلى سواء السبيل. وكان مما قاله في هذا ما = وقال لي: يا سيدي، هل حاولت أن تقارن بين رقم سورة الحديد في القرآن الكريم والوزن الذري للحديد، وبالجدول الدوري للعناصر وكتاب في الكيمياء غير العضوية، والعدد الذري للحديد (٢٦)، فألهمني ربي آية قرآنية مبهرة، {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: ٨٧]، ويعتبر الفاتحة مقدمة للقرآن، ولو بقيت (٥٧)، ووجدت = وآياتها ستٌّ، فالبسملة آية من الفاتحة وآية من كل سورة قرآنية ذكرت فيها البسملة ما عدا سورة التوبة، فإذا أضفنا البسملة في مطلع سورة الحديد يصبح رقم الآية (٢٦)، ويعجب الإنسان إلى هذه اللفتة المبهرة، ولا لأعدادها الذرية، ولكن هذه معجزة هذا الكتاب الخاتم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهذه الومضات القرآنية المبهرة تبقى دائماً شهادة صدق على أن القرآن كلام الله، تسجيلات أُحد). ولا أرى أنه يخفى على العامِّي قبل المتعلِّم ذلك التَّكلف الذي قام به الدكتور الفاضل لإثبات قضية لا شأن لها في ذاتها، فضلاً عن أن تكون معجزة من معجزات القرآن، ولا يخفى على طالب العلم ما وقع له في تفسير الآية، والعطف هنا من باب عطف الصفات لا عطف الذوات، فقد روى البخاري وغيره جملة من الأحاديث في هذا المعنى، ومنها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أم القرآن: هي السبع المثاني والقرآن العظيم». وقال ابن = تحقيق: سامي السلامة (١:٥٤٧)، فإن غيره من الأقوال تسقط، ويكون تفسير الآية ما قاله صلّى الله عليه وسلّم. بلا تحقيق في هذه المسائل، ولا رجوع إلى أهل العلم الذين يُعرفُ كلامهم فيها، كما عوَّده البحث في العلوم التجريبية، وهل يصحُّ هذا الاختيار بلا تحقيق؟! وفي عدِّ الباقين (٢٨)؛ ولانتقض ما بناه أيضاً. وكل هذا التكلف في محاولة ربط مثل هذه القضايا بالقرآن إنما يصدر ممن يأتي إلى القرآن بمقررات سابقة ويريد أن يطوِّع القرآن لمقرراته، ضارباً بكل ما خالفها عُرض الحائط، وفي هذه المحاضرة في الإعجاز العلمي أخطاء أخرى ليس هذا محلُّ عرضِها. كمصطلح المفسر، وكالفرق بين مصطلح علومِ القرآنِ ومصطلح أصول التَّفسيرِ، إلى غير ذلك من المصطلحاتِ المنثورةِ في علومِ القرآنِ (١). وكنت أخشى أن لا يكون البحث فيها مجدياً ولا مفيداً، ولكنِّي رأيتُ أنَّ بعضها يُبنى عليه مسائلُ علميَّة، وأنَّ تحرير هذه المصطلحات يفيدُ في أمورٍ؛ * بيان المصطلحِ بذاتِه. * عدم دخول ما ليس منه فيه. وقد كان من أكبر ما دعاني إلى خوضِ ذلك الغمارِ ١) لم أكتب في هذا الكتاب سوى مصطلحات خمسة، عدمُ وضوحِ بعض المصطلحاتِ، أو تداخلُ بعضها ببعضٍ، أو بناءُ نتائجَ علمية على تعريفاتٍ غير صحيحةٍ لبعضِ هذه المصطلحات (١). وأسأل الله أن يوفِّقني فيما أقول، إنه هو المستعان، تنظر في مجلة الحكمة (محرم ١٤٢٢.