يُنسبون إثنيًّا إلى العرق الأصفر أو المغولي، وهو عرقٌ تُنسب إليه شعوب آسيا الشرقية كالمغول والصينيين وغيرهم. عاش التُرك قبائل وعشائر عدّة، وكان موطنهم الأوّل بوادي آسيا الوسطى، ما بين جبال آلطاي شرقًا وبحر قزوين غربًا، فأصلُ العثمانيين يعود لقبيلةٍ من قبائل التُرك هي «قبيلة قايى». عندما استولى المغول بقيادة جنكيز خان على خراسان، نزحت وزعيمها «كندز ألب» نحو المراعي شماليّ غربي أرمينيا قُرب مدينة خلاط. وعاشوا هنالك زمنًا، دلّت عليهم أحجارٌ وقبور تُنسب لأجداد بني عثمان، ويُستفاد من المعلومات المتوافرة أن هذه القبيلة تركت منطقة خلاط حوالي سنة 1229م تحت ضغط الأحداث العسكرية التي شهدتها المنطقة، بفعل الحروب التي أثارها السلطان جلال الدين الخوارزمي، وهبطت إلى حوض نهر دجلة. قيام الدولة العثمانية (1299–1453) توفي "كندز ألب" في العام التالي لنزوح عشيرته إلى حوض دجلة، فترأس العشيرة ابنه سليمان، ثم حفيده "أرطغرل" الذي ارتحل مع عشيرته إلى مدينة إرزنجان، وكانت مسرحًا للقتال بين السلاجقة والخوارزميين، فالتحق بخدمة السلطان علاء الدين سلطان قونية، إحدى الإمارات السلجوقية التي تأسست عقب انحلال دولة السلاجقة العظام، وسانده في حروبه ضد الخوارزميين، فكافأه السلطان السلجوقي بأن أقطع عشيرته بعض الأراضي الخصبة قرب مدينة أنقرة. وظل أرطغرل حليفًا للسلاجقة حتى أقطعه السلطان السلجوقي منطقة في أقصى الشمال الغربي من الأناضول، حيث بدأت العشيرة هناك حياة جديدة إلى جانب إمارات تركمانية سبقتها إلى المنطقة. علا شأن أرطغرل لدى السلطان بعد أن أثبت إخلاصه للسلاجقة، وأظهرت عشيرته كفاءة قتالية عالية في كل معركة، وكان النصر يتم على أيدي أبنائها، فكافأه السلطان بأن خلع عليه لقب "أوج بكي"؛ غير أن أرطغرل كان ذا أطماع سياسية بعيدة، فلم يقنع بهذه المنطقة التي أقطعه إياها السلطان السلجوقي، ولا بمهمة حراسة الحدود والحفاظ عليها؛ بل شرع يهاجم باسم السلطان ممتلكات البيزنطيين في الأناضول، فاستولى على مدينة أسكي شهر وضمها إلى أملاكه، واستطاع أن يوسع أراضيه خلال مدة نصف قرن قضاها كأمير على مقاطعة حدودية، عن عمر يُناهز التسعين عامًا، بعد أن خُلع عليه لقب كبير آخر هو "غازي"، تقديرًا لفتوحاته وغزواته. التأسيس السلطان الغازي عثمان خان الأول، مؤسس الدولة العثمانية. تولّى زعامة الإمارة بعد أرطغرل ابنه البكر عثمان، وما كان يتهددها من أخطار. أظهر عثمان في بداية عهده براعة سياسية في علاقاته مع جيرانه؛ فعقد تحالفات مع الإمارات التركمانية المجاورة، ووجه نشاطه العسكري نحو الأراضي البيزنطية لاستكمال رسالة دولة سلاجقة الروم بفتح الأراضي البيزنطية كافة، وإدخالها ضمن الأراضي الإسلامية، وانهماكها بالحروب في أوروبا، فأتاح له ذلك سهولة التوسع باتجاه غربي الأناضول، ومن الناحية الإدارية؛ فقد أظهر عثمان مقدرة فائقة في وضع النظم الإدارية لإمارته، حيث قطع العثمانيون في عهده شوطًا كبيرًا على طريق التحول من نظام القبيلة المتنقلة إلى نظام الإدارة المستقرة، ما ساعدها على توطيد مركزها وتطورها سريعًا إلى دولة كبرى. وقد أبدى السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباد الثالث تقديره العميق لخدمات عثمان، عثمان باشا". أقدم عثمان بعد أن ثبّت أقدامه في إمارته على توسيع حدودها على حساب البيزنطيين؛ وجعلها قاعدة له، وأمر بإقامة الخطبة باسمه، وهو أول مظهر من مظاهر السيادة والسلطة، ومنها قاد عشيرته إلى بحر مرمرة والبحر الأسود. السلطان الغازي أورخان الأول. وحين تغلب المغول على دولة قونية السلجوقية، سارع عثمان إلى إعلان استقلاله عن السلاجقة، ولقّب نفسه "پادشاه آل عثمان"؛ أي: عاهل آل عثمان، التي نُسبت إليه لاحقًا. وظلّ عثمان يحكم الدولة الجديدة بصفته سلطانًا مستقلًّا حتى تاريخ 6 أبريل سنة 1326م، الموافق 2 جمادى الأولى سنة 726هـ، عندما احتل ابنه "أورخان" مدينة بورصة الواقعة على مقربة من بحر مرمرة، بعد أن وضع أسس الدولة، ومهد لها درب النمو والازدهار، وخُلع عليه لقب آخر هو "قرة عثمان"، وهو يعني "عثمان الأسود" باللغة التركية الحديثة، لكن يُقصد به "الشجاع" أو "الكبير" أو "العظيم" في التركية العثمانية. عُنِيَ أورخان بتنظيم مملكته تنظيمًا محكمًا؛ ونظّم الجيش، فألّف فرقًا من الفرسان النظاميين، وأنشأ من الفتيان المسيحيين الروم والأوروبيين الذين جمعهم من مختلف الأنحاء جيشًا قويًا عُرف بجيش الإنكشارية. وخصّهم بامتيازات كبيرة، فتعلقوا بشخصه وأظهروا له الولاء. وعمل أورخان على توسيع الدولة، فكان طبيعيًّا أن ينشأ بينه وبين البيزنطيين صراعٌ عنيف، كان من نتيجته استيلاؤه على مدينتيْ إزميد ونيقية، ولكنه أخفق في احتلالها، ومع ذلك أوقعت هذه الغزوة الرعب في قلب إمبراطور الروم "أندرونيقوس الثالث"، فسعى إلى التحالف معه وزوجه ابنته، ولكن هذا الزواج لم يحل بين العثمانيين وبين الاندفاع إلى الأمام، وتثبيت أقدامهم سنة 1357م في شبه جزيرة غاليبولي، وهكذا اشتد الخطر العثماني على القسطنطينية من جديد. شهد المسلمون في عهد أورخان أوّل استقرار للعثمانيين في أوروبا، وأصبحت الدولة العثمانية تمتد من أسوار أنقرة في آسيا الصغرى إلى تراقيا في البلقان، توفي أورخان الأول في سنة 1360م، بعد أن أيّد الدولة الفتيّة بفتوحاته الجديدة وتنظيماته العديدة، بريشة آدم ستيفانوڤيتش، كانت فاتحة أعمال مراد الأول احتلال مدينة أنقرة مقر إمارة القرمان؛ ذلك أن أميرها، واسمه علاء الدين، أراد انتهاز فرصة انتقال المُلك من السلطان أورخان إلى ابنه مراد لإثارة حَمِيَّة الأمراء المجاورين، وتحريضهم على قتال العثمانيين، ليقوضوا أركان ملكهم الآخذ في الامتداد يومًا بعد يوم، فكانت عاقبة دسائسه أن فقد أهم مدنه. وتحالف مراد مع بعض أمراء الأناضول مقابل بعض التنازلات لصالح العثمانيين، وبذلك ضمّ جزءًا من الممتلكات التركمانية إلى الدولة العثمانية، ثم وجّه اهتمامه نحو شبه جزيرة البلقان، التي كانت في ذلك الحين مسرحًا لتناحر دائم بين مجموعة من الأمراء الثانويين، ففتح مدينة أدرنة سنة 1362م، ونقل مركز العاصمة إليها لتكون نقطة التحرك والجهاد في أوروبا. كما فُتحت عدّة مدن أخرى؛ وبذلك صارت القسطنطينية محاطة بالعثمانيين من كل جهة في أوروبا. وفي 12 يونيو سنة 1385م، الموافق 19 جمادى الآخرة سنة 791هـ، التقت الجيوش العثمانية بالقوى الصربية -تساندها قوًى من المجر والبلغار والألبانيين- في إقليم "قوصوة"، المعروف حاليًا باسم "كوسوڤو"، فدارت بين الطرفين معركة عنيفة انتصر فيها العثمانيون، إلا أن السلطان قتل في نهايتها على يد جندي تظاهر بالموت. معركة نيقوبولس بين العثمانيين والأوروبيين. بريشة ستانيسلو تشلبوسكي، 1878. تولّى عرش آل عثمان بعد مراد الأول ابنه بايزيد، وعند ذلك كانت الدولة قد اتسعت حدودها بشكل كبير، وانتزع من البيزنطينيين مدينة آلاشهر، وكانت آخر ممتلكاتهم في آسيا الصغرى، وأخضع البلغار عام 1393م إخضاعًا تامًا، فجزع "سيگسموند" ملك المجر من هذا التوسع العثماني، خصوصًا بعد أن تاخمت حدود بلاده مناطق السيطرة العثمانية، فاستنجد بأوروبا الغربية؛ فدعا البابا "بونيفاس التاسع" إلى حملة صليبية جديدة ضد العثمانيين لمنعهم من التوغل في قلب أوروبا، وعدد من أمراء فرنسا وباڤاريا والنمسا وفرسان القديس يوحنا في رودس وجمهورية البندقية، وقدمت إنگلترا مساعدات عسكرية. تقابل الجيشان العثماني والأوروبي في 25 سبتمبر سنة 1396م، الموافق 21 ذي الحجة سنة 798هـ، ودارت بينهما رحى معركة ضارية هُزم فيها الأوروبيون وردوا على أعقابهم. فارتد عنها خائبًا. ولم ينس بايزيد، وهو يوجه ضرباته الجديدة نحو الغرب، أن المغول يستعدون للانقضاض عليه من جهة الشرق، وخاصةً بعد أن ظهر فيهم رجلٌ عسكري جبّار هو تيمورلنك الشهير، المتحدّر من سلالة جنكيز خان. لذلك عمل بايزيد على تعزيز مركزه في آسيا الصغرى استعدادًا للموقعة الفاصلة بينه وبين تيمورلنك، وتأخر سقوط القسطنطينية في أيدي العثمانيين خمسين سنة ونيفًا. وفي ربيع سنة 1402م، تقدّم تيمورلنك نحو سهل أنقرة لقتال بايزيد، ودارت معركة طاحنة انهزم فيها العثمانيون، وأُسر السلطان بايزيد، ومات في سنة 1403م. عهد الفترة بعد موت السلطان بايزيد تجزأت الدولة إلى عدّة إمارت صغيرة، كما حصل بعد سقوط الدولة السلجوقية؛ لأن تيمورلنك أعاد إلى أمراء قسطموني وصاروخان وكرميان وآيدين ومنتشا وقرمان ما فقدوه من البلاد، واستقل في هذه الفترة كل من البلغار والصرب والفلاخ، ولم يبق تابعًا للراية العثمانية إلا قليل من البلدان. ومما زاد الخطر على الدولة عدم اتفاق أولاد بايزيد على تنصيب أحدهم؛ إذ كان كل منهم يدعي الأحقية لنفسه، فنشبت بينهم حروب ضارية، المُلقب بمحمد الأول، أو "محمد چلبي"، الذي استطاع أن يعيد للدولة بعض ما فقدته من أملاكها في الأناضول. عودة التوسُّع وفتح القُسطنطينيَّة فاستمر بإخضاع المدن والإمارات التي استقلت عن الدولة العثمانية، وحاصر القسطنطينية، ولكنه لم يُوفق إلى احتلالها. ثم حاول أن يعيد إخضاع البلقان لسيطرته، ففتح عدّة مدائن وقلاع، وحاول أن يضم إليها مدينة بلغراد لكنه فشل في اقتحامها، فكان هذا الهجوم إنذارًا جديدًا لأوروبا بالخطر العثماني، فقامت قوات مجرية -وعلى رأسها يوحنا هونياد- بالالتحام مع العثمانيين وهزمتهم هزيمة قاسية؛ كان من نتائجها بعث الروح الصليبية في أوروبا، وإعلان النضال الديني ضد العثمانيين. السلطان الغازي محمد الثاني الفاتح. ولمّا توفي السلطان مراد الثاني ارتقى عرش العثمانيين ابنه محمد، فكان عليه بادئ الأمر أن يُخضع ثورة نشبت ضده في إمارة قرمان بآسيا الصغرى، فاستغل الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الحادي عشر هذا الأمر، وطلب من السلطان مضاعفة الجزية التي كان والده يدفعها إلى البيزنطيين لقاء أسرهم الأمير أورخان حفيد سليمان بن بايزيد المطالب بالعرش العثماني، فاستاء السلطان محمد من هذا الطلب لما كان ينطوي عليه من تهديد بتحريض أورخان هذا على العصيان، فأمر بإلغاء الراتب المخصص له، وراح يتجهّز لحصار القسطنطينية والقضاء على هذه المدينة في أقرب فرصة ممكنة. وكان أوّل ما قام به في هذا السبيل تشييده عند أضيق نقطة من مضيق البوسفور قلعة "روملي حصار" القائمة على بعد سبعة كيلومترات من أبواب القسطنطينية، وعندئذ أرسل الإمبراطور قسطنطين بعثة من السفراء إلى السلطان محمد لتحتجّ لديه على ذلك، فلم يلقَوا منه جوابًا شافيًا، بل أصرّ على البناء لما في القلعة من أهمية إستراتيجية. واستنجد الإمبراطور قسطنطين بالدول الأوروبية فلم تنجده إلا بعض المدن الإيطالية، أما البابا فقد أبدى استعداده لمساعدة الإمبراطور شرط أن تتحد الكنيستان الشرقية والغربية، فوافق قسطنطين على المشروع، ولكنّ تعصّب الشعب حال دون تحقيق ذلك. محمد الثاني يدخل القسطنطينية، بريشة جوزيف بنيامين. وكان السلطان قد حشد لقتال البيزنطيين جيشًا عظيمًا مزودًا بالمدافع الكبيرة وأسطولًا ضخمًا، وبذلك حاصرهم من ناحيتيّ البر والبحر معًا. والواقع أن البيزنطيين استماتوا في الدفاع عن عاصمتهم، لكن ما إن مضى 53 يومًا على الحصار كان العثمانيون قد دخلوا المدينة، بعد أن هُدمت أجزاء كبيرة من أسوارها بفعل القصف المدفعي المتكرر، واشتبكوا مع البيزنطيين في قتال عنيف جدًا دارت رحاه في الشوارع، وذهب ضحيته الإمبراطور نفسه وكثير من جنوده، حتى إذا انتصف النهار دخل محمد المدينة، بعد أن قضى على المقاومة البيزنطية، ونَشْرِ راية السلام. اتخذ السلطان محمد لقب "الفاتح" بعد فتح المدينة، وأضاف إليه لقب "قيصر الروم"، ونقل مركز العاصمة من أدرنة إلى القسطنطينية التي غيّر اسمها إلى "إسلامبول"، أي مدينة الإسلام أو تخت الإسلام، وأعطى للمسيحيين الأمان وحرية إقامة شعائرهم الدينية، ودعا من هاجَر منهم خوفًا إلى العودة إلى بيوتهم. سقطت الإمبراطورية البيزنطية عند فتح المدينة بعد أن استمرت أحد عشر قرنًا ونيفًا، وتابع السلطان محمد فتوحاتِه في أوروبا خلال السنوات اللاحقة التي أعقبت فتح القسطنطينية، فأخضع بلاد الصرب، وقضى على استقلالها، وإقليم الأفلاق وبلاد البشناق وألبانيا، وهزم البندقية،