لمَّا تحرك الامام الحسين عليه السلام مع عدد قليل من أقاربه وأصحابه، للجهاد ضد يزيد بن معاوية، فقد رافقته شقيقته زينب إلى كربلاء، ووقفت إلى جانبه خلال تلك الشدائد. وشهدت كربلاء بكل مصائبها ومآسيها، وقد رأت بعينيها يومَ عاشوراء كلَّ أحبتها يسيرونَ إلى المعركة ويستشهدون. حيث قُتل أبناؤها وأخوتها وبني هاشم أمام عينيها. وبعد قتل اخيها الامام الحسين عليه السلام و انتهاء المعركة رأت اجسادهم بدون رؤوس وأجسامهم ممزقة بالسيوف. وكانت النساء الأرامل من حولها وهن يندبن قتلاهن وقد تعلق بهن الأطفال من الذعر والعطش. و كان جيش العدو يحيط بهم من كل جانب وقاموا بحرق الخيم، واعتدوا على حرمات النساء والأطفال. وقاموا بأسرهم واخذهم سبايا الى الكوفة ثم الى الشام وبقيت صابرة محتسبة عند الله ما جرى عليها من المصائب. وقابلت هذه المصائب العظام بشجاعة فائقة. دخلت قافلة السبايا إلى الكوفة بعد مقتل الحسين بأمر من عبيد الله بن زياد الذي كان واليا علي الكوفة آنذاك، فخرج أهل الكوفة للنظر إليهم، فخطبت زينب خطبتها الشهيرة في أهل الكوفة قبل دخولها إلى مجلس ابن زياد، فقالت لهم زينب:«أتبكون فلا سكنت العبرة ولا هدأت الرنة». وقد أشارت إلى الناس بأنهم هم المسؤولون عن قتل الحسين فقالت: «ويلكم أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟ وأي عهد نكثتم؟ . » و كان كلامها غايةً في الفصاحة والبيان مستعينةً بآيات من القرآن وكلامها يفيض بحرارة الايمان. فضج الناس بالبكاء والعويل. و عندما أدخلت نساء الحسين وأولاده ورهطه إلى قصر الكوفة حاول ابن زياد التهجّم على أهل بيت، والشماتة بما حصل لهم في كربلاء، فكان ردّ زينب قوياً وعنيفاً ولم تأبه بحالة الأسر والمعاناة التي كانت عليها. حين سألها ابن زياد:«كيفَ رأيتِ فعلَ اللهِ بأهلِ بيتكِ؟!» فقالت: «ما رأيت إلاّ جميلاً. هؤلاء قوم كتب اللّه عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم. » وكان كلامها معبراً عن حالة الرضا والتسليم المطلق للّه عزّ وجلّ. وانتهى موقفها في الكوفة إلى فضح القتلة وتبيين مقام شهداء كربلاء وقرابتهم من الرسول. ثم جُلبت أسيرة من الكوفة إلى الشام، بأمر من يزيد بن معاوية، ورأس أخيها الحسين ورؤوس شهداء أمامها على رؤوس الرماح طول الطريق، حتّى دخلوا دمشق وأُدخلوا على يزيد وهم مُقرّنون بالحبال والقيود، فعندما دخلوا على يزيد أمر برأس الحسين فوضع بين يديه، وأخذ ينكث ثنايا الحسين بقضيب خيزران بيده، فأثار هذا المشهد غضبها ومشاعرها فقامت وخطبت في مجلس يزيد معلنة انتصار الحق، ونهاية الحكم الأموي حيث ردت عليه بكل شجاعة وإباء مستصغرة قدره وسلطانه، ومستنكرة فعلته النكراء وقالت:«أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فاصبحنا نساق كما تساق الإماء. أنسيت قول الله تعالى: وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهُمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ. أمن العدل يابن الطلقاء تخديرك حرائرك وامائك وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهنّ وأبديت وجوههنّ، تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلي بلد. » و من خلال هذه الخطبة بيّنت للناس الغافلين الحقائق، وفضحت أفعال بني امية وجرائمهم التي ارتكبوها في حادثة كربلاء.